الوعد الصادق الإيراني
 

محمد القيرعي

محمـد القيرعي / لا ميديا -
علينا أن ننظر الى ما حدث اليوم في إيران من عدة زوايا ونطرح مجموعة أسئلة: ماذا جرى؟! كيف جرى ذلك؟! لماذا جرى هذا الحدث؟! وكيف نفهم كل هذا؟!
هل كانوا يتوقعون يا ترى نوعا من بيانات الإدانة والتنديد اللفظية والمكتوبة، كتلك التي اعتاد على إطلاقها عتاة العرب عقب كل عدوان صهيوني يستهدفهم؟!
ألم يدر بخلد الصهاينة البتة أن الرد الإيراني سيكون من جنس العمل، وأنه سيأتي بتلك القوة المزلزلة التي دكت بها أراضي كيانهم الغاصب والدخيل بمئات المسيرات والصواريخ يوم الثالث عشر من نيسان/ أبريل 2024 الحالي في أول هجوم عسكري إيراني مباشر على كيان العدو، وفي واقعة عملية كانت كافية من وجهة نظري لإفهام الكيان وقادته المذعورين أن ميزان القوى في المنطقة لم يعد في صالحهم كما كان عليه الحال خلال أغلب سنوات نشأتهم المشؤومة؛ لأن هناك قوى ثورية وليدة وناشئة على امتداد المنطقة الديموغرافي لا يهمها البتة موضوع الرادع النووي أو التفوق التقني والتكنولوجي، أو الحماية الامبريالية، بقدر ما يهمها إذلال الصهاينة وسادتهم وأعوانهم، واستعادة كرامة الأمة القومية المفقودة والموءودة في زمن العمالة والانبطاح العروبي التطبيعي المحموم والممقوت؟!
ثم، ألم يتعظ الصهاينة بعد ومن خلال تجارب المواجهات الأخيرة التي خاضوها ويخوضونها باستمرار مع بعض المنظمات الثورية الصغيرة المستلهمة أصلا عبقها الثوري والمقاوم بصورة وثيقة من الرحم الثوري الإيراني ذاته؛ مثل حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله والحوثيين... لإدراك حقيقة أنه لم يعد في مقدورهم حماية كيانهم الدخيل من ضربات وصليات البأس والثأر القومي الموجعة والمتصاعدة التي طالت وتطال عمقهم وهيبتهم وصميم أمنهم الاستراتيجي والقومي المهترئ، ليقرروا على ضوئها توسيع نطاق المواجهة ليشمل أيضا ركيزة وحاضنة الفكر والمحور المقاوم برمته (جمهورية إيران الإسلامية)؟!
إيران الثورة المتقدة اليوم ليست هي إيران الشاه في الأمس، والتي كانت بالنسبة لبني صهيون بمثابة الشقيقة الكبرى والمدللة لدى إمبراطورية اليانكي والرافد الإقليمي الحيوي الأهم لضمان أمن ومصالح وديمومة كيانهم الذي لم يعد محصنا من التلاشي والزوال كما كان يعتقد قبلا؛ لأن إيران الثورة اليوم قامت ونشأت أصلا على النقيض تماماً من المعتقدات السياسية والقومية التي كانت تحكم عقلية الشاه محمد رضا بهلوي ونظامه الملكي الانبطاحي البائد.
هذا الأمر يتعين على قادة الكيان إزاءه إدراك حقيقة أنه وبمقدار خسارتهم لايران الشاه كحليف وكعضد سابق فإن إيران الثورة اليوم باتت تشكل أهم أسباب وعوامل انعدام أمنهم واستقرارهم وزوال كيانهم المحتوم... طال الدهر أو قصر.
لعل المعضلة الأهم هنا تكمن في أن غطرسة نتنياهو المتفاقمة باتت تعميه حقا عن رؤية الحقائق الماثلة أمامه، والتي تشير بوضوح إلى أن الكيان يمر وللمرة الأولى ربما خلال تاريخه المشؤوم بأزمة وجودية حادة وغير مسبوقة، خصوصا بعد أن برهنت الأحداث المتلاحقة أن القوى الإقليمية التي كان الكيان ولا يزال يعول عليها لتغذية أسباب بقائه وديمومته من خلال مده بعوامل الاندماج والتعايش التطبيعي في المنطقة، وبالأخص ممالك ومشيخيات الخليج الفارسي، ليست بالقوة والصلابة التي يمكن التعويل عليها حقا، بالنظر إلى التصادم والتناقض المبدئي والحاد ما بين التوجهات الانبطاحية العملية للأسر المالكة الخليجية من جهة وبين التطلعات المعاكسة لشعوبها وشعوب المنطقة بصفة عامة.
والأمر ذاته ينطبق أيضا بشكل أو بآخر على إمبراطورية اليانكي (أمريكا) التي باتت تفتقر لأي قدرة فعلية على علاج الأزمات المتفاقمة المحيطة بربيبتها "إسرائيل"، بالنظر إلى انحسار مصداقيتها وتآكل هيبتها على الصعيد الدولي ككل، عدا عن إمدادها المعتاد لـ"إسرائيل" بالأسلحة التي تقتل بها أطفال ومدنيي لبنان وفلسطين، رغم أنها (أي الأسلحة الأمريكية) لم تمنع بطبيعة الحال حركة حماس من مباغتة "إسرائيل" في آب/ أغسطس الماضي وترويعها في "عقر دارها"، مثلما لم تمنع قبلا حزب الله اللبناني من إذلال "إسرائيل" علنا واستعادة جنوب بلاده المحتل بالقوة.
والأمر الجلي والواضح في موقف الأمريكان يكمن هذه المرة في إدراكهم المنطقي أن خيارات المواجهة العسكرية مع إيران والمحور المقاوم ككل ليست ولن تكون أبدا في مصلحة "إسرائيل" من الناحية العسكرية، بالإضافة إلى تبعات المواجهة المحتملة على المشروع التطبيعي مع دويلات وممالك الخليج، الذي تتربص به طبعا شعوب المنطقة وليس قادتها.
لهذا سيتعين على اليانكي انتهاج سبل التهدئة مع إيران الشقيقة، لتجنيب ربيبتها "أورشليم" المزيد من الصليات الصاروخية الإيرانية الأحدث والأقدر على الفتك والدمار، والقادرة على تحدى جميع الأنظمة الدفاعية لدى "إسرائيل" والولايات المتحدة وحلف الناتو أيضا على غرار الصواريخ الفرط صوتية التي لم تجرب بعد.

أترك تعليقاً

التعليقات