في ظل حكومة تغرد خارج الحقل
 الزراعة.. معركة شعب يتعرض للإبادة



لم تتخذ حكومة الإنقاذ أية خطوة تذكر لمواجهة كارثة المجاعة التي تعصف بالبلاد بفعل الحصار. وفي حين يموت طفل كل 10 دقائق بسبب سوء التغذية، ويتهدد الجوع حياة 17 مليون مواطن، ظلت الحكومة ساكنة بلا حراك، مكتفية بتنظيم معارض ندب الحظ عن خسائر القطاع الزراعي، بدلاً من مباشرة تنفيذ حملات ميدانية لتنبيه الناس من خطورة الموقف، وحث الجميع على حمل المعاول لزراعة كل شبر من الأرض، فالعدو لا يرحم، وأي تأخير عن العودة لزراعة الأرض، يعد بمثابة إعانة للعدوان، والمراهنة على ضمير المجتمع الدولي أشبه بملاحقة سراب ضائع في صحراء النفط.
 أزمة جوع في بلاد حضارة السدود
لعقود خلت أصبحت اليمن رهينة لتصورات رأسمالية ربطت الزراعة بالسوق وجني الأرباح فقط، وأهملت الشق المتعلق بزراعة الحبوب، والتي تعتبر ضمن مسائل الأمن القومي للدول التي تحرص على زراعة القدر الكافي من الحبوب مهما بلغت تكاليفه، وبما يضمن بقاء شعوبها على قيد الحياة في حال الحروب والكوارث.
وقد أخذت المؤسسات الدولية المانحة تسوق رؤى وهمية عن شح المياه في اليمن، وانعدام جدوى زراعة الحبوب في ظل وجود حبوب مستوردة زهيدة الثمن.
أدت تلك السياسات إلى حدوث تشوه في حجم الإنتاج الزراعي، حيث أثمرت تلك التوجهات طفرة في زراعة الفواكه، ونقصاً حاداً في محاصيل الحبوب، واليمن التي كانت تحقق اكتفاء في زراعة الحبوب حتى العام 1970، صارت اليوم لا تزرع أكثر من 4% من احتياج شعبها للحبوب، وبلاد حضارة السدود وشعب اليمن الذي أذهل العالم باستصلاح ظهور الجبال وتحويلها إلى مدرجات زراعية، أصبح اليوم مجرد عاهة تستجدي لها المنظمات الدولية المساعدة لإنقاذه من خطر الموت جوعاً.

 النصف يعملون بالزراعة لكن الشعب جائع
بحسب الإحصائيات الرسمية، هناك 53% من إجمالي القوة العاملة في اليمن تعمل في قطاع الزراعة، إلا أنها زراعة لم تغث الشعب عند الحاجة، فالناس لا يموتون من قلة البطيخ، ولكنهم يموتون من قلة الخبز.
ويرى كثير من المواطنين أن الوقت قد حان لتفرض الحكومة توجهات فورية يتم على أساسها التخلي عن التوجهات الرأسمالية التي فرضت على اليمن من قبل المؤسسات الدولية خلال الفترات الماضية، والبدء باتخاذ إجراءات وفق ما تتطلبه مرحلة الطوارئ الراهنة لإنقاذ الشعب من خطر الجوع. يقول المهندس الزراعي محمد الذاري: (المساحات المطلوبة لتحقيق الاكتفاء من زراعة الحبوب موجودة، ويجب أن تتوافر النوايا الجادة، من أجل تأمين الإمكانيات المادية والبشرية، والأهم هو إقناع المواطنين بجدوى العودة لفلاحة الأرض بعد أن تغيرت أنماط الحياة).

 أوهام تضمن تسيد المستكبرين
 ترسخت في أذهان اليمنيين أن البلاد تعاني من معضلة عدم وجود المياه الكافية، إلا أن المهندس الزراعي صالح الجويد لديه رأي آخر في ما يخص مسألة المياه، والذي قال في حديثه لصحيفة (لا): (المياه موجودة بشكل كافٍ لزراعة احتياجات البلاد الغذائية من الحبوب، ومشكلة المياه في البلاد هي الاستخدام الجائر، نحن بحاجة إلى ترشيد استخدام المياه واعتماد وسائل الري الحديثة في ري المحاصيل).
تقدر المساحة الزراعية في اليمن بـ1.539.006 هكتارات، تستغل بنسبة 81%، يعتمد ما نسبته 41% منها على الأمطار، وبحسب المهندس محمد الذاري فإن مسألة تحقيق الاكتفاء من زراعة الحبوب يتطلب التوجه إلى المساحات المفتوحة وأراضي القيعان التي تحوي في باطنها مخزوناً من المياه الجوفية المتراكمة على مر العصور.

 التجويع من أجل التركيع
لم يعد بالإمكان التستر وراء الحجج الوهمية عن انعدام المياه، والجدوى الاقتصادية من زراعة الحبوب، وأصبحت الضرورات تحتم على الحكومة اتخاذ كل السبل الكفيلة بتأمين حياة المواطن بعيداً عن شبح المجاعة، فالمعركة بالنسبة لليمن معركة وجود على مختلف الأصعدة، والعدوان الذي فشل في تحقيق أي مكاسب عسكرية لكسر إرادة اليمنيين، اتخذ من الحصار والتجويع وسيلة لتركيع اليمن وإعادتها إلى حظيرة التبعية لقوى الهيمنة والاستكبار، ويرى عدد من المواطنين أن أداء الحكومة لايزال بعيداً عن مواجهة كارثة المجاعة، والتأخير في مواجهة أزمة الجوع قد يترتب عليه ارتفاع نسبة الوفيات واتساع رقعة الاحتياج للغذاء لتشمل جميع سكان البلاد، الأمر الذي يستدعي تدخلاً سريعاً من قبل السلطات للبدء في تلافي الكارثة، وإضافة إلى التدخل السريع، يعتقد المهندس محمد الذاري أنه لابد من انتهاج سياسات طويلة المدى ستثمر في الأخير عن توفير قدر كافٍ من الاحتياج للغذاء، وما نجده الآن في الأسواق من وفرة في منتجات الفواكه، هو نتاج دراسات وعمل على المدى الطويل، وكل ما نحتاجه الآن هو الروح الوطنية والعمل الجاد.

 لا يجمع الله بين عسرين
يستبشر المزارعون بالكثير من الخير في الموسم الزراعي القادم، وقد منَّ الله على اليمن بالكثير من الأمطار خلال العامين الماضيين، وفي الوقت الذي كانت فيه طائرات العدوان تقصف بلاد اليمن بمختلف أنواع القنابل والصواريخ، كانت الأمطار تهب على البلاد، فأسقت الحقول، وأثمرت المحاصيل، ويفيد الزراع بأن ظهور نجم الظافر في شهر آذار يبشر بالخير للمحصول، وكل ما على المزارع فعله هو إلقاء البذرة والتوكل على الله.

 الشعب الصامد يستحق حكومة أفضل
يستطيع الشعب الذي تصدى لأشرس هجمات القتل، أن يكافح أيضاً، وألا يرتهن بقوته للغير، لكن هذا الشعب الصامد يستحق أيضاً أن يكافأ على صموده بحكومة قادرة على التفاعل والمبادرة لحل الأزمات التي تطرأ هنا وهناك بسبب العدوان والحصار، فالسماء لا تمطر بسكويت.