الساعــــــــات الناقصـــــــة في جـــــــدولِ المحاضـــــــراتِ الجامعيـــــــة
لا وقـت بدل ضائع

المتعارف عليه أن ساعات الدوام الجامعي للمحاضرات بمعدل 3 ساعات لكل محاضرة.. وكما هو معمول به في مختلف الجامعات الحكومية والخاصة، ولكن لوحظ مؤخراً أن أغلب المحاضرات لا تتجاوز الساعتين للمحاضرةِ الواحدة، بل قد تصل إلى (نصف ساعة)، ذلك ما أكده طلاب في بعض الكليات، وبرروا أقوالهم لأسباب يعتبرونها وجيهة، والبعض الآخر علل ذلك برتابةِ الأسلوب لدى (بعض) الأكاديميين، وعدم التجديد والتشويق في تقديم المعلومة للطالب.. ولمعرفةِ كل ذلك وتفاصيل حول نقص ساعات المحاضرات الجامعية، التقت صحيفة (لا) طلاباً وأكاديميين في سياق التالي..   
اتسام المنهج بالجمود
التقت صحيفة (لا) مجموعة من الطلاب والطالبات في كلية الإعلام، وكانت آراؤهم  متباينة، فالبعض منهم تحدث أن جمود المنهج سبب لعدم تقبل الساعات الطويلة للمحاضرة، والبعض الآخر أشار إلى الإسهاب وعدم التطبيق العملي، وعدم وجود التشويق والإثارة في طريقةِ عرض المادة..
بدأت الطالبة رؤى جمّال ـ كلية الإعلام ـ قسم علاقات عامة بالقول: (المتوسط الطبيعي)  للمحاضرة 3 ساعات، ولكننا لم نعد نأخذها كاملة، وعادة تكون ساعة أو أقل، لأن ضعف المنهج واتسامه بالجمود، وعدم التجديد والتطوير للمنهج، يجعل الطالب يشعر بالاكتفاء. وتوافقها في الرأي زميلتها في نفس القسم نورا النويهي، مضيفة إلى كلامها أن عدم التطبيق في القاعةِ والإسهاب يشتت الطالب، إضافة إلى (صبّ) الكثير من المعلومات غير المركزة أحياناً تشعره بالملل، وتجعله لا يستفيد من طول المحاضرة، وتختم نورا: أيضاً عدم التجديد في أساليب المحاضرات كلها عوامل تؤدي إلى الاكتفاء بتلك الساعات.

نفتقد التشويق
صدام محمد ـ طالب جامعي ـ إذاعة وتلفزيون، يقول: نفتقد التشويق في طريقة العرض، كذلك غياب التطبيق العملي بسبب انقطاع الكهرباء بالنسبة للاستوديوهات الإذاعية والتلفزيونية، وتلك نتيجة العدوان الذي أثّر بشكلٍ كبير على التحصيل العلمي. ويوضح صدام رأيه بالقول: فعندما يكون لدينا تطبيق عملي قد لا نجد الكهرباء لنستفيد مما تعلمناه نظرياً، وكلها انعكاسات لوضعٍ سياسي ألقى بظلاله على كل شيء، بما فيه التحصيل العلمي. ويختم صدام: لذلك يتقلص وقت الساعات في المحاضرة، ويتسرّب الزملاء من الحضور، لأنه لا جديد سيستفيدون منه.

يغلبني النعاس بالقاعة
ابتسام جار الله ـ طالبة بكلية التربية ـ معلم مجال، تعبر بأسلوبٍ طريف عن تذمرها من طول المحاضرات التي لا فائدة منها، تقول: يغلبني النعاس في القاعةِ دائماً، وأصحو وهي ما تزال مستمرة.. وأعود أغفو ثانيةً، ثم أحاول أن أصحصح للمحاضرة التالية. وتضيف ابتسام: أشعر أنها ثقيلة على القلب تلك الساعات المطولة، ولا نخرج منها بفائدة... وتستطرد: هل تعرفين ما السبب؟ وتجيب ابتسام على تساؤلها الذي طرحته: السبب أن الدكتور يقرأ من الملزمة، وليس لديه ما يضيف لنا. وتختم جار الله رأيها الذي اتسم بخفةِ الدم: وهنا يذكرني الأسلوب هذا بما كنّا ندرسه في أول ابتدائي حين كنّا (نقص) مع مدرس الحصة لنقرأ معه كل حرف، فحقيقة انصدمت أن (بعض) الدكاترة لديهم أساليب منفّرة، مع احترامي لمن يعمل ألف حساب لطالبٍ أكاديمي تجاوز المراحل الصغيرة على عقله، وأصبح طالباً أكاديمياً.

ملائكة (عذاب)...!
إذا كانت كلية مهمة كالطب لا تلتزم بالساعاتِ المحددة، وتقلصها إلى حدود ساعة واحدة فقط، فهي قمة المأساة لمن سيكونون (ملائكة رحمة) مستقبلاً، وهنا التقت (لا) مجموعة من طالبات الطب اللواتي أوضحن ما يدور في قاعاتِ المحاضراتِ..
بداية مع سحر عصام ـ كلية الطب ـ تخصص بشري مستوى خامس، تقول: رغم أن الساعات محددة في خارطةِ الدوام الجامعي، إلا أننا لم نصل إلى أخذ الثلاث الساعاتِ كاملة، وذلك لأسباب مشتركة بين الطالب والدكتور، وتوضح سحر ذلك: بعض الدكاترة غير ملتزمين بالوقت، فمثلاً عندما يقوم (مندوب الدفعة) بإبلاغنا عبر التواصل الاجتماعي، أن الدكتور سيلقي المحاضرة من الساعة كذا إلى الساعة كذا، بمعنى ساعتين، ونفاجأ أنها قد تكون في (نصف ساعة) فقط. وتضيف سحر: هذا الشيء لا يتناسب مع مستوى كلية بحجم كليتنا التي تحمل رسالة كبيرة للمجتمع، وذلك من حيث عدم الالتزام بالوقت، أما أساليب التدريس لدى الأغلبية فهي رتيبة ومملة وغير مستوفية للغرض، حسب تعبيرها. وتوضح  سحر: أما من ناحيةِ الطلاب فالأغلبية في تناقص ملحوظ ومخيف، ولم يعد يهتم أحد للحضور.

الأسلوب الممل
وتوضح سحر أكثر عن ذلك أن أهم الأسباب وراء عدم انضباط الطالب: الأسلوب الممل، وعدم الاستفادة من الحضور، وهنا يكتفي الطالب بالجانب التطبيقي في المستشفيات وقراءة المراجع.. وتختم سحر أيضاً: عامل الوقت، فجدول الطالب مزدحم بين العملي والنظري، وكذا تواجده في عدة مستشفيات للتطبيق، فقبل أن يتوجه الطالب إلى المحاضرة ينظر إلى اسم الدكتور، فإذا كان أسلوب الدكتور مشوقاً ويستحق عناء المواصلات منّا، فنحرص على الحضور مهما كانت الظروف، وإن كان العكس فإننا نكتفي بحضور الجانب التطبيقي في المستشفيات، ونقرأ مفردات المادة في البيت.

Slides
رهف ناصر ـ كلية الطب ـ جامعة صنعاء قسم بشري ـ مستوى رابع، تقول: أغلب الأساليب التي نتلقاها في الكلية منفّرة للحضور، فأنا لا أحرص على الحضورِ دائماً، لأن المحاضرات مجرد Slides (شرائح طبية) بالبروجكتر، بينما الطالب مطالب بقراءة الموضوع من المراجع التي يختارها بنفسه، ويصبح مشتتاً، فالطالب بوادٍ والدكتور بوادٍ آخر، وتوضح رهف قائلة: البعض من الطلاب يرجع لمرجع أمريكي، والبعض الآخر مرجع مصري، وأحياناً (تفريغات)، وهي عبارة عن تسجيلات لمحاضرات دكاترة مصريين، وهذه الأخيرة يستفيد منها الأغلبية، ولذلك فساعات المحاضرات حسب قيمة الموضوع وأهميته. وتختم رهف: أوجه رسالتي إلى بعض دكاترتنا أن يغيروا من الأساليب، وأن يقرأوا صحيفة (لا)، التي دائماً ما تهتم بقضايا طلاب وطالبات جامعة صنعاء، وتناقش معاناتهم، والاستفادة مما يُنشر هنا. 

انتظام المحاضرات
وحول ما تحدث عنه بعض طلاب كلية الإعلام، التقت الصحيفة د. علي العمار، رئيس قسم الصحافة بالكلية، وأوضح قائلاً: من الصعب جداً أن يكون هناك استماع للمحاضرة لأكثر من ساعتين بشكل متواصل، لذلك باعتبار أن المحاضرة محدد لها في كليةِ الإعلام 3 ساعات، فيحرص أستاذ المادة أن يكون هناك استراحة في منتصف المحاضرة لمدة ربع ساعة، وتستكمل بعدها بقية المحاضرة كاملة، علماً أنه لا يمكن أن يكون هناك امتحان للمادة إلا بعد أن تستكمل مفردات المادة. ويضيف د. علي: باعتباري رئيس قسم الصحافة، والذي يضم أيضاً المواد العامة، أو المشتركة، لم أجد حتى الآن أية شكوى من طالب، أو طالبة نتيجة نقص في وقت المحاضرة المحدد من قبل الكلية وإدارة الجامعة، ويختم د. علي: وهذا دليل على انتظام المحاضرات، وهناك حرص شديد من قبل أعضاء هيئة التدريس على أوقات المحاضرات، لأنه في الأخير عضو هيئة التدريس سيكون ملزماً بتدريس المنهج كاملاً.    
من جانبٍ آخر، تحدث د. حسين جغمان، نائب العميد للشؤون الأكاديمية بكليةِ الإعلام، حيث قال: المعروف أنه كانت مدة المحاضرات ساعتين للمحاضرة الواحدة، وبمعدل محاضرتين في الأسبوع، أي 4 ساعات في الأسبوع، فتم التعديل، وأصبحت المحاضرتان محاضرة واحدة، مدتها 3 ساعات، وهذا ما هو معمول به في النظام الجديد، محاضرة واحدة في الأسبوع، ويتم التعامل به في جامعات القطاعين (العام والخاص). ويوضح د. حسين: هذا التعديل لم يؤثر في النصاب التدريسي من ناحية إجمالي عدد الساعات المطلوب تدريسها في الترم الدراسي الواحد، بالإضافة إلى أن هذا التعديل تم به حل مشكلة القاعات، لأن عددها محدود، وعندما تم جمع المحاضرتين في محاضرة واحدة مدتها 3 ساعات، وفّر ذلك قاعة واحدة بدلاً عن قاعتين.

المدخل التاريخي مهم
وفي رده على استفسارات الطلاب حول قِدم المنهج، يوضح د. جغمان قائلاً: المداخل التاريخية مهمة جداً وضرورية لهم للاطلاع على الخلفية التاريخية لأية مادة كمدخل في المستوى الأول، وفي المستوى الثاني يتم إعطاؤهم لمحة كاملة عن التطورات التكنولوجية والإعلامية (الإلكترونية والرقمية)، بالنسبة للأجهزة والمعدات التي تستخدم في الإنتاج الصحفي والإذاعي والتلفزيوني والعلاقات، ولكن بشكل نظري، أما في المستوى الثالث يفترض أنه يبدأ عملية التطبيق العملي في المواد العملية، وبالنسبة للعلاقات العامة في تصميم وإخراج الإعلانات ومواد الإنتاج الدعائي (البروشورات ـ الكتيبات ـ الملصقات)، بالنسبة للمستوى الرابع وتحديداً (الترم الثاني)، يفترض أن يبدأ الطلاب بترجمة ما تعلموه من معارف وأسس نظرية وعملية في مجال الإعلام والاتصال، بمعنى إتاحة الفرصة لهم وتمكينهم من الأجهزةِ والمعدات لتطبيق مشاريع تخرجهم وغيرها بأيديهم. ويستدرك د. جغمان: لكن نتيجة للأحداث التي يمر بها الوطن منذ عام 2011م إلى الآن، بما فيها العدوان، ومن بداية (ثورة الدجل العربي) التي اتضح أنها عبارة عن مؤامرة (إخوانية ـ خليجية ـ أمريكية ـ صهيونية)، توقفت عمليات التطبيق العملي في المستويين الثالث والربع بشكل كامل، بسبب عدم وجود كهرباء، والإمكانيات المادية، اللازمة لتشغيل الاستوديوهات والأجهزة والمعدات، وتوفير نفقات التشغيل من أجور الفنيين وغيرها.

آخر الأوراق...
إذن، تلك هي خلاصة طلاب وأكاديميين، فلكل وضع مبرراته وأسبابه، ولكن تبقى المداخل التاريخية مهمة فعلاً، وخلفية ثقافية للطالب الجامعي، بالمقابل يجب أن يصاحب ذلك تجديد وتشويق في تقديم المعلومة للطالب من أستاذ المادة، ومواكبة التطورات الجديدة، ليأخذ الطالب حقه في الساعاتِ المحددة دون نقصان، ولا ننسى أن العدوان الغاشم على الوطن أثّر بشكلٍ كبير على كل شيء، بما في ذلك العملية التعليمية في مختلف المراحل، ويعتبر الجميع مقاوماً لأشرس حرب تدمر كل شيء، ويبقى التجويد والمواكبة للجديد مطلوبين قدر الإمكان وحسب المتاح.