فشل رهانات العدوان الامريكي السعودي العسكرية في تحقيق أي تقدم يذكر في حربه العدوانية على اليمن، يبقي خياره الاخير مفتوحاً على أدواته وأذياله، معولاً عليها تغيير جذور المعادلة المعقدة التي فرضها الجيش واللجان الشعبية، وفتح ثغرة في حائطه الصلب، مستغلاً بذلك الحرية المفرطة التي تمنحها القوى الوطنية لكافة الناس في المحافظات التي تقع تحت سيطرتها، ومن هذه الأدوات أبواق العمالة والارتزاق التي تمارس دوراً خطيراً لاثارة النعرات والفتن، بجانب أن معظمها عملاء إحداثيات، وتعمل على تسهيل عمل الخلايا الإرهابية لزعزعة الأمن والاستقرار، ولخدمة العدوان بشكل أو بآخر، مستغلة الوضع المتسامح القائم، حتى أصبحت تجاهر بعمالتها للعدو الغاشم دون أن يتم وضع حد لها، وهو ما يعد أمراً خطيراً للغاية.
قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، واستشعاراً منه بالخطر الكبير الذي تمثله تلك الادوات، والدور القبيح الذي تمارسه ضد الوطن وأبنائه، وجه بتفعيل قانون الطوارئ، في خطابه السبت قبل الماضي، بذكرى مرور عامين على الصمود اليمني الأسطوري في وجه العدوان الامريكي السعودي.
إن توجيه قائد الثورة بتفعيل قانون الطوارئ في هذا التوقيت بالذات، بقدر ما يعزز ثقة اليمنيين بالقيادة الوطنية التي تستشعر آام الناس وحاجة الشارع اليمني المقاوم لمثل هذه القوانين، لترفد معنوياته في جبهات الشرف الوطني، وتضمن حياة آمنة للأجيال، فإنه يضعنا أمام عقلية وطنية حكيمة تعي جيداً مؤامرات العدو، ولديها الخيارات الممكنة لضرب العدو وتخييب آماله بطرق استراتيجية مدروسة، تجعل المستقبل أكثر وضوحاً وأقرب إلى نصر عظيم.. الشارع اليمني في المرحلة الراهنة بحاجة ملحة لمثل هذه القوانين لتصون كرامته وعزته، فمن غير الممكن أن يسمح الشعب اليمني لاراجوزات العمالة بأن تدوس على جراحه، بينما لا يسمح للغزاة بأن يخطوا خطوة واحدة على أراضيه. يقول جوزيف ستالين عن خطورة التحريض: (إن الأفكار التي يروجها العملاء أقوى من المدافع، نحن لا نسمح لأعدائنا بامتلاك مسدسات وبنادق، فلماذا نترك لديهم الأفكار لقتلنا)، وهو ما أشار إليه قائد الثورة في خطابه الأخير، حيث شدد على ضرورة تفعيل قانون الطوارئ لمواجهة الطابور الخامس الذي يلعب أقذر دور في تفكيك وخلخلة الجبهة الداخلية بكل الوسائل أمنياً وإعلامياً واجتماعياً. مضيفاً أن (تفعيل القانون من شأنه اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على أمن الداخل ومواجهة الاختراق والاستقطاب المعادي).
قائد الثورة أشار إلى نقاط مهمة بتفعيل قانون الطوارئ، أبرزها توجيه صفعة قوية للأعداء الذين يراهنون على أدواتهم لنشر الفوضى وإشغال القوات عن معركة المواجهة.. يقول محللون عسكريون إن توجيه قائد الثورة يأتي تزامناً مع التصعيد الأخير للعدو في الساحل الغربي، والذي حسم أمره أبطال الجيش واللجان، مكبدين قوى العدوان هزائم ساحقة، ما يعني أن آخر الاوراق العسكرية في جعبة العدو نفدت، ولا خيار أمامه إلا أن يدفع بكل ما يملك لتحريك أدواته داخل البلد.
هذه القراءة الملهمة لطريقة تفكير العدو من قبل قائد الثورة، وتوجيهاته السديدة في الزمن والمكان المناسبين، تؤكد أن القيادة اليمنية تسير بخطى استراتيجية ووفق وعي شامل بمؤامرات العدو والاستعداد اللازم لمواجهة تلك التحديات وتوجيه الضربات القاصمة في توقيت قاتل بحيث لا يجد العدو وقتاً كافياً للنهوض أو المواجهة.
ويرى آخرون أن تفعيل قانون الطوارئ يخدم كثيراً منع الفوضى التي يسعى إليها العملاء والمتضررون من العدوان، مشيرين إلى أن السيد القائد يدرك أن الشعب اليمني المناضل، خصوصاً أهالي الشهداء، لا يمكن لهم أن يتحملوا أكثر الاستفزاز البالغ الذي يتعرضون له من قبل أبواق العمالة والارتزاق التي تهلل لغارات الحقد على منازلهم، وتغني لتمزيق أشلاء أطفالهم وعائلاتهم، بحيث إنهم في لحظة غضب قد يقوم أحدهم بالاعتداء المباشر على تلك الابواق، وهو ما يسبب حالة من الفوضى. ولمنع حدوث ذلك فإن تفعيل قانون الطوارئ مسألة مهمة للغاية في الحافظ على استقرار الأوضاع الامنية بما يتماشى مع المبادئ الوطنية وفرض القيم القانونية والدستورية.
الحياد.. خيانة عظمى
يقول مارتن لوثر كنج: (في وقت المعارك الوطنية، فالحياد خيانة عظمى).
وفي توجيهه، يعيد السيد القائد، إلى الأذهان، مسألة هامة جداً في معجم التداول اليومي الشائع بين أبواق العمالة والارتزاق التي تعتبر خيانة الوطن، مجرد وجهة نظر، حيث يجاهر أبواق العدو بعدائهم للبلد، وهو ما يعد جريمة خيانة، كما أن مساعدتهم في التحريض ضد الشعب اليمني تمثل واحدة من أعظم الجرائم التي قد يرتكبها شخص ما.
إن مفهوم الخيانة، حسب القانون اليمني، هو أية محاولة لإلحاق الضرر بالبلد أو التعامل مع الاعداء بأي شكل من الأشكال ولو بالكلمة، فالوطن مقدس لا يمكن لأي مواقف مهما كانت، أن تبرر الاعتداء عليه.
لذا يؤكد الكثيرون أن التوجيه بتفعيل قانون الطوارئ من أهم الخطوات التي من شأنها وضع حد لمثل هذه الممارسات التي تروج لها أدوات العدوان الخفي من وراء منصات الحياد والسلام، مشيرين إلى أن قانون الطوارئ سيتيح خلق بيئة أكثر أمناً، بحيث إن أدوات العمالة والارتزاق لن تتمكن من التحرك بحرية، كما أنه سيقطع آمال العدو في إحداث ثغرة في الوضع الامني القائم.
مفهوم قانون الطوارئ
قانون الطوارئ بالمفهوم العام هو عبارة عن حزمة تدابير وإجراءات أمنية تتخذها سلطات دولة ما على المستوى الوطني، أو في جزء معين من الحوزة الترابية للدولة، بهدف ضبط الأمن والحفاظ على النظام العام إثر وقوع أحداث استثنائية تُهدد الأمن العام كالعدوان على البلد أو أعمال شغب داخلية واسعة النطاق، أو هجمات واسعة، أو كوارث أو نحو ذلك.
يتلخص إعلان حالة الطوارئ في منح صلاحيات استثنائية للسلطات الإدارية، خاصة الشرطة التي تخولها حالة الطوارئ صلاحيات واسعة في كل أرجاء البلاد، إلا أن هذه الصلاحيات الواسعة لا تتعارض بالضرورة مع الحقوق والحريات كما يدعي البعض، بل على العكس تماماً فالقانون يحفظ حقوق وحريات الناس، ويصون حياتهم طالما كان تنفيذه تقتضيه المبادئ الوطنية والاخلاقية ووفقاً لقانون ودستور البلد.
أمريكا والقانون
بالرغم من أهمية القانون لحفظ سيادة الدول وتأمين حياة الشعوب في أوقات الازمات والحروب، إلا أنه يمكن أن يكون دماراً على حياة الشعوب إذا أسيء استخدامه، وذلك مرهون بمدى صدق الجهات القائمة على تنفيذه وجديتها في حماية الامن والاستقرار العالمي.
على مدى العقود الـ6 الماضية، وتحديداً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة، عمدت قوى الاستعمار الغربية إلى إصدار عدة قوانين لتوسيع نفوذها في العالم وتمرير مشاريعها تحت لافتات كثيرة ومختلفة، فقد أصدرت الولايات المتحدة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 (قانون باتريوت آكت)، أو ما يسمى قانون الوطنية، وهو ما عرف لاحقاً بقانون مكافحة الإرهاب، والذي تمكنت بموجبه من فرض هيمنتها على العالم وغزو أفغانستان والعراق بحجة مكافحة الإرهاب، وقتل وتشريد أكثر من 5 ملايين إنسان فيهما.
هذا القانون أعطى الهيئات التنفيذية المتمثلة في أجهزة الشرطة ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) صلاحيات واسعة في مجال مراقبة الافراد والتنصت على اتصالاتهم وتفتيش المواطنين دون أن يكون لديها أدلة ملموسة تدينهم بشكل مباشر، ودون فرض رقابة كافية على تلك الصلاحيات.
وحين مرر الكونغرس الأمريكي (برنامج بريزم) المستخدم في التجسس منذ عام 2007، لم يجد في استخدامه مانعاً، انطلاقاً من أنه يستهدف حماية الأمن القومي الأمريكي، ومن هذا المنطلق نشطت إدارة بوش ومن ثم إدارة أوباما في تطويره واستخدامه، ولم تتحرج الولايات المتحدة من هذه المعلومة التي كشفها عميلها السابق إدوارد سنودن بأن أمريكا تتجسس على رؤساء الدول وساستها، باعتبار أن أية ممارسات تدرج ضمن حماية الأمن القومي هي من الأمور المسموح بها في إطار قانون (باتريوت) الذي أجاز التنصت على أي مواطن أمريكي أو غير أمريكي، وهو ما أحدث ضجة كبيرة حينها عرفت بأزمة التسجيلات التي أثارت غضب مؤسسات المجتمع المدني التي تقدمت برفع قضايا ضد المنفذين للقانون، إلا أن تلك الدعاوى كانت دون جدوى، حيث وقف الامن القومي الامريكي لها بكل قوة.
وفي إشارة للآثار الكارثية التي تسبب بها قانون (باتريوت)، نشرت صحيفة (الواشنطن بوست) الامريكية تقريراً جاء فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست دولة حريات، وأن انتهاكاتها للحريات، لا تختلف عن ممارسات العالم الثالث. واستطردت الصحيفة قائلة، إنه منذ أحداث الـ11 من سبتمبر، تغيرت ملامح إدارة الدولة، داخلياً وخارجياً، وأصبحت أمريكا دولة لا تحترم حقوق الإنسان، ولا تتمتع بالحرية، كما يتوهم الأمريكيون، أو كما تحاول أن توهم به الآخرين. واستشهدت الصحيفة على ذلك، بعدد من القوانين التي أصدرتها الولايات المتحدة إثر قانون باتريوت، ويعد تنفيذها تقييداً، وخرقاً للحريات المزعومة:
أولها: قانون السماح بقتل أي مواطن أمريكي أو غير أمريكي يشتبه في كونه إرهابياً، ذلك القانون الذي أصدره الرئيس الأمريكي بوش الابن، وحرص الرئيس أوباما على استمرار العمل به.
ثانياً: قانون يسمح بجواز احتجاز أي مواطن من قبل قوات الجيش الأمريكي، عند الاشتباه في ضلوعه في أعمال إرهابية. وقد رفضت الإدارة الأمريكية أية محاولات لانتقاد هذا القانون، أو توجيه تهم له بخرق الحريات.
ثالثاً: قانون ينزع الحصانة الشرعية عن المواطنين، وهو نفس القانون الذي تنتقده أمريكا، نفسها، في دول أخرى مثل الصين وكمبوديا. وبموجب هذا القانون، يحق للرئيس الأمريكي، إرسال متهمين للمثول أمام محاكم فيدرالية أو عسكرية، دون إبداء أسباب.
(باتريوت) يستبيح حرية المواطنين
اعتقلت منظمة الامن القومي الامريكية آنذاك آلاف الأشخاص، منهم الكثير من المواطنين الأمريكيين من أصول شرق أوسطية، وجرت معظم الاعتقالات بصورة غير معهودة في القوانين الجنائية الأمريكية، إذ لم يتمتع المشبوهون بحق التمثيل القانوني لهم من قبل محامين.
تقارير منظمة العفو الدولية أشارت إلى كثير من الاعتقالات التي تمت في سجون سرية بدون توجيه تهم، وبدون اللجوء إلى التسلسل القضائي والمحاكم، وعدم تمتع هؤلاء السجناء بحق التمثيل القانوني من قبل محامين. وقد أظهرت فيديوهات مسربة وقتها إقدام رجال الامن الامريكيين على تعذيب معتقلين بصورة مرعبة تعكس وحشية النظام الامريكي الذي يسعى دائماً لحجب الضوء عن البشرية.
إلى ذلك، أشارت بعض التحقيقات إلى تورط وزارة العدل الأمريكية في وفاة اثنين من 100 فرد رهن الاحتجاز السري للمخابرات المركزية, كان ضمنهم 15 مواطنًا ليبيًّا احتجزتهم أمريكا، واستجوبتهم، وعذبت العديد منهم قبل إعادتهم لوطنهم.
وقد أصدرت كل من منظمة هيومن رايتس ووتش ومعهد حقوق الإنسان بجامعة كولومبيا، تقريرًا يفيد بأن وزارة العدل الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي استهدفا مسلمين أمريكيين في عمليات كاذبة لمكافحة الإرهاب من منطلق هويتهم الدينية, ويذكر أن قضايا كثيرة باسم مكافحة الإرهاب منذ سبتمبر 2001، والتي يفوق عددها 500 قضية، لها علاقة بأقليات دينية وعرقية، مثل قضية مراقبة قسم شرطة نيويورك لمساجد وجماعات طلابية مسلمة وشركات يملكها مسلمون.
تاريخ القانون في المنطقة
تاريخياً شهدت الجمهورية اليمنية إعلان أول حالة الطوارئ في منتصف مايو 1994 أثناء حرب الانفصال، وآخر مرة تم تفعيل طوارئ في البلد كانت خلال الاحداث في 18 مارس 2011.
كما شهد ظهور قانون الطوارئ في عدة دول عربية تزامناً مع وقوع أحداث دموية وحروب فيها، فمثلاً تم فرض حالة الطوارئ في الجزائر في 9 فبراير 1992 أثناء الحرب الأهلية والمجازر البشعة التي ارتكبتها عصابات ما تسمى الجبهة الاسلامية.
وفي مصر تم تفعيل قانون الطوارئ لاول مرة بعد الثورة في 1956 عقب العدوان الثلاثي على مصر، ثم فعلته السلطات مره أخرى عقب نكسة 67 لمدة عامين، ثم فرض قانون الطوارئ في مطلع ثمانينيات القرن الماضي مع حادثة اغتيال الرئيس السادات، واستمر لمدة 30 عاماً حتى توقف عقب أحداث 2011.
الطوارئ والقناصة
تختلف قوانين الطوارئ من دولة إلى أخرى بحسب طبيعة السياسة التي تنتهجها تلك الدول، والظروف الأمنية السائدة، والغاية من تطبيقه، إلا أنه يمكن أن يتم تفعيل قانون الطوارئ للمحافظة على أمن واستقرار الدول في ظروف داخلية مثل احتجاجات شعبية أو أعمال شغب، وهنا يكون دور القانون مهماً حتى لا تستغل أية قوى خارجية ظروف الشغب لتمرير مشاريعها، كما حدث في أحداث 2011 في الدول العربية التي شهدت ما يسمى الربيع العربي، وكيف سعت الدول الغربية إلى إثارة الفوضى وإشعال نار الحرب بين الجماهير والسلطات في دول الربيع، مستغلة الوضع الامني الهش الذي خلقته تلك احتجاجات، فقد لعبت دوراً قذراً، وتحت مسمى الحريات، فيما كانت تغذي خلاياها لنشر الفوضى وجر السلطات إلى حرب، ورأينا تلك الحقائق عندما ألقت السلطات السورية القبض على فرقة من القناصة وهي تقنص المتظاهرين في مدينة درعا، في منتصف أبريل 2011م، التي روج لها إعلام العبث والخراب بأن الجيش السوري يقتل شعبه، وهو ما عرف في ما بعد بفرقة القناصة الدولية التي كشفها جهاز المخابرات الروسية لاحقاً، وكانت قد استأجرتها أمريكا وإسرائيل وفرنسا لقتل المتظاهرين في اليمن ومصر وليبيا وسوريا، حتى تروج أن الانظمة تقتل شعوبها، لاشعال نار الحرب، وهو ما نجحت في تحقيقه في سوريا وليبيا، في الوقت الذي كانت القوى الغربية تشن هجوماً لاذعاً على السلطات التي فعّلت قانون الطوارئ مع بداية الاحداث، كما أن الانزعاج الواضح الذي أبدته المنظمات الدولية، ومن خلفها قوى الاستعمار، بشأن تفعيل قانون الطوارئ، يؤكد أهمية القانون للحافظ على أمن الدول، حيث شكل حجر عثرة في طريق القوى الغربية، واعترض مؤامراتها، وحد من سطوتها على تلك الدول.
وبالنظر لاهمية تفعيل قانون الطوارئ في الدول التي تشهد حروباً داخلية وخارجية، سنرى أن الدول الغربية سعت وتسعى لتعطيل تفعيل قانون الطوارئ عبر منظماتها الحقوقية والإنسانية التي وصفت قانون الطوارئ بأنه يتعارض مع الحقوق والحريات، ويقيد حركة الشعوب، وهو ما دفع الكثيرين إلى القول بأن القوى الغربية تسعى إلى تعطيل قانون الطوارئ حتى تتمكن من إدارة أدواتها وعملائها لتمرر مشاريعها التخريبية والهدامة.
وكثمرة لهذه المساعي الغربية كان أول عمل تقوم به السلطات العربية الجديدة عقب أحداث 2011م، بعد إطاحتها بالأنظمة السابقة، هو إلغاء قانون الطوارئ في وقت يحتاج البلد لفرض حالة الطوارئ كي تتم المحافظة على الأمن والاستقرار، إلا أن تلك السلطات وباعتبارها أدوات لقوى الاستعمار، عمدت إلى إلغاء قانون الطوارئ فور وصولها إلى رأس هرم السلطة.
القانون يلبي مطالب الشارع
قانون الطوارئ هو استجابة لمطالب الشارع اليمني المقاوم، والتي لباها سيد الثورة في الوقت المناسب، بالتوجيه بتفعيل القانون، وهو ما يُعد ضربة مدوية للعملاء والخونة ومرتزقة الطابور الخامس.
فالشارع كان يحز في نفسه أن يرى العملاء يتبادلون التهاني والتبريكات إثر كل جريمة يرتكبها العدوان في حق الشعب اليمني، ويرقصون على جثث الاطفال والنساء، ولا يجدون من يضع حداً لمثل هذه السلوكيات الوضيعة من قبل العملاء.
فيما يتساءل آخرون هل من زمن معين لأن يتخذ الشعب اليمني قراره للحفاظ على الوطن وتطهيره من دنس ورجس العملاء، أم أن ذلك مقرون برضا ومباركة اليمين الرأسمالي؟ ألم تقم الولايات المتحدة الأمريكية، أثناء الحرب مع فيتنام، باعتقال عشرات الآلاف من الامريكيين سياسيين وإعلاميين ومواطنين، بتهمة الخيانة العظمى لمجرد اتخاذ موقف الحياد من الحرب؟ فماذا لو كانوا جاهروا بتأييدهم للعدو كما يحدث لدينا؟!
فما هي مفاهيم الولاء للوطن أو موجبات الخيانة، في دروزات البيت الأبيض؟ أم أن تطبيق قوانين الامن والعدالة حكر على بلد دون آخر؟
إجراءات أمنية لابد منها
قانون الطوارئ هو إجراءات أمنية لابد منها، وليس دعوة لاستهداف أحد كما يروج لها أعداء الوطن وأعداء الحياة، فالشعب اليمني اليوم لديه ما يكفيه، يواجه بمفرده أقوى عدوان في تاريخه من أقذر قوى عدوانية تمارس أبشع الجرائم وتشن أحقر حملات الانتقام والكراهية له.
إنها خطوة مهمة في لحظة مصيرية للحفاظ على وحدة البلد والالتزام بالمفاهيم الأخلاقية والمبادئ التي تشكل هوية المواطن من خلال انتمائه الى الوطن وتحمله مسؤولية الدفاع عنه. هذه القيم الوطنية التي تربى عليها الشعب اليمني العظيم، لا يمكن أن تبرئ العملاء الذين يجتهدون كثيراً لنشر الدسائس والخراب، ويقدمون صورة مشوهة وحاقدة، تروج لاعداء الوطن.
الشعب لا يقبل العملاء
لا يمكن أن يتجاهل الشعب ممارسات أدوات العمالة والارتزاق التي تسعى إلى نشر العبث والخراب، وتصفق لركب الغزاة، فلا يمكن أن يغتال الشعب مرتين.
ولا يمكن أن يتغاضى الوطن عن أولئك الذين يتمترسون خلف منصات الحياد والسلام، وجاهروا بعدائهم للوطن تحت ذريعة حرية الرأي والتعبير، في وقت تنسف القوانين الإلهية إذا كانت تتعارض مع مصلحة الوطن، أية حرية تلك التي تحول فعل الغزاة وجرائم العدوان الغاشم بوحشيتها التي تهز عرش الرحمن، إلى مجرد وجهة نظر، واعتبار الخيانة مجرد رأي؟!
يرى كثيرون بأنه لا يمكن القبول بأصوات النفاق التي تصدر من مخادع الزور ومطابخ الدم في قلب الوطن، وتخترق ملحمة الصمود والتضحيات، فتلك الأصوات فقدت آدميتها، ولم تراعِ مشاعر الناس، وتسهر ليل نهار تكيد المؤامرات والدسائس لهذا الشعب الذي ترك لهم الحرية بالحياة بعد أن أعدموها عليه طيلة عقود من الزمن.
يقول ماركوس كيكيرو (مفكر روما الكبير)، عن الخيانة: (إن من السهل محاربة العدو الواقف على بوابات المدينة لأنه معروف ويحمل رايته بشكل واضح، لكن الخائن يتحرك بحرية بين من يعيشون في الداخل، وتنتقل همساته الخبيثة بين دروب المدينة، لأن الخائن لا يظهر بمظهر الخائن، إنه يتحدث بلهجة مألوفة لدى ضحاياه، وهو يرتدي وجوههم وحججهم).
ليس كما حدث في أمريكا
هذه الاهمية القصوى لتفعيل قانون الطوارئ لا يمكن لها أن تنفي الكثير من المحطات التاريخية التي استخدم فيها القانون استخداماً سيئاً لإخضاع الشعوب وسلب إرادتهم، إلا أن ذلك يتعلق بطبيعة السلطات والانظمة وحسب.
الحقائق والشواهد تؤكد أن قانون الطوارئ يعد أمراً مهماً للغاية للحفاظ على أمن واستقرار البلدان، خصوصاً تلك التي تعيش حروباً، أما بالنسبة لمدى إيجابية قانون الطوارئ، فهي مقرونة بالظروف التي تستدعي تفعيله والغاية منه، والانظمة التي قد تسيء استخدامه لتضييق حياة المواطنين أو لتحقيق أهداف خارجية كما حدث في أمريكا.
ضربة معلم
من المتوقع جداً أن يحدث قانون الطوارئ ضجة عالمية في أوساط قوى الاستعمار الغربية والرجعية العربية، ولا نستبعد أن يثير حفيظة المنظمات الدولية التي تدعي حماية الحقوق والحريات، كل ذلك أمر متوقع، إلا أنه سيعد أثراً إيجابياً وحالة صحية ستعكس مدى الالم الذي تلقته قوى العدوان، واستشعارها أن القانون سيقلم أظافرها، وسيضاعف من آلامها، ويقضي على فرضية فتح ثغرة في جدار الصمود اليمني العظيم.. وسيؤكد كل ذلك أن تفعيل قانون الطوارئ هو ضربة معلم لقوى العدوان العالمية وحثالاتها.
المصدر حلمي الكمالي/ لا