وســـــــــط أجــــــــواء متوتــــــــرة
مسار النيل يفاقم الخلاف المصري السعودي


أثار خبر زيارة مستشار ملك السعودية لسد النهضة الإثيوبي، ردود أفعال واسعة النطاق في مصر، إذ رأى البعض أن هذا الأمر بمثابة تقديم رسالة دعم لأديس أبابا لبناء سد النهضة الذي تخشى مصر أن يؤثر على حصصها من مياه النيل, كما تتخوف القاهرة من تأثير السد على حصتها السنوية من مياه النيل (55.5 مليار متر مكعب)، حيث قام مستشار العاهل السعودي بالديوان الملكي أحمد الخطيب، الجمعة قبل الماضية، بزيارة السد في إطار تواجده في العاصمة أديس أبابا, وكان في استقباله مدير المشروع سمنجاو بقلي.
وذكر التلفزيون الإثيوبي الرسمي أن مستشار العاهل السعودي التقى رئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالين، واتفقا على (تشكيل لجنة مشتركة للتعاون بين البلدين في مجال الطاقة).
وقال التلفزيون إن ديسالين دعا السعودية إلى (دعم مشروع سد النهضة مادياً، والاستثمار في إثيوبيا).
وتعد زيارة الخطيب لإثيوبيا الثانية لمسؤولين سعوديين خلال أيام، حيث زارها الأسبوع الماضي وزير الزراعة عبد الرحمن بن عبد المحسن الفضلي.
بعد أيام من زيارة أحمد الخطيب مستشار العاهل السعودي بالديوان الملكي، إلى إثيوبيا، وتفقد (سد النهضة)، قال مصدر إثيوبي مطلع، إن وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن، يزور أديس أبابا، الاثنين الفائت، في أول زيارة له إلى إثيوبيا، منذ تعيينه في منصبه في 27 يناير الماضي. 
وأثارت زيارة مستشار الملك السعودي لإثيوبيا ردود أفعال غاضبة في مصر, فمع مطلع الأسبوع الماضي تناقلت الصحف المصرية هذا الخبر على صدر صفحاتها.
حيث قالت صحيفة (المصريون) إن هذه الزيارة تثير تساؤلات حول موقف المملكة من سد النهضة، وحذر خبراء من (أن السعودية لديها مشاريع تجارية ضخمة في إثيوبيا لن تضحي بها من أجل مصر).
فيما قال الكاتب الصحفي خالد صلاح، رئيس مجلس إدارة وتحرير (اليوم السابع)، إن الأوضاع ما بين مصر والمملكة العربية السعودية يبدو أنها ليست على ما يرام، منذ الجلسة الشهيرة بمجلس الأمن حول الوضع في سوريا، مروراً إلى منع وقف الإمدادات البترولية من قبل شركة (أرامكو) لمصر، وصولا إلى زيارة مستشار العاهل السعودي إلى إثيوبيا وزيارته لسد النهضة.
وأضاف خالد صلاح، ببرنامج (على هوى مصر) الذي يذاع على فضائية (النهار one)، أن الأوضاع صعبة على جميع الدول العربية، حيث إن بلدان الخليج تحارب حرباً خاسرة في الحقيقة، لاسيما أن الأوضاع في اليمن ليست على هوى المملكة العربية السعودية على الإطلاق، بالتالي هناك ملامح خسارة بها.
وأوضح رئيس تحرير (اليوم السابع) أن السعودية وقطر كانتا متحالفتين في المشهد السوري ضد بشار الأسد، نتيجة الدعم الإيراني للرئيس الأسد، لكن ما جرى في حلب الأيام الماضية من الانتصارات التي حققها الجيش السوري، أدت إلى إحساس السعودية بالخسارة الكبيرة.
وأشار إلى أن مصر لديها علاقات جيدة مع إثيوبيا، ولا تدعو على الإطلاق إلى وقف علاقات الدول العربية مع أديس أبابا، لكن زيارة مستشار خادم الحرمين الشريفين إلى إثيوبيا بهذا الشكل تعد نوعاً من (الكيد غير اللطيف)، متابعاً: (رد الفعل السياسي مش في شياكته ومش لائق ومش دي الطريقة، أنت بتقطع معانا رغم إننا شركاء في كل حاجة، ثم تحط إيدك في إيدين طرف تاني).
واستكمل رئيس تحرير (اليوم السابع): (الشكل مش حلو، خاصة مشهد زيارة السد والفرح بتاع الزيارة، خاصة وأنت تعلم أن هذا السد بيمثل، مش هنقول خطر محيق، وإنما علامة استفهام كبيرة لمصر وقلق للمصريين، وظهورك بهذا السد بهذا المشهد الاحتفالي يشكل علامة فارقة في علاقتنا مع الإثيوبيين)، مشيراً إلى أن شكل زيارة ممثل السعودية لسد النهضة وتوقيتها دفع المصريين لطرح أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة.
وكان تصويت مصر إلى جانب قرار روسي، بشأن الأزمة السورية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في الـ9 من أكتوبر العام الجاري، بيَّن وجود خلافات سعودية - مصرية. وقد انتقد السفير السعودي في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، السلوك المصري انتقاداً علنيّاً، في حين عبّرت الحكومة السعودية عن استيائها باتخاذ إجراءات منها استدعاء سفيرها في القاهرة أحمد القطان، للتشاور، بعد مرور يومين فقط على جلسة مجلس الأمن, وبعد ذلك أعلنت شركة (أرامكو) السعودية عن وقف إرسال شحنة وقود كان من المفترض توريدها إلى مصر، في إطار حُزم المساعدات التي تبذلها السعودية للنظام المصري منذ الإطاحة بسلطة الإخوان المسلمين في 30 يوليو 2014, كما تمّ تأخير إرسال وديعة مالية، ضمن برنامج لتوفير حزمة جديدة من المساعدات الاقتصادية السعودية لمصر، والذي أُعلن عنه مع توقيع الطرفين اتفاقاً لنقل السيادة على جزيرتَي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الرسمية للقاهرة في أبريل الماضي. 
واشتعل فتيل الأزمة السياسية بين مصر والسعودية إلى أعلى درجة بعد أن صوتت الأولى لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة السورية.
وتغيرت لغة الخطاب الإعلامي السعودي والمصري، في ظل حالة من توتر العلاقات بين البلدين، لتصل إلى حالة من (الحرب الإعلامية)، بعد تصويت القاهرة في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي حول سوريا، ووقف شركة (أرامكو) السعودية، شحنة البترول الخاصة بالقاهرة لشهر أكتوبر، ليتبعها مغادرة السفير السعودي أحمد قطان، القاهرة، بحجة بحث مستجدات العلاقات بين البلدين، فيما قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إن السياسة المصرية مستقلة بشأن سوريا، مؤكداً أن بلاده (لن تركع إلا لله)، وفق ما نقله موقع (بوابة الأهرام) شبه الرسمي، منتصف أكتوبر الفائت، وذلك وسط توتر في العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية، بعد تصويت القاهرة لصالح مشروع قرار روسي حول سوريا في مجلس الأمن.
وتستخدم السعودية ورقة الدعم وسيلةً رئيسةً في ضبط السلوك المصري إقليمياً, حيث قامت شركة (أرامكو) السعودية، وبشكل رسمي، بوقف شحنات النفط لمصر في أكتوبر الفائت، بدون الكشف عن الأسباب، وذلك عقب التصويت المصري في مجلس الأمن لصالح المشروع الروسي حول سوريا. وتورد الشركة السعودية للحكومة المصرية، بموجب اتفاق بينهما قيمته 23 مليار دولار، حوالي 700 ألف طن شهرياً من المواد البترولية المكررة، منها 400 ألف طن سولار، و200 ألف طن بنزين، و100 ألف طن زيت الوقود، على مدى 15 عاماً.
فيما أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، في 11 أكتوبر الفائت، أن شحنات الوقود البديلة التي طلبتها مصر من الأسواق العالمية بعد قرار شركة (أرامكو) السعودية بعدم توريد شحنات المواد البترولية المتفق عليها لهذا الشهر، وصلت بالفعل.
ويبدو توتر العلاقات المصرية السعودية في الفترة الأخيرة، أعمق من المتصور، فهناك أشياء خفية كانت سببًا لتلك... أوراق ضغط كثيرة على مصر، ومنها: قطع إمدادات البترول - وقف الاستثمارات السعودية في مصر - التقارب مع تركيا - ترحيل العمالة المصرية - تجميد المساعدات المالية - منع اعتماد رحلات الطيران المصرية - ودخول السعودية وقطر على خط أزمة سد النهضة الإثيوبي المتحكم بخط النيل.
كما تبرز جملة من الملفات الشائكة والمتغايرة بين البلدين أهمها:
 التقارب المصري الروسي: بات التقارب المصري الروسي في عهد السيسي مستفزًا لدوائر عليا في السعودية.
حيث سلطت صحيفة (فزغلياد) الروسية في 19 أكتوبر الماضي، الضوء على امتناع السعودية عن إمداد مصر بالوقود، عقاباً لها على تقاربها مع روسيا والتصويت لصالح المشروع الروسي في مجلس الأمن حول سوريا. واعتمدت مصر على التوازن في العلاقات لفترة طويلة، ولكن هذا المبدأ باء بالفشل لأول مرة، عندما توقفت السعودية عن إمداد مصر بالنفط بسبب علاقات مصر الجيدة مع روسيا, وأكدت الصحيفة الروسية، أن أحد الأدلة التي تؤكد قوة العلاقة بين موسكو والقاهرة، هو المناورات العسكرية المشتركة التي تجري في مصر (حماة الصداقة - 2016)، لمحاربة الإرهاب. 
من جانبها، أكدت الصحيفة الأمريكية (وول ستريت جورنال) أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تمكن بدهائه من تقوية العلاقات والصداقة مع الرئيس فلاديمير بوتين، وفي الوقت نفسه استطاع التخلص من المشاركة في المساعي السعودية لإسقاط النظام السوري، والبقاء أحد المتلقين الرئيسيين للمساعدة العسكرية الأمريكية. 
ونوهت الصحيفة الأمريكية، إلى أن السعودية ودول الخليج، قدمت للرئيس السيسي مساعدات تقدر بعدة عشرات المليارات من الدولارات، وفي الوقت نفسه اتفقت مصر مع الروس ليس فقط على إجراء مناورات عسكرية مشتركة، بل على شراء مروحيات (كا-52) العسكرية الروسية المخصصة للعمل على سفينتي (ميسترال) اللتين أصبحتا مصريتين. 
 القضية السورية: لاشك أن هناك تغايراً واضحاً في الرؤى بين مصر والسعودية بشأن سوريا، خصوصًا حول ضرورة تغيير نظام الحكم أو القيادة السورية، وهو ما أكده سامح شكري، وزير الخارجية المصري، خلال أحد تصريحاته، بأن مصر تعارض تغيير الحكم، ولا تتبنى النهج السعودي في هذا الإطار.
وتشهد العلاقات الديبلوماسية المصرية-السعودية توتراً على خلفية الأزمة السورية، بعد أن أيدت مصر مشروع قرار روسي أمام مجلس الأمن الدولي، يدعو إلى التمييز بين تنظيم (جبهة النصرة) [الذي تغير اسمه إلى تنظيم جبهة فتح الشام] وبين ما يوصف بالمعارضة المعتدلة.
وكان يمكن أن يكون تصويت مصر في مجلس الأمن، لصالح مشروع قرار روسي, أن يكون لمصلحة الحكومة السورية. وفي اليوم نفسه، صوتت القاهرة أيضاً لمشروع قرار فرنسي في الشأن السوري، الذي استخدمت روسيا الفيتو ضده.
 الملف اليمني: تأخذ الرياض على القاهرة مشاركتها المحدودة في التحالف العربي الذي يشن عدواناً سافراً على اليمن منذ 26 مارس 2015.
وتشارك مصر بقوات جوية وبحرية في التحالف، وأعلنت أنها ستدعم السعودية بقوات برية إذا كان ذلك ضرورياً، لكن ذلك لم يحدث حتى اللحظة، ربما لخشيتها من التورط أكثر في اليمن الذي يحمل ذكريات سيئة للجيش المصري الذي تدخل في اليمن في الستينيات، وبحسب مراقبين فإن مصر تجنبت التورط في الملف اليمني بسبب التجربة القاسية في ستينيات القرن الماضي.
 تيران وصنافير: لم تخطُ القاهرة أية خطوات جادة في ما يتعلق بالتصديق على اتفاق ترسيم الحدود البحرية الخاص بجزيرتي تيران وصنافير، لاسيما بعد التوتر الذي حدث في شوارع القاهرة، والمظاهرات التي خرجت لترفض التنازل عن الجزيرتين، وما تلاه من رفض القضاء المصري بيع الجزيرتين.. وهو ما قابلته السعودية بوقف الحديث عن جسر الملك سلمان الذي كان سيجري العمل فيه بين الدولتين.
 مؤتمر غروزني: أججت علاقة البلدين، المشاركة المصرية المكثفة في مؤتمر غروزني الذي انعقد في سبتمبر الماضي في العاصمة الشيشانية، تحت عنوان (من هم أهل السنة والجماعة)، حيث شاركت في هذا المؤتمر الذي اعتبر (الوهابية) خارج هذا التعريف، وأنها فئة ضالة هدامة، 4 من أهم المرجعيات الإسلامية المصرية، وهم: شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، ومفتي مصر الشيخ شوقي علام، ومستشار الرئيس للشؤون الإسلامية أسامة الأزهري، والمفتي السابق الدكتور علي جمعة.
 العلاقة المصرية الإيرانية: ساهم لقاء سامح شكري مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، وبحثهما ملفات عديدة من بينها الملف السوري، في خلق حالة من الفتور بين الجانبين المصري والسعودي.
 الملف الليبي: ومن بين المحطات الهامة التي توقفت عندها العلاقات المصرية، الموقف المصري من ليبيا الذي يزعج الرياض، خاصة أن الأخيرة لا تدعم (خليفة حفتر)، وتعتبره ينفذ أجندة بعيدة عن أجندتها تجاه المشهد على الأراضي الليبية.