الولايات المتحدة تبدأ ضغوط «التطبيع» مع سورية ولبنان
- تم النشر بواسطة ترجمة خاصة:أقلام مانع / لا ميديا

موقع (The Cradle)
ترجمة خاصة:أقلام عبدالملك مانععادل بشر / لا ميديا -
أعرب المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عن تفاؤله بشأن إقناع المملكة العربية السعودية بتطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، مع اقتراحات بأن سورية ولبنان يمكن أن تحذوا حذوها - وكلتاهما تحولت مؤخراً إلى أقرب إلى الغرب تحت حكم حكومتيهما الجديدتين.
وفي حديثه، الأسبوع الماضي، في حفل إطلاق مركز اللجنة اليهودية الأمريكية للشرق الأوسط الجديد في واشنطن، قال ويتكوف إن هناك إمكانية لتطبيع العلاقات السورية واللبنانية مع «دولة» الاحتلال في أعقاب الانتكاسات الاستراتيجية التي واجهتها قوى محور المقاومة في غرب آسيا؛ في إشارة إلى حزب الله وحماس، فضلاً عن سقوط حكومة الرئيس السوري السابق بشار الأسد في دمشق.
دفعة متجددة للتطبيع
عادت مناقشة التطبيع بين دول غرب آسيا و«دولة» الاحتلال إلى الواجهة من جديد في ظل اتفاقيتي وقف إطلاق النار الهشتين في غزة ولبنان. ولم تكن عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بصفته مهندس ما يسمى «صفقة القرن»، هي التي أحيت هذه القضية فحسب، بل وأيضاً التطورات الإقليمية الأوسع نطاقاً في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» والتحولات الناتجة عنها في ميزان القوى الجيوسياسي، وخاصة في سورية ولبنان.
لقد كانت قضية التطبيع بين «إسرائيل» والدول العربية موضوعاً ثابتاً لكل رئيس أمريكي حديث. وأصبحت عبارة «التسوية السلمية» للقضية الفلسطينية -إلى جانب الاعتراف بـ«حق إسرائيل في الوجود» وتطبيع العلاقات مع الدول العربية- جزءاً قياسياً من الخطاب الانتخابي لكل رئيس أمريكي جديد.
وهذا يشكل أيضاً حجر الزاوية في سياسة واشنطن في غرب آسيا، والتي تقوم على ركيزتين: أمن «إسرائيل» وتفوقها العسكري والاقتصادي والاستراتيجي، وحماية النفط والموارد في ما يشار إليه بالدول العربية «المعتدلة».
المقاومة التاريخية لجهود التطبيع الأمريكية
خلال الحرب الباردة، واجهت جهود واشنطن في المنطقة مقاومة من دول عربية دعمت المقاومة الفلسطينية بنشاط في السبعينيات والثمانينيات، ومن أبرزها سورية والعراق وليبيا والجزائر.
وعليه فإن فرص الولايات المتحدة و«إسرائيل» وحلفائهما الغربيين في فرض أجنداتهم ظلت ضئيلة، بسبب الرفض العربي -الرسمي والشعبي- الكبير للتنازلات، والدعم الجماهيري للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال «الإسرائيلي».
وقد أدى هذا إلى ظهور خيار إقليمي بديل يتمحور حول المقاومة، وخاصة في فلسطين ولبنان، في أعقاب الغزو «الإسرائيلي» للبنان عام 1982.
ولكن بحلول أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، أدى ضعف الاتحاد السوفييتي وانهياره إلى اختلال توازن القوى هذا، وتفاقم الأمر بسبب غزو العراق للكويت والانقسامات التي أعقبت ذلك في العالم العربي.
وقد أدت هذه التحولات إلى عقد مؤتمر مدريد عام 1991، والذي كان بمثابة بداية مرحلة جديدة من المفاوضات والتسويات السلمية في إطار «حل الدولتين». وانخرطت منظمة التحرير الفلسطينية في هذه المحادثات، ووقعت في نهاية المطاف على اتفاقيات أوسلو عام 1993، تلاها توقيع الأردن على معاهدة وادي عربة مع «إسرائيل» عام 1994.
إن الجهود التي تبذلها واشنطن حالياً ليست منفصلة عن واقع موازين القوى المتغيرة. فإذا كانت نتائج حربي 1967 و1973 قد دفعت مصر نحو معاهدة سلام مع «إسرائيل»، والتي بلغت ذروتها في اتفاقية «كامب ديفيد» عام 1978، وإذا كان غزو «إسرائيل» للبنان عام 1982 قد أدى إلى اتفاقية 17 أيار/ مايو بين بيروت و«تل أبيب»، والتي أبطلتها قوى المقاومة بعد عامين؛ فلماذا لا تكون مرحلة ما بعد عملية «طوفان الأقصى»، بكل ما تحمله من تداعيات، بمثابة نقطة دخول لدفع التطبيع إلى سورية ولبنان؟!
سورية: ساحة معركة للمصالح المتنافسة
ولكن سورية تظل غير مستقرة، ومن غير المرجح أن تنخرط القيادة الجديدة في دمشق في هذه العملية قبل تعزيز السيطرة الداخلية وتحديد مستقبل البلاد في ظل التوسع «الإسرائيلي» المستمر في الجنوب. وربما تسعى «تل أبيب» إلى تعزيز مكانتها الأمنية والسياسية في سورية؛ ولكنها ليست اللاعب الإقليمي أو الدولي الوحيد المنخرط في تشكيل سورية الجديدة.
تلعب تركيا حالياً دوراً مهيمناً في سورية، وتغذي طموحاتها في النفوذ السياسي والأمني والاقتصادي. وأي توسع «إسرائيلي» في سورية تحت غطاء أمريكي وصمت عربي قد يصطدم بالطموحات التركية في أي لحظة، ما قد يؤدي إلى مزيد من التشرذم في سورية.
وهذا أمر بالغ الأهمية، بشكل خاص في ضوء ضعف السلطة المركزية للحكومة السورية الجديدة وافتقارها إلى السيطرة على المناطق الجنوبية والشرقية، فضلاً عن المناطق الشمالية الشرقية، حيث تسيطر المليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة (قوات سورية الديمقراطية - قسد).
وفي خضم هذه المرحلة الانتقالية في سورية، يصبح مفهوم التطبيع مرتبطاً بعدة أسئلة: أي نوع من سورية تأمل إدارة ترامب دفعه نحو السلام وتطبيع العلاقات مع «تل أبيب»؟ هل هي دولة موحدة قوية مركزية؟ أم هي سورية المجزأة والضعيفة التي تحولت منذ العام 2011 وسقوط الأسد إلى خليط من مناطق النفوذ الدولية والإقليمية، أقرب إلى الوصاية والاحتلال الفعلي؟
لبنان: حقل ألغام سياسي للتطبيع
في لبنان، يتم التعامل مع هذه القضية بحساسية شديدة. ويدرك أولئك المطلعون على التركيبة السياسية في لبنان أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تعني الانتحار السياسي للحكومة في بيروت.
في العامين 1982 و1983، احتلت «إسرائيل» معظم أنحاء البلد، الذي كان بالفعل متورطاً في حرب أهلية وانقسامات عميقة. ثم وقعت الحكومة اتفاق 17 أيار/ مايو مع «إسرائيل»، والذي انهار بسرعة (في غضون عام) تحت ضغط من سورية وقوى المقاومة المتحالفة مع إيران. باختصار، وبدلاً من ذلك، أدت تلك الجهود التجريبية لإقامة علاقات مع «تل أبيب» إلى تحفيز المقاومة المسلحة بقيادة حزب الله، والتي طردت «إسرائيل» في نهاية المطاف في العام 2000 بالقوة العسكرية، دون أي مفاوضات مباشرة.
ولا تقتصر العوائق السياسية والاجتماعية والثقافية أمام التطبيع على حركات المقاومة، مثل حزب الله. فالقانون اللبناني الذي أقره مجلس النواب يُجرّم صراحة التطبيع مع «تل أبيب» ويصنفه كجريمة تستوجب الملاحقة القانونية. كما يفرض لبنان قوانين المقاطعة الثقافية والسياسية والاقتصادية ضد «إسرائيل».
لقد شهد مسار التطبيع تحولاً دراماتيكياً منذ القرن الماضي حتى اليوم. فبعد أن كان التقارب مع «دولة» الاحتلال من المحرمات العربية، أصبح بشكل متزايد مشروع ضغط أمريكي يتم إدخاله في كل محادثة تجريها واشنطن في غرب آسيا. وهذا على الرغم من حقيقة أن «إسرائيل» احتلت مؤخراً مساحات استراتيجية من الأراضي السورية واللبنانية بعنف.
هل التطبيع أمر لا مفر منه؟
لقد شهدت المنطقة تغيرات عميقة، ما أثار تساؤلات استراتيجية بالغة الأهمية؛ فما هو الموقف الجديد لسورية مع «إسرائيل»، في ظل احتلال الأخيرة جزءاً كبيراً من المنطقة الجنوبية من سورية؟ وإلى أين يتجه لبنان بعد التحول السياسي النوعي ـشكلاً ومضموناًـ نحو الوصاية الأمريكية؟
كيف ستواجه المقاومة التحديات المقبلة من التعيينات الحكومية إلى الانتخابات البلدية والنيابية؟ وما هي التحديات المالية والسياسية والأمنية التي تنتظر المقاومة في مواجهاتها الداخلية؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة ستساعد في التنبؤ بمسار هذه العملية في لبنان وسورية. ولكن المؤكد هو أن الموجة الدولية والإقليمية الساعية إلى الاستفادة من أحداث العام الماضي في المنطقة مكثفة ومتواصلة، مدعومة بإدارة أمريكية منحت رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو حرية التصرف في غرب آسيا، وتستعد للانتقال بالمنطقة إلى مرحلة جديدة تخدم مواجهتها الأوسع مع الصين، في حين تعمل أيضاً على احتواء روسيا وإيران.
في العام 2020، كانت «صفقة القرن» مخيبة للآمال، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قوة المقاومة ومخاوف الدول العربية من أن التطبيع قد يخلف تداعيات على استقرارها الداخلي. والآن، مع إضعاف دفاعات المنطقة (محور المقاومة)، تبدو واشنطن مستعدة لإحياء هذا الملف وتحويل التطبيع إلى واقع لا رجعة فيه. وسيتم ممارسة بعض هذه الضغوط من خلال العدوان العسكري، وبعضها من خلال العقوبات الاقتصادية والحصار - وكما في حالة لبنان، قد يتم ربط إعادة إعمار منطقته الجنوبية المدمرة بالقوة بالاعتراف الدبلوماسي بـ»إسرائيل».
ولكن في حين أن الولايات المتحدة قد تكون تُحضِّر غرب آسيا لموجة جديدة مما يسمى «اتفاقيات ابراهام»، فإن من غير المرجح أن يتجاهل محور المقاومة في المنطقة المؤامرات الأمريكية و»الإسرائيلية» والغربية لإعادة تشكيل هوية المنطقة وفرض وجود «إسرائيل» في جوارها بأكمله.
إنها معركة حاسمة، فإما أن تحافظ المنطقة ودولها على هويتها وحقوقها الدولية، وإما أن تدخل مرحلة التفتيت والتقسيم والتطبيع.
المصدر ترجمة خاصة:أقلام مانع / لا ميديا