سأدون في هذه الصفحة شيئاً مما يمكن أن يدون عن هذا الشاعر الاستثنائي، ليس في زمانه وحده، وليس في مكانه وحده، وليس في هويته الإبداعية وحده، ولكن بكل ذلك معاً. في قصائده حس وطني والتفاتة كبيرة إلى صمود الشعب اليمني وتضحياته وانتصاراته، سيظل شعره نموذجاً يتحدى به العدوان السعودي القبيح، إنه شعر اليقظة والوعي، لا شعر الغيبوبة والحلم.. حلقت بعض قصائده الوطنية الحماسية، وصنعت له جزءاً كبيراً من شهرته، وساهمت في خلق ذائقة فنية لدى الجمهور اليمني والخليجي، وتمازجت لتصنع من الشعر اليمني واحة وارفة استطاعت أن تشع ببريقها في سماء المشهد الشعري اليمني، لأن لغة الشاعر تتميز بقوتها، وكذلك مقدرته على خلق الصورة ودقة الهندسة الإيقاعية في شعره.. إنه الشاعر الكبير محمد الجرموزي.
 القصيدة الشعبية انتشرت كثيراً وتفوقت في هذه المرحلة، برأيك لماذا؟
في البداية أشكر صحيفة (لا) التي تهتم بنبض الشارع، وهو الشعر الشعبي الذي يعبر عن بساطة الشعب اليمني، ويلامس احتياجاته، بينما الشعر الفصيح، وهو اللغة الأم، يبدو بعيداً عن ذلك، ولكن في الوقت الراهن الزامل الشعبي كرس جهوده في رفع معنويات الشعب اليمني، واستطاع أن يكون حافزاً كبيراً جداً لدى أبناء القبائل، فوجد صدى كبيراً، وهو الآن المسيطر على الساحة اليمنية، وأصبح يجتاح الساحة العربية.

 هل ترى أن شهرة الكثير من الشعراء كانت نتيجة لارتباطهم بالأحداث الوطنية؟
أي شاعر يقف إلى جانب الشعب اليمني ضد هذا العدوان، فإنه يشعر بالعز والفخر، وهو شرف عظيم له كونه لم يساوم في أرض، ولم يساوم في عرض.

 ماذا تعني لك قصيدة (جود يا راسي بفيض الشعر جود)؟
هذه أول قصيدة كتبتها، وكانت في ثاني أيام العدوان، وقد كان لديَّ مكالمة مع أحد الإعلاميين أثناء الهجمة على قاعدة الديلمي، وعندما سمعت الانفجارات في المطار، كنت أظن أنها سيارة انفجرت لأحد الدواعش، فقلت لذلك الإعلامي إن هؤلاء يريدون أن يعكروا فرحة الشعب بثورة 21 سبتمبر، فإذا بها غارات من قبل العدوان السعودي، فكانت هذه القصيدة بهذه المناسبة، وشاركت بها في فعاليات باب اليمن.

 لك مشاركات كثيرة منها (شاعر المليون)، لو تحدثنا عن هذه المشاركة؟
أعتبر مشاركتي في برنامج (شاعر المليون) و(شاعر العرب)، تجربة رائعة، واحتككت بالكثير من الشعراء العرب، بمن فيهم شعراء الخليج، وفيهم شعراء كبار بالنسبة للشعر فنياً، أما بالنسبة للمواضيع والقضايا فهي خالية جداً في هذه البرامج، وأذكر من شروط (شاعر المليون)، في هذه المسابقة عدم الاقتباس أو استلهام أية كلمات للشاعر أحمد مطر. وقد كانت تجربة لي جميلة جداً تصقل موهبة الشاعر. أما بالنسبة لبرنامج (شاعر العرب) بالكويت فقد تواصلوا معي بعد مشاركتي في برنامج (شاعر المليون)، وقد كنت الشاعر اليمني الوحيد، ولكنه لم يكن بصدى برنامج شاعر المليون، الذي كان يعتبر محفلاً دولياً، أما برنامج شاعر العرب فهو مشاركة لشعراء الخليج فقط، وأنا دخلت كي يعرفوني كشاعر، وهم أضافوني في البرنامج، وكانت أول مشاركة لي برنامج (صدى القوافي). وجميل أن يحتك الشاعر بشعراء، ويبرز موهبته، ويصل صوته، حتى وإن حصلت في هذه البرامج سلبيات من ناحية التصويت، لأنه في برنامج شاعر المليون يظلم من حيث التصويت، أما الشعراء اليمنيون فهم أقوياء في كل المشاركات.

 صمود الشعب اليمني يصنع نصراً.. كشاعر كيف تنظر لهذا الصمود أو لهذا الحدث الكبير؟ أو كيف يتجلى لك شعرياً؟
بالنسبة لصمود الشعب اليمني يعتبر أسطورياً، وقبل عدة أيام ذهبت إلى منطقة منبه، وهي منطقة حدودية، وقد قصفت بآلاف المدافع، وعندما وصلت إلى سوق منبه وجدته مزدحماً بالناس، والناس يمارسون حياتهم الطبيعية، وليسوا مبالين بهذا العدوان. صمود أسطوري في ظل تحليق الإف 16 والأباتشي والقصف، والمواطن اليمني في هذه المنطقة لا يفكر بالنزوح. صمود اليمني في الحدود أعطى مناعة للمواطنين السعوديين في المناطق السعودية، والتي تعتبر أراضي مسلوبة من قبل بني سعود، طلبوا من المواطنين الحاصلين على الجنسية السعودية أن ينزحوا فرفضوا وقالوا بيننا وبينكم بطاقة، وعندما ذهبوا للتسوق منعوهم أن يعودوا إلى بيوتهم بالبضاعة التي أخذوها من الأسواق السعودية، ثم بعد ذلك رجعوا يتسوقون من الأسواق اليمنية، واليوم وبعد عام ونصف من العدوان، هل رأيت مواطناً يمنياً أو نازحاً؟ لا يليق به كمواطن يمني، لم نرَ ذلك، ولكننا رأينا مواطناً يمنياً صامداً تحت القصف بكل إباء وكبرياء وشموخ.

 بعد رحيل الحنجرة الباليستية لطف القحوم، من يتصدر المشهد الفني اليوم؟
رحمة الله على ذلك الإنسان المجاهد قبل أن يكون منشداً، لقد افتقدناه، ولا زلنا إلى الآن بحاجة لمن يسد الفجوة التي تركها، ولكن الأستاذ عبدالخالق النبهان والأستاذ عيسى الليث وآخرين يقومون بواجبهم. كانت نكهة الشهيد لطف القحوم نكهة خاصة، والساحة اليمنية افتقدت لطف القحوم، وكذلك الزامل اليمني يعاني من غياب لطف القحوم..ومن خلال صوت المنشد الكبير عبدالخالق النبهان استطعنا أن نوصل الشعر الشعبي إلى الخليج كما أن النبهان هو الوحيد الذي استطاع أن يغزو الخليج بصوته.

 هل الزامل ترسخ في الواقع الشعري؟
أتمنى أن يكون الزامل مصاحباً للقصيدة لدى الشعراء، وألا يعتمد الشعراء على الزامل، أو يكون المنشد منبراً يبوحون من خلاله، فهذه جريمة، لأن البعض يعتبر أن صوته لا يصل إلا عبر المنشد، وهذا غير صحيح، والشاعر الشهيد عبدالمحسن النمري كان يصل صوته كشاعر، والزامل نوع من أنواع الشعر الشعبي، وجريمة عندما يختزل الشعر الشعبي بشكل عام، وأنا عندي قصائد ردود على شعراء خليجيين، وقد وصلت إليهم أكثر من الزامل.

 عمل تعتز به كثيراً؟
العمل الذي أعتز به هو وقوفي إلى جانب الشعب اليمني المضطهد المقهور، الشعب الذي تكالب عليه العالم، كما قال السيد حسن نصر الله، بأنه الشعب الغريب، فأنا أفتخر بأني واقف إلى جانب هذا الشعب.

 ما الذي يستفزك؟
يستفزني تطاول وهمجية شعراء الخليج الذين يفتقرون إلى القضية، والذين يقفون بجانب سلاطين الجور.

 ما هو الكنز الذي أعطتك إياه الحياة وتفخر به؟
الكنز هو أنني تعرفت على رجال صادقين في المسيرة القرآنية، وعندما ترى هؤلاء باذلين حياتهم وأموالهم وأولادهم في سبيل الله، وفي نصرة هذا الشعب المستضعف، والسيد عبدالملك يقول لقد نذرنا أنفسنا لخدمة هذا الشعب اليمني، ونحن مستعدون للتضحية، وكان يقول لنا البعض أنتم تريدون أن تقبلوا أقدام هؤلاء الإماميين، والسيد عبدالملك يقول أقبل أقدام المجاهدين في الجبهات، فهذا هو الكنز الذي وجدته في الحياة: الطمأنينة والسعادة.

 سؤال غفلت عنه ولم أسألك إياه، لك أن تفتح الذاكرة وتكمل الناقص من الحوار؟
سأتكلم عن التآمر الدولي على الشعب اليمني، مثلاً هل قام الجيش واللجان الشعبية بالاعتداء على دولة أخرى، فلماذا إذن هذا التكالب العالمي، حتى السودانيين والسنغال وبلاك ووتر، فأنا كمواطن يمني أستغرب هذه الهجمة البربرية على هذا الشعب.

 من لفت انتباهك من الشعراء؟
الشاعر عاقل بن صبر والشاعر عباد أبو حاتم والشاعر أحمد الجرف والشاعر محمد الهلالي والشاعر بسام شائع والشاعر نشوان الغولي والشاعر هلال معيض والشاعر بندر السقاف، فهؤلاء هم من واكبوا الأحداث، ومستمرون في الساحة اليمنية.
 كلمة أخيرة..
كلمة أخيرة أوجهها من خلال صحيفتكم الموقرة إلى المنتسبين إلى أنصار الله وإلى المنتسبين إلى المؤتمر الشعبي العام، فأنا أسكن في منطقة كلها مؤتمريون، والعدو كان يتمنى أن يحدث أي شرخ، تخيل كنا سنشتبك داخل الحي الذي نسكن فيه. على من ينتمي إلى أنصار الله ثقافياً وسياسياً واجتماعياً، وكذلك إلى المؤتمر الشعبي، أن يعززوا الاتفاق السياسي بكل ما أوتوا من قوة، لقد كانت المؤامرة كبيرة، وتفكيك صنعاء ودخولها كان من خلال هذا الشرخ، فأحيي القيادتين في أنصار الله والمؤتمر على هذه الخطوة الجبارة والشجاعة، وبهذه الاتفاقية ضربنا العدو، وتم إعلان المجلس السياسي الأعلى، وسنشكل الحكومة.. وشكراً لصحيفة (لا) على هذا اللقاء.