المثاليات الأمريكية تلبي الواقع في اليمن
- تم النشر بواسطة ترجمة خاصة (لا)
ترجمة خاصة (لا)
ديفيد فينكل @ : صحيفة (الواشنطن بوست) الأمريكية
يكشف ديفيد فينكل في مقالة طويلة (ننشرها على حلقتين) كيف زاول الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح لعبة تبديد وقت في علاقته بالإدارة الأمريكية على مستوى عديد أجندات أرادت واشنطن تمريرها في اليمن تحت مسميات حقوقية وأمنية.. إلخ.
المقالة المنشورة في (الواشنطن بوست)، في العام 2005م، تجتهد في تسويق الولايات المتحدة كمنقذ لليمن واليمنيين، وتقدم (علي صالح) باعتباره عائقاً أمام (مشروع الإنقاذ الأمريكي المزعوم).. تحتوي المقالة على الكثير من المغالطات والدس، لكنها لا تخفي سخط الإدارة الأمريكية المبكر على (صالح). أما حسن النوايا الأمريكية التي يظهرها الكاتب حيال اليمن، فمن السهل على القارئ اكتشاف زيفها والتحوط منها، مدعماً بوفرة معطيات حاضر العدوان الأمريكي السعودي المباشر على بلادنا، وانفضاح سوء نوايا واشنطن عملياً على أرض الواقع.
اليمن- صنعاء: في اليوم الأول، والذي من شأنه أن يتحول إلى أفضل يوم، ويوم واحد من 180 يوماً عندما كان كل شيء يبدو في الواقع ممكناً، ورئيس اليمن لم يكن قد أشار إلى روبن مدريد باستخفاف، واصفاً إياها بالمرأة العجوز.
وكان وزير خارجيته لم يصر بعد على الوقف الفوري لبرنامج مدريد المدعوم من حكومة الولايات المتحدة لإحلال الديمقراطية في أكثر المناطق والمحافظات اليمنية التي لا تتقيد بالقانون.. ووزير داخلية الرئيس لم يكن قد حظر عليها السفر إلى تلك المناطق.
وكانت الصحيفة الرسمية لحزب الرئيس لم تنشر بعد قصة توحي بأنها جاسوسة.
في اليوم الأول 15 يونيو 2005، لم تتبع قوات الشرطة أياً من مشائخ القبائل الـ14 الذين اجتمعوا بروبن مدريد في غرفة اجتماعات حول برنامجها. ولم تستدع قوات الشرطة أي واحد منهم في منتصف الليل إلى القصر الرئاسي، وتخبره بأن الأمريكيين لا يمكن الوثوق بهم، ولم يسبق أن جرح أو قتل، وهو ما سيحدث لأحد الرجال في اليوم الـ88 من البرنامج عندما اعترضه كمين من 3 سيارات من الرجال مسلحين بالمدافع الرشاشة في الحرب القبلية الجارية، الشيء الذي تمنت مدريد والرجال إنهاءه.
(يتم إنجاز الكثير من هذا العمل في الظلام، أو على الأقل في الغسق)، وهو ما ستقوله مدريد بإعياء شديد متى حدث. ولكنها في اليوم الأول قالت إنها سعيدة جداً كونها توصلت إلى نقطة من اليوم الأول والكلمات الأولى التي تحدثت بها عندما وقفت مخاطبة 14 من المشائخ، لم تكن حول الحرب أو الموت أو الإرهاب، وهو ما سيحدث قريباً بما فيه الكفاية، ولكن كانت حول وعود بفرصة في متناول اليد.
وقالت مدريد: (اسمحوا لي أن أهنئكم على الشجاعة والرؤية للبدء بهذا). كانت تتحدث بجدية واضحة على وجهها، والتي قد تكون مؤلمة عن إدراكها مؤخراً، وكانت تتوقف حتى يتسنى ترجمة كلماتها إلى اللغة العربية. وارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة.. في هذه اللحظات كان الرجال يبتسمون أيضاً، ويصفقون. وبهذا ابتدأ البرنامج.
ما حدث خلال الأشهر الـ6 المقبلة - وهي الفترة الزمنية التي انتهت قبل 3 أيام - كانت تجربة بالمعنى الدقيق للديمقراطية.
وهذا ما انتهت عليه: اليمن اعتباراً من 15 ديسمبر، أصبح بلد الديمقراطية الجنينية المشوهة ببلد يتكون من 20 مليون شخص و60 مليون قطعة سلاح، وحروب مستمرة وإرهابيين أكثر نشاطاً والفقر واسع النطاق، والفساد المستشري، وارتفاع نسبة الأمية، ومنفذ بحري سيئ السمعة، حيث تنظيم القاعدة هاجم (يو إس إس كول)، عام 2000، وبقعة سيئة السمعة من وادي حضرموت موطن أجداد أسامة بن لادن، واعتقاد على نطاق واسع أن الولايات المتحدة هي سبب الحياة البائسة بالنسبة للكثيرين في اليمن.
في الـ5 من شهر يونيو عندما ابتدأ مشروع روبن مدريد الممتد لـ6 أشهر في اليمن، ربما كانت الأمور على ما هي عليه، فهل يعني هذا أن مشروعها باء بالفشل؟ وهل كانت تكلفة البرنامج البالغة 300 ألف دولار أمريكي، لإحلال قيم الديمقراطية في مكان مثل اليمن، مجرد مضيعة للوقت والمال؟ أم أنه نجح بالفعل؟
الإجابات ليست سهلة بأن تكون نعم أو لا، لشرح ما سيحدث عندما تحاول الولايات المتحدة استخدام الديمقراطية كأسلوب لإعادة تشكيل العالم، فالتسويق والترويج وتغليف وتصدير الديمقراطية أصبح الآن سياسة أمريكا الخارجية أكثر من أي وقت مضى في تاريخ الولايات المتحدة. وأكثر مثال على ذلك العراق، ولكنه نسخة مشوهة متطرفة.
أكثر نموذجية مما يجري في كل يوم، وفي كل جزء من العالم، وبشكل مستمر وخفي، يمكن إدراكه في تفاصيل حدثت ضمن برنامج غير معروف في اليمن وطاقم من الشخصيات تمتد من واشنطن إلى واحد من أكثر بلدان العالم اضطراباً وغرابة.
لقد كان هناك مدريد التي تميل نحو الشكوكية في عملها، ولكنها احتاجت وبشدة أن تثق بالرجال الحاملين للبنادق ومشائخ القبائل الذين طلبوا مساعدتها.
لقد كان المشائخ بأنفسهم كذلك، حيث كان البعض حازماً، والبعض متعلماً أو غامضاً، وآخرون يريدون المساعدة بصدق، والبعض الآخر يريد استخدام مدريد فقط للحصول على المال.
كان هناك الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي يصر على أنه يريد أن تكون اليمن بلداً أكثر ديمقراطية، وذلك ربما ينم عن رغبة صادقة، أو ربما بسبب كونها واحداً من أفقر البلدان في العالم، فهي تريد أن تموضع نفسها للحصول على المساعدة من أي شخص يرغب في تقديم المساعدة.
وكان هناك الرئيس بوش الذي أراد أن يعطي المال لأشخاص مثل صالح وبعض المشائخ اليمنيين وروبن مدريد، لأنه حول الديمقراطية إلى شيء يتم تصديره، مثلها مثل المساعدات الغذائية، كطريقة لمحاربة الإرهاب. تلك هي أهمية برنامج مدريد، فهو يمثل بوضوح فكرة بوش الراديكالية التي أعلنها أثناء حفل تنصيبه الثاني في يناير، بأن (سياسة الولايات المتحدة هي البحث عن الحركات والمؤسسات الديمقراطية ومساعدتها في كل بلد وثقافة، وذلك مع الهدف النهائي المتمثل في إنهاء الاستبداد في عالمنا).
الديمقراطية كسلعة أو بمنظور كهذا تنطبق على العديد من الأمثلة لبرامج مولتها إدارة بوش، مثل عملية تحرير العراق التي تعد جزءاً واحداً من سياسة بوش الخارجية، وفي اليمن: برنامج التخفيف من الصراع القبلي يعد نموذجاً آخر، بالإضافة إلى مئات من برامج أخرى ممولة في ظل إدارة بوش، مثل تعزيز الديمقراطية من خلال راديو المجتمع في الكونغو(35.000$)، ودعم العملية الانتخابية في منغوليا (109.725$)، وزيادة الشفافية والمساءلة في المؤسسات الحكومية في مولدوفا (36.386$).
إجمالاً، فإن الولايات المتحدة تنفق على الأقل مليار دولار هذا العام على برامج كهذه. وتظل مسألة التحدث عن رقم دقيق أمراً صعباً، لأن عملية تعزيز الديمقراطية قد تطورت من النظرية إلى الصناعة التي تمتد في جميع أنحاء واشنطن، وتشمل وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والصندوق الوطني للديمقراطية وعشرات المنظمات الربحية وغير الربحية في جميع أنحاء واشنطن التي تعيش وتموت على العقود الحكومية والمنح. على سبيل المثال الوكالة الأمريكية للتنمية تخصص أكبر قدر من المال للترويج للديمقراطية للمدى البعيد، ويقول المتحدث باسم وزارة الخارجية إنها ستنفق 1.2 مليار $ على الأقل، أي نفس المبلغ الذي أنفقته عام 2004. ويرفض إعطاء رقم دقيق قائلاً: (المشكلة هي أن هذا المبلغ ينقسم إلى فئات وبنود كثيرة من الصعب تلخيصها).
الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجميع هو أنه منذ 11 سبتمبر 2001، والمبلغ المالي الموجه من إدارة بوش لتعزيز الديمقراطية في الدول الإسلامية والشرق الأوسط، قد ازداد بشكل ملحوظ، حتى على حساب مناطق أخرى من العالم. وللتوضيح بشكل أفضل، فإن هناك مكتباً جديداً في وزارة الخارجية يدعى مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، ويشرف عليه نائب مساعد وزير الخارجية سكوت كاربنتر، الذي يعترف بصراحة: (نحن لا نعرف حتى الآن أفضل السبل لتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط العربي. أعني أننا لا نعرف، إنها الأيام الأولى). ولكن هذا ليس سبباً لعدم المحاولة، كما يقول، خصوصاً في مثل هذه الأوقات الملحة. أما حول منهجه فيقول: (أعتقد أن هناك أوقاتاً عندما ترمي بها السباغيتي على الجدار، وتنتظر لترى ما إذا كان سيلتصق به).. هذا هو موقفه ليس تجاه العراق فقط، ولكن أيضاً بالنسبة لليمن، التي تشترك في الحدود التي يسهل اختراقها بآلاف طويلة من الأميال مع المملكة العربية السعودية، وتتقاطع مع طرق التهريب التي وصفت ليس منذ وقت طويل بأنها ملاذ للإرهابيين. ويضيف: (لديك بلد فقير، وهذا مهم بالنسبة لنا من الناحية الاستراتيجية، لأننا لا نريد أن نرى أن تصبح دولة فاشلة)، كما يقول: (تمتلك اليمن الحق في هذه المرحلة أن تذهب في أي من الاتجاهين. إنها في سباق مع الزمن).
كاربنتر ليس الوحيد في هذه الضائقة، لكن هناك العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية مثل بيت الحرية (فريدوم هاوس) التي تصنف اليمن بأنها (غير حرة)، ومنظمة إنقاذ الطفولة تضعها في المرتبة الخامسه كأسوأ مكان في العالم لأن تكون أم أو طفل، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يصنفها في المرتبة 151 من 177 دولة على مؤشر التنمية البشرية، مما يجعلها واحداً من أقل البلدان نمواً في العالم.
هناك نكتة يمنية تقول: (ذهب الله إلى الأرض وقال إنه لا يعترف بأي شيء حتى وصل إلى اليمن، ثم قال نعم أتذكر هذا المكان تماماً كما خلقته..)..
ويلخص محمد الطيب، وهو مسؤول حكومي في اليمن منذ فترة طويلة، ذلك بقوله: (لذلك نحن تقريباً أمة الموت).
أو كما تقول روبن مدريد: (بالتأكيد، أنا أكره رؤية الأشخاص الذين يعانون. أنا أكره ذلك).
تبلغ مدريد من العمر 65، وتشغل منصب المدير القطري للمعهد الديمقراطي الوطني للشؤون الدولية في اليمن، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن. وكانت تعمل في صنعاء بمكتب بنوافذ مضادة للرصاص، وتعيش في منزل تتواجد به الحراسة على مدار الساعة.
تزوجت عدة مرات، وكانت المرة الأولى بناشط الشيكانو، ثم بماركسي إيراني، ثم إلى أخصائي تنمية مع البنك الدولي. قبل المعهد الديمقراطي الوطني، عملت في واشنطن، إندونيسيا، وأجزاء مختلفة من منطقة الشرق الأوسط، حيث تفادت رشق الحجارة من قبل جماعة من الأولاد الصغار الذين حاولت فهم مشاعر الغضب لديهم، ولكنها لم تتعلم العربية، وهو الأمر الذي تستمر بالأسف عليه.
دائماً ما تقدم نفسها على أنها أمريكية، فهي تؤمن بالديمقراطية وفي الكفاءة الأمريكية. وتتحدث بشكل متواصل عن (الشفافية) و(بناء القدرات)، وتقول: (أعيش حياة أنا فخورة بها). وبين الحين والآخر، عندما تحدث أمور تتعلق باليمن، كما يحصل لدى الجميع، بمن في ذلك اليمنيين، تقول: (سأذهب لأرتاح لدقائق قليلة)، وتغلق باب مكتبها. ثم بعد مرور 10 دقائق تفتح وتعود إلى العمل. وكان يسميها موظفوها (مدمنة عمل)، وأصبح اسم (الدكتورة روبن) الاسم الذي ابتدأ المشائخ بمناداتها بعد أن أخبرتهم أن لديها شهادة دكتوراه في دراسة علم الإنسان (الإنثروبولوجيا).
وصلت المطار يوم 5 مايو 2001، بعد منتصف الليل، ولا تزال تتذكر أول لحظة لها من سيارة أجرة، حيث شاهدت (الحفر والكلاب الجرباء والمصابيح المحترقة). لكنها تتذكر أيضاً تمشية في اليوم التالي في الشفق، عندما كانت في المنتصف عبر الجسر الحجري القديم، التقطت أول لمحة لها من المباني التي تتزين بلون الزنجبيل في صنعاء القديمة. وقالت: (لقد بكيت. أعني، كان منظراً ساحراً). وبعد ذلك أمام الفندق الذي تقيم فيه في اليوم التالي، رمى رجل مدفعه الرشاش إلى الأرض، وأطلق رصاصة على إطار السيارة على بعد بضع أقدام من حيث كانت تقف. وقالت: (هذه المدينة مخيفة، هذه المدينة جميلة، لقد كدت أقتل).. ثم استقرت للقيام بتعزيز الديمقراطية، وبدأت العمل مع الأطراف السياسية المختلفة في اليمن. في محاولة لزيادة المشاركة السياسية للمرأة، التي تتواجد في أنحاء كثيرة من اليمن فقط بشكل صوري. وفي محاولة لمساعدة البرلمان اليمني المهمش، حيث تم تداول كرتون في أحد الأيام يظهر عليه الرئيس بوش وصدام حسين جالسين جنباً إلى جنب يغسلان جواربهما فوق عنوان فرعي يقول (صدام يغسل عار العرب وبوش يغسل دماء الأبرياء).
عملت مع هذا البرلمان، وعملت مع هؤلاء النساء، وبنت علاقة جيدة مع الحكومة، وعاشت حياة طبيعية، وكانت تستمتع بعطلة نهاية الأسبوع، وتشرف على الميزانية السنوية المقدرة بـ2.000.000$، وزادت من عدد الموظفين التابعين لها من 5 إلى 23، وشاهدت الديمقراطية في اليمن تتقدم خطوة إلى الأمام، ولربما يصعب القول أحياناً بأنها عادت بالديمقراطية الى الوراء. وخلافاً للأعمال التنموية الأخرى التي تتمثل ببناء مدرسة أو تغذية إحدى القرى التي يمكن قياس مدى تقدمها، فإن برامج الديمقراطية يصعب قياس تقدمها، ولكنه يظل نشاطاً أحبته روبن مدريد، وإذا لم يكن ذلك من أجل الحقائق، فهو من أجل التوقعات.
لم يكن هناك أدنى فكرة للعمل مع القبائل، لكن هذا الأمر تغير في أحد أيام ربيع 2004، عندما وصل العديد من مشائخ القبائل من المحافظات البعيدة والمعزولة، وتحديداً من مأرب والجوف، وتحدثوا حول إنشاء منظمة لوقف الثأر، وطلبوا المساعدة. ما فاجأ مدريد ليس طلب المساعدة، كونها تتلقى طلبات مترددة كهذه، لكن كونهم من مناطق كمأرب والجوف، وسيكونون على تواصل بمنظمة مقرها الولايات المتحدة.
المعروف عن محافظة مأرب في العام 2002، أنها المكان الذي أطلقت فيه إحدى الطائرات الأمريكية بدون طيار التي تتحكم بها وكالة لاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، صاروخاً حول أجساد 6 رجال كان يشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة، الى رماد.
وما تعرف عن منطقة الجوف حتى كان أقل من ذلك، حيث توصف دائماً بنفس الطريقة، كمكان ينعدم فيه القانون بما لا يدع أية سيطرة للحكومة، ومكان لم يصله الأمريكيون مطلقاً.
كان جواب مدريد لا، وشرحت أن مهمة المعهد هي العمل مع البرلمانات والجمعيات النسائية والأحزاب السياسية، وليس لإنشاء المنظمات.
لكن أخصائي دراسة علم الإنسان بداخلها جعلها تشعر بالفضول، واقترحت عقد لقاء مع بعض المشائخ ليخبروها عن معيشتهم. لقد كان شيئاً غريباً بالنسبة لإدارتها دعوة مدريد للقاء برجال القبائل، حتى يتمكنوا من الحديث عن حياتهم. وأدى الاجتماع الأول إلى اجتماع ثانٍ، ثم إلى اجتماع ثالث، وعلمت مدريد أن هناك حاجة إلى المدارس والعيادات الطبية ومراكز الشرطة والمحاكم، والحاجة إلى كل شيء تقريباً. وأخبروها أن أبسط خلاف ينشأ بين رجلين من قبيلتين مختلفتين، يمكن أن يؤدي إلى إطلاق الرصاص وقطع الطرق وتهجير القرى وتدمير المنازل وحروب شاملة. وأخبروها كذلك أن أسر القتلى يجب أن يحصلوا على مبلغ من المال دية القتل، ولكن بما أنه لا أحد يمتلك المال فتكمن العدالة بالثأر من القاتل، وهو المشكلة التي يأملون بحلها.. واستمرت الاجتماعات خلال فصل الربيع وفصل الصيف، وكانت لا تزال تحدث في 2 سبتمبر 2004، حينها أعلن مكتب إدارة الصراعات والحد منها - أحد أفرع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ـ أنه يمتلك 8 ملايين دولار لتغطية المشاريع التي تحد من الصراع، وتعمل على نشر الديمقراطية في البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية الجغرافية، وتعلن عن قبولها للطلبات للحصول على التمويل.
وبعد ظهور الموقع الخاص بتقديم الطلبات للحصول على التمويل، على شبكة الإنترنت، أرسلت مدريد الرسالة التالي نصها:
(لست متأكدة إذا كان الناس سيكونون مهتمين، لكن الأمر يعد واحداً من الأهداف المدرجة التي ترتبط بعملنا). المعهد الوطني الديمقراطي لم يكن المنظمة الوحيدة التي ترصد مواقع الويب لمعرفة المنح الحكومية المتوفرة في واشنطن، حيث يعد هذا التصيد مهنة. لم يكن هناك أية وسيلة للمعهد الديمقراطي الوطني لمعرفة عدد المنظمات المنافسة للحصول على التمويل قد شهدت الإشعار، ولكن كقاعدة عامة توجيهية للمنافسة فالترويج للديمقراطية يؤتي ثماره وبسرعة. وعما قريب تم عقد اجتماع لتحديد أي من برامج المعهد الوطني الديمقراطي القطرية يتقدم رسمياً بطلب المنحة، وبعد فترة وجيزة تم اختيار اليمن.
أعطى ذلك القرار مدريد وأحد زملائها في واشنطن الوقت لكتابة مقترح المشروع، والذي تبين بطبيعة الحال أنه حول الشيوخ، لأنه من خلال هذه النقطة أصبحت مدريد مقتنعة بصدقهم. وقالت: (بالطبع يريدون المال)، وأضافت: (الفقراء يريدون المال، ولكنهم يريدون أيضاً أن نساعدهم على إيصال صوتهم. إنهم يحتاجون التدريب، ويريدون الوصول إلى بقية العالم).
@ تم نشر هذا المقال في صحيفة (الواشنطن بوست) الأمريكية يوم الأحد تاريخ 18 ديسمبر 2005.
المصدر ترجمة خاصة (لا)