على وجعي يرقصون
 

عماد المخلافي

عماد المخلافي / لا ميديا -

والدي كان بائع فلافل، ولم يكن دكتورا أو شخصية حزبية مرموقة. لذا في يوم زفافي لم أجد أحدا يكتب لي تهنئة فيسبوكية سوى بضعة أصدقاء أحبهم، وحضره أحباء لم أتوقع رؤيتهم.
هل أداري حسدي وأكذب عليكم أني لم يزرني حزن حين أتذكر حفلتي يلمها شباب ومراهقو حارتي الجميلون، وبضعة من أساتذتي الأفاضل فقط، ولم يشرفها سادة حزبي الوجهاء آنذاك.
خلال حفلة العرس سلم علي صديق لا أقابله كثيراً، حضر فرحاً بي، رأى الحاضرين وتمتم في أذني: كنت أتوقع أن يحضر كل إصلاحيي تعز لزفافك وستمتلئ القاعة عن بكرة أبيها.
لم أجامل وأخف هزيمة ظنوني الخائبة كما يفعل البعض، فأقول: أعذارهم تسبقهم. قلت له: كل يعمل بأصله، ومناسبات كهذه لا تليق بمقاماتهم لحضور زواجات أبناء الباعة ومن هم على باب الله.
هل تريدون مني أن أنافق أيضاً وأن أقول بأني لا أستحق أن يحتفي بي وجهاء أزهو بحضورهم وأفتخر؟
الزمن هذا يا سادة، وبكل صراحة، صار الاحتفاء به محصورا للأثرياء، لأبناء الوجهاء والدكاترة وأنجال السياسيين والمشايخ وأصحاب المناصب. أما البسيط فيكتفي ببضعة شباب من الحي يرقصون على وجعه ويبتسم لهم مرغما أنه لولاكم لما فرحت.
المؤطرون المنافقون وراء زهو أهل الجاه يهيلمون لهم، يحتفون في حوائطهم بالمشهورين، يغمرونهم بالانتشاء، يوزعون لهم التباريك يمنة ويسرة؛ بينما شباب مغمورون يقيمون سعادتهم في بيت ضيق لا يزوره الواصلون.
الشيخ الأحمر أنفق ملايين الريالات السعودية على حفل زفاف ولده. لن نخوض في ثروته الشخصية، لكني سأخوض احتقارا للقطيع الجائع الذي ملأ صالة على امتداد البصر تصفيقا واحتفاء بابن الشيخ المبجل على أنغام فنان مرموق دعي لإحياء ساعات غناء مقابل 7 ملايين ريال يمني.
وفي ذات اليوم، شاب إصلاحي يعشق حزبه يقيم زفافه وسط مربع مظلم لقريته بزفة تقليدية من صدى مسجل مهترئ وحوله بضعة شباب لا يكملون ساعة حتى يوصلوه لمنزله على أضواء الأتاريك!
لا تهزؤوا من أفراح البسطاء يا وجهاء المال، أو سأقول لكم شيئا: جهزوا أثوابكم النظيفة وسياراتكم الجميلة وعطوركم العبقة ومنشوراتكم الملكية في ضخ التهاني لأبناء المترفين. يحق لكم البحث عن «مدكى» نظيف وقاعة فخمة وغداء دسم في ضيافة أسياد البذخ... ودعوا البسطاء لأبناء حواريهم وقراهم يحتفون بهم كما ينبغي ويرقصون لهم ساعة من فرح مغلفة بالهزيمة وبمكابرة حظ الغنى العاثر حتى في أجمل ليلة من أعمارهم.
لن أنسى أيضا حتى في الجنائز، لا ينسى المنافقون اللهث خلف توابيت الأغنياء، وينسون مراسم الصلاة على نعوش الفقراء.

أترك تعليقاً

التعليقات

حمود نعمان
  • الأثنين , 9 ديـسـمـبـر , 2019 الساعة 6:18:17 AM

رحمة الله عليك ياعماد مخلافي وجعل الله مثواك الجنه