المولد النبوي بين الإعداد والانتقاد
 

محمد زبارة

محمد زبارة / لا ميديا -

 غُنة ظهرت من البعض، مقدراها حركتان: الحركة الاولى تنتقد الاعدادات والترتيبات الجارية لاستقبال المولد النبوي، والحركة الثانية تربط نقدها للمولد النبوي بالوضع والحاجة والعوز الذي بُلي به مجتمعنا نتيجة للعدوان والحصار!
وأريد ان أنبه هنا أن هذه الغُنة في غير موضعها، فالمولد من حقه الإظهار والظهور بل ولزوم المد، هذا لمن أراد المدد. 
 وسأبدأ من حيث ينتهي أصحاب الغنة، فأقول وأجري على الله فيما أقول:
ترك المولد خوفا من نفقات إقامته لن يغني البلد، ولن يواسي الفقراء، ولن يقطع الحاجة، ولن يسد العوز، ولنا أن نستمر في تأكيد هذه الحقيقة إذا أدركنا أن المبالغ التي تُوفر لإقامة المولد سواء من القطاع الخاص أو العام قد لا تتوفر أصلاً لولا بركة هذه المناسبة. وإذا توافرت لغير هذه المناسبة فلسنا متأكدين من وصولها لمستحقيها، وإذا افترضنا وصولها لمستحقيها فإن المواساة ستكون محدودة مقارنة بالفوائد والعوائد المترتبة على إقامة المولد النبوي والتي يعجز القلم عن بيانها وتقرير حدودها. فلهذه المناسبة بركاتها الخاصة، ومذاقها المختلف. طبعا ليس حديثي هنا إلى من يؤمن برسول الله صلوات الله عليه وآله كساعي بريد، جاء برسالة ومات وانتهى الأمر، فالحديث مع هؤلاء له بحث آخر.
حديثي لمن أعرف أنه يعرف القيمة الوجودية والشأن المبارك والنبأ العظيم والسر القديم في رسول الله صلوات الله عليه وآله.
كلامي لمن يعرفون الحب وأهمية الحب، ويعرفون كيف أحب الله هذه الشخصية وأحب أن تذكر حتى قال (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) ثم بعد ذلك يعترضون بمثل هذه الغُنة!
أقول لهؤلاء بلغة متوجدة عاطفية تستنجد من قلوبهم معروف رسول الله صلوات الله عليه وآله فيهم، هل نسيتم أن ذكر رسول الله بركة ونور؟! هل غفلتم عما في ذكر رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم من قضاء للحوائج وتفريج للكرب وذهاب للهم؟! هل نذكركم بالآيات والروايات التي تبين عظيم حق رسول الله على هذه الأمة والخير المترتب على الفرح به وتمجيده وتعظيمه والتذكير به؟!
 لماذا هان في قلوبكم إظهار الفرح بميلاد رسول الله؟!
 ليُقال عنكم (ما شاء الله مثقفين وعقلانيين؟!) أو لتثبتوا أنكم أحرص على الفقراء والمحتاجين من هذا الطرف أو ذاك؟!
 إذا كنتم حريصين على الفقراء والمحتاجين فأعلموهم أن بركات السماء والأرض لا تفتح إلا بمحمد.
أعلموهم أن ملائكة السماء إنما تصلي لمن صلى على محمد. 
أعلموهم أن رحمة الله إنما نُشرت بمحمد. 
أعلموهم أن غوث الله وغياثه إنما يُستنزل بمحمد. 
أعلموهم أن حب الله وحب الملائكة وحب الحجر والمدر والجذوع والظبا والوجود قد صدح لمحمد. 
أعلموهم أن الإيمان لا يتم إلا بحب محمد... فإن لم تُعلموهم بذلك فاعلموا أنتم أن ما ظهر عليكم من علم أو وجاهة أو بركة أو براعة قلم إنما هي من أنوار محمد صلوات الله عليه وآله.
أكتب هذه السطور بدموعي التي لا أعرف ما سبب انهمارها، أهو تقصيري في حق سيدي رسول الله؟! أم لألمي من وجود من يمتعض من إظهار الفرح برسول الله؟! أم خوفي من ابتلائي في حب رسول الله ابتلاء تسقط بسببه قدمي ويزيغ عنده قلبي؟! بل لا أدرى ما علاقة هذه التساؤلات بالموضوع أساسا، ولكنه حال صعُب عليَّ اخفاؤه كما صعُب عليَّ التعبير عنه!
كل ما سبق لا يعني أني أكثر حباً من هؤلاء المعترضين على إقامة المولد، بل نحسب منهم من هو أكثر علما وإعمالا لحب لرسول الله من قلب قد امتلأ بالقسوة كقلبي، وظهر قد أثقله الوزر كظهري، ويمكن أن نعذرهم بما يعرض للمحب من الغفلة أحيانا عن دقائق الأدب مع من يحب.
أما من بالغ في الغفلة فقال إن الاتباع للنبي صلوات الله عليه وآله يكفي فلا حاجة معه للموالد ونحوها، فلا أدري ما عُذره!
لأن من يقول مثل هذا قد غفل عن مسألة مهمة وهي أن تذكر رسول الله صلوات الله عليه وآله وتمجيده وتعظيمه عبادة مستقلة لا يُعفى المؤمنون منها وإن كانوا في ذروة الاتباع له صلوات الله عليه وآله، لقوله تعالى: (لتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) فبمثل ما أمر بالتأسي به فقد أمر أيضاً بالتعظيم له.
الموضوع طويل، والحديث عن رسول الله ذو شجون، والإطالة تُخل بالمقصود، والغرض الإشارة والتنبيه. وإذا بقي ما يلزم ذكره يمكن أن نستعرضه في كتابات قادمة، وفي الأخير المعذرة مسبقا من كل من يمكنه الانزعاج من هذه الكلمات، وصلى الله على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد.

أترك تعليقاً

التعليقات