تقـرير أمريكي:واشنطن غير مستعدة لحرب كبرى بعد مواجهتها مع صنعاء
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا
عادل بشر / لا ميديا -
أعاد تقرير أمريكي فتح واحدة من أكثر الحقائق إرباكاً في المشهد العسكري للولايات المتحدة خلال العامين الأخيرين (2024 و2025)، وهي أن الحرب في البحر الأحمر ضد اليمن حماية للكيان الصهيوني لم تكن اختباراً لقوة البحرية الأميركية، بقدر ما كانت امتحاناً لقابليتها للانهيار من الداخل.
هذا ما كشفته مجلة "ناشيونال ريفيو" في تقرير حديث نشرته أمس، معترفة بأن واشنطن استنزفت مخزونها الصاروخي في مواجهة خصم مثل صنعاء، التي لطالما قُدمت في الإعلام الأميركي كقوة "هامشية"، وفجأة تحول اليمن، بكل تعقيداته السياسية والجغرافية، إلى مرآة تعكس هشاشة القوة التي تتفاخر واشنطن بأنها الأقوى في التاريخ الحديث.
المجلة الأمريكية أقرت بذلك بصريح العبارة موضحة بالقول: "إنها حقيقة مُقلقة أن الصناعة الأمريكية غير مستعدة تماماً للحرب، بعد أن استنفدت البحرية الأمريكية مخزوناتها من الصواريخ الهجومية والدفاعية في حملتها ضد الحوثيين في اليمن"، مؤكدة أن تعويض ذلك المخزون "سيستغرق عامين على الأقل".
وأضافت: "ومع ذلك، في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، وبينما كانت أحدث حاملة طائرات عملاقة تابعة للبحرية الأمريكية، "فورد"، تُبحر نحو البحر الكاريبي لتخويف كارتل مادورو، تعرضت أقدم حاملة طائرات عملاقة، "نيميتز"، لحادثي طيران خلال نصف ساعة، ما أدى إلى خسارة معدات عسكرية تزيد قيمتها عن 100 مليون دولار".
ودعت المجلة المُشرعين في الكونجرس إلى أن يتجهوا إلى ميزانية الدفاع الأمريكية، مع التركيز بشكل خاص على القدرة الصناعية.
ويرى مراقبون أن هذا الاعتراف الصريح يأتي من مؤسسة يمينية أميركية تنتمي إلى التيار القريب عادة من المؤسسة العسكرية الأمريكية، ما يمنحه وزناً إضافياً.
المفارقة أن تقرير "ناشيونال ريفيو" لم يُقدم معلومات جديدة بقدر ما فضح ما حاولت المؤسسة العسكرية الأمريكية إخفاءه خلال العامين الماضيين، فإطلاقات الصواريخ المتكررة من المدمرات الأميركية لم يكن مجرد عمليات روتينية لحماية الملاحة الدولية، كما زعم الإعلام الأمريكي، بل كان استنزافاً مباشراً لاحتياطي استراتيجي جرى بناؤه على مدى عقود. واللافت أكثر أن ملء هذا النقص يحتاج، بحسب تقديراتها، عامين كاملين، لتعويض صواريخ استخدمت -وفقاً لتوصيفات الإعلام الغربي- ضد قوة صاعدة لا تملك أسطولاً ولا قواعد بحرية ولا غطاءً جوياً.
تعليقات محللين عسكريين على ما ذكرته المجلة أكدت أن "مجرد إعلان أن قوة كالبحرية الأميركية تحتاج 24 شهراً لتعويض استهلاكها لمخزونها الاستراتيجي في حرب منخفضة الكلفة، يرسل إشارة صارخة بأن الولايات المتحدة ليست جاهزة لحرب أطول أو أعقد، خصوصاً إذا كانت ضد خصم مثل الصين".
قوة مقلقة
لم يأتِ ذكر اليمن في التقرير بوصفه تفصيلاً عابراً، وإنما كقوة مُقلقة لواحد من أقوى الجيوش في العالم؛ فالحملة البحرية التي أرادتها واشنطن قصيرة ومحدودة اتسعت تدريجياً لتكشف خللاً أعمق من مجرد نقص في الجاهزية. وبحسب محللين فإن البحرية الأمريكية أرادت من خلال الحملة على اليمن، إظهار قدرتها في الحفاظ على أسطورة الهيمنة البحرية التي لازمتها عقوداً طويلة، فإذا بها تُظهر شيئاً آخر، وهو أن نظامها اللوجستي هش، وقدرتها على إعادة التسليح ضعيفة، وأن أساطيلها التي تجوب البحار ليست مجهزة لخوض حرب استنزاف حتى على شاطئ بعيد، فكيف على تخوم مضيق تايوان؟!
اليمن هنا ليس مجرد جغرافيا. إنه السؤال المقلق الذي يشق طريقه إلى قلب الكونجرس؛ فإذا كانت الولايات المتحدة قد استنفدت جزءاً ضخماً من ذخيرتها في مواجهة "جماعة مسلحة"، وفقاً للتوصيفات الغربية، فكيف ستبدو الصورة إذا اندلعت حرب تتطلب آلاف الصواريخ يومياً؟! مجلة "ناشيونال ريفيو" لا تقول ذلك صراحة؛ لكنها تتركه معلقاً في الهواء حين تشير إلى أن الصناعة الأميركية "غير مستعدة للحرب"، وهو ما دفع مُعلقين على تقرير المجلة المنشور في موقعها الالكتروني، وبينهم ضباط بحريون متقاعدون، إلى القول بأن "هذه الجملة لا تحتاج إلى كثير من التأويل. فالقدرة على إنتاج السلاح ليست ترفاً، بل العمود الفقري لكل العمليات العسكرية. وإذا كان هذا العمود هشاً أمام اليمن، فإنه يكاد يكون بلا قيمة أمام الصين".
وأشار آخرون إلى أن اليمن من خلال معركة البحر الأحمر، بات محطة اختبار تكشف ما تخشاه واشنطن ولا تريد الاعتراف به، وهو أن "قوة البحرية الأمريكية لم تعد في موقع يسمح لها بخوض حربين في وقت واحد، ولا حتى حرب واحدة طويلة"، وأن ما جرى في البحر الأحمر لم يكن تحدياً عسكرياً للولايات المتحدة، بل هو تحدٍّ سياسي ومعنوي. فالنظام العسكري الذي بُنيَ ليعمل بكفاءة في الحروب الكبرى ترنح في حرب صغيرة ذات إيقاع بطيء، وتكتيكات غير مكلفة، وخصم لا يستخدم إلا جزءاً محدوداً من قدراته.
وفي الجوهر، ما قالته "ناشيونال ريفيو" بلا مواربة هو أن اليمن تحوّل، في معركة إسناد غزة، من مسرح طرفي إلى عقدة مركزية في اختبارات القوة الدولية، وأن المواجهة التي شهدها البحر الأحمر بين بحرية واشنطن وقوات صنعاء، تحولت إلى مرآة صادمة تعكس هشاشة القوة التي لطالما رُوج لها ضمن أساطير "التفوق المطلق". وفي اللحظة التي تحتاج فيها واشنطن إلى حضور عسكري ثابت يردع الصين، تجد نفسها تعيد حساباتها تحت ضغط المواجهة التي خاضتها مع قوة لا تتجاوز قدراتها جزءاً يسيراً من قوة الخصوم الذين تستعد لهم.










المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا