أحمد رفعت يوسف

أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
أكد اليمن (المقاوم) ما توقعناه من دكهم "تل أبيب" بصواريخ بالستية، وأنهم قادمون، ومعهم سيتغير المشهد العام للصراع مع العدو الصهيوني.
أنهت الصواريخ اليمنية المرحلة الأولى من المواجهة مع العدو، في مرحلتها اللبنانية، وامتداداتها في غزة وبقية الساحات، وبدأت معها المرحلة الثانية، التي ستمسك فيها دول وأطراف المقاومة بزمام الأمور وتضع كامل الكيان الصهيوني تحت النار.
كانت المرحلة الأولى، وإلى لحظة سقوط الصواريخ اليمنية في "تل أبيب"، محكومة بعدة عوامل:
- نجاح كيان الاحتلال بتوجيه ضربتين مؤلمتين للمقاومة اللبنانية، عبر تفجير أجهزة البيجر، واستشهاد عدد كبير من قادة المقاومة، والتي أكملتها بشن هجمات شرسة طالت مناطق واسعة من لبنان، وأسفر عنها ارتقاء مئات الشهداء، معظمهم من المدنيين، وذلك بهدف تحقيق ما يسمى في الحروب "الانهيار الإدراكي عند الخصم" والذي يجعله يستسلم، أو يخسر الحرب من بدايتها.
- حملة إعلامية شرسة شارك فيها إعلام العدو، وإعلام أنظمة التطبيع، في محاولة لبث الرعب واليأس عند جمهور المقاومة، داخل وخارج لبنان.
- حملة دعائية مكثفة لتشويه موقف ودور إيران، معتمدة على إبراز أن الرئيس "الإصلاحي" بزشكيان وتياره يؤيدون الحلول السياسية والدبلوماسية، ويرفضون زج إيران في مواجهة مع الكيان الصهيوني، ووصلت الحملة حد تشويه كلام بزشكيان، على مبدأ "لا تقربوا الصلاة"، في محاولة لإعطاء انطباع لدى جمهور المقاومة بأن إيران تراجعت عن مواقفها وتخلت عنهم.
- حديث عن حلول سياسية ودبلوماسية للوضع، تنتهي بترتيبات معينة بين المقاومة اللبنانية والكيان الصهيوني، وأهمها فك الارتباط بين جبهة غزة وجبهة لبنان، بناء على ما تعتقد حكومة نتنياهو أنها حققته بضربات البيجر واستشهاد القادة والعدد الكبير من الضحايا المدنيين.
كانت المقاومة اللبنانية، وبقية أطراف محور المقاومة، تحتاج لعدة أيام للتعامل مع هذه العوامل، التي تحكمت بمجريات الصراع في أيامه الأولى، إما لمعالجتها وإما لتوضيحها وتفريغها من محتواها وأهدافها "الإسرائيلية" والأعرابية، وبالتالي التوقف عن البناء عليها، وأهمها:
- حاجة المقاومة لبعض الوقت لترميم صفوفها، بعد القادة الذين استشهدوا.
- تجاوز نقطة الضعف التي كان يشكلها المدنيون عند المقاومة، وخاصة من بيئتها الحاضنة، مع مغادرة معظمهم لمناطق الجنوب.
- عودة الرئيس بزشكيان من نيويورك، وانتهاء المهلة التي أعطاه إياها المرشد علي خامنئي حول الحلول السياسية والدبلوماسية للوضع.
- الاتصال والتنسيق بين أطراف محور المقاومة حول المرحلة التالية، ودور كل طرف في المواجهة.
أما وقد انتهت هذه الأيام الصعبة، فقد أصبحت الأوضاع تتحكم بها عوامل مختلفة كثيراً عن الأوضاع التي تحكمت بالأيام الأولى للعدوان، وأهمها:
- انتهاء المقاومة من ترميم صفوفها، وأثبتت أنها تمتلك بنية تنظيمية وقيادية قوية، مكنتها من تجاوز ما حدث، وتوجيه ضربات موجعة للعدو، رغم أنها لم تستخدم حتى الآن سوى أسلحتها القديمة، وبقيت محتفظة بعوامل قوتها وما تمتلكه من أسلحة استراتيجية.
- استنزاف "إسرائيل" السريع لأهدافها الاستراتيجية التي حاولت تحقيقها منذ ضربة البيجر واستشهاد القادة، وما تلاها من ضربات مكثفة على مواقع تعتقد أنها مقرات الصواريخ وأسلحة المقاومة، لكن ضحاياها كانوا بمعظمهم من المدنيين.
- حجم الكذب والتضليل حول موقف إيران، وتصريحات الرئيس بزشكيان، يضعف موقف التيار الإصلاحي، ويجعل القرار بيد المرشد خامنئي، والحرس الثوري، وتأكيد أن إيران لن تتخلى عن مواقفها ودورها في محور المقاومة.
- البلبلة التي رافقت الحديث الأمريكي عن موافقة الأطراف على هدنة، أكدت استحالة الحلول السياسية والدبلوماسية وسط هذه الظروف، وفشل محاولات فك الترابط بين جبهة لبنان وجبهة غزة، واستحالة قدرة حكومة نتنياهو على القبول بأي اتفاق لوقف الحرب، مع الفشل في تحقيق الأهداف، لأنه يعني إقراراً "إسرائيلياً" بالهزيمة، وتسارعاً في عملية انهيار كيان العدو من الداخل.
- التأكد أن العدو يتكتم عن خسائره الفادحة التي توقعها صواريخ ومسيرات المقاومة في الأرواح والمعدات، وخاصة في المواقع الاستراتيجية، بدليل طلبه من المستوطنين التبرع بالدم، وهذا لا يحدث إلا عند وقوع أصابات بأعداد كبيرة جداً.
ما أنجزته المقاومة اللبنانية، منذ بدء العدوان "الإسرائيلي"، يعتبر عظيماً بكل المقاييس، إن كان بتجاوز الضربات الموجعة التي تلقتها في الأيام الأولى، أو بقدرتها على ترميم صفوفها وتماسكها وتوجيهها ضربات موجعة للعدو، لكن الصواريخ اليمنية على "تل أبيب" يمكن اعتبارها هي البداية للمرحلة الثانية من المواجهة.
ومع تأكيد عدم الاستهانة بقدرات العدو، وضرورة الحذر من مفاجآت، يمكن أن يعد لها، فإن كل الوقائع تؤكد أن الأيام القليلة القادمة ستشهد تصعيدا في المواجهة، وتحديدا في عمليات المقاومة، مع استعادة المقاومة اللبنانية زمام المبادرة، ودخول أطراف عديدة من المقاومة ساحات المساندة والمواجهة.
هذه التطورات تطرح أسئلة عديدة ومهمة، حول مدى قدرة العدو الصهيوني على الاستمرار في هذه المواجهة، التي حطمت عقيدتهم القتالية، بخوض الحروب السريعة، وفي أرض العدو، وإلى متى سيستطيع قادة العدو الصهيوني إخفاء خسائرهم، التي تتعاظم كل يوم، خاصة وأن أجهزة الاتصالات المتوفرة لدى عامة الناس تمكنهم من تصوير ما يجري، وتجاوز الرقابة المشددة التي تمارسها حكومة نتنياهو للتكتم على خسائرهم.
وكيف سيستطيع قادة الكيان مواجهة حالة الانهيار الاقتصادي، مع توقف معظم المصانع وحركة التجارة والنقل، وهروب رؤوس الأموال والكوادر.
أما السؤال الأهم فهو: إلى متى سيستطيع المجتمع "الإسرائيلي" الهش التعايش مع حالة صراع طويل يسوده الخوف والرعب، خاصة في حال ضرب أهداف استراتيجية تؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية؟
هذه الأسئلة والمعطيات الجديدة التي دخلت على الصراع، تؤكد أن الكيان دخل مرحلة التساؤل الجدي عن البقاء والوجود، وكل المؤشرات تؤكد أنه في الوقت الذي ستسمح به الظروف سنشهد حركة كبيرة لهروب المستوطنين هروبا نهائيا، خاصة في ظل حمل معظمهم جنسيات مزدوجة، وشراء معظمهم منازل في دول أوروبية، وهذا العامل وحده كفيل بانهيار الكيان الصهيوني من داخله، وبأسرع مما كان متوقعاً قبل طوفان الأقصى بكثير، والصراخ الذي نسمعه اليوم في كيان العدو لن يقارن يما يمكن أن نسمعه في القادم من الأيام، وهو ما يؤكده إعلام العدو ونخبه، قبل غيرهم. وإن غداً لناظره قريب.

أترك تعليقاً

التعليقات