دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
منذ مساء السبت الماضي، بدأت الأمور الميدانية والسياسية في سورية، تأخذ مساراً مختلفا، عن الأيام العصيبة، التي مرت منذ بدء الهجوم الشرس للمجموعات الإرهابية المسلحة، انطلاقاً من مواقعها في إدلب، والحدود التركية المفتوحة باتجاه ريف حلب الغربي، وريف إدلب الجنوبي، وحماه الشمالي، ودخولها إلى مدينة حلب، والسيطرة على العديد من المدن والبلديات، في أرياف حلب وإدلب وحماه، والتي أوجدت جواً من التشاؤم والإحباط، والكثير من التساؤلات.
وحدات الجيش بدأت تستعيد زمام المبادرة، وتتقدم بسرعة، محررة المناطق التي سيطر عليها المسلحون، في ريفي حماه وإدلب، بانتظار نضوج وتهيئة الأوضاع الميدانية، لطردهم من حلب وتحريرها، بعد وصول تعزيزات عسكرية ولوجستية، ومنها معدات روسية نوعية، وأخذ وحدات الإسناد مواقعها الميدانية، وهو المتوقع في وقت لن يكون بعيدا، ويقاس بالساعات.
والطيران السوري والروسي، يدك بكل قوة، المقرات القيادية، وتجمعات الإرهابيين، ومنها مقر قيادة رئيسي لما تسمى حركة أحرار الشام (جبهة النصرة) التكفيرية وأوقع بهم خسائر كبيرة جدا، تجاوزت 1200 قتيل، وألوف الجرحى، خلال ثلاثة أيام فقط.
كما أن الاتصالات السياسية والدبلوماسية، التي شهدتها دمشق، ومنها الاتصالات التي أجراها الرئيس بشار الأسد، مع رئيس الإمارات، ورئيس الحكومة العراقية، وإعلان وزير خارجية إيران، عن زيارة له إلى دمشق وأنقرة، واتصال وزير الخارجية المصري، بنظيره السوري، وتصريحات الناطق باسم الكرملين، إضافة إلى المواقف التي سجلتها أطراف ودول إقليمية ودولية، ومنها الأمريكية، التي نفضت يدها من هذه المجموعات، أشاعت جواً من الراحة والهدوء، على الشارع السوري، بعد حملة رهيبة، من محاولات التخويف والتضليل، وبث الإشاعات الكاذبة في وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي شارك بها إعلام أنظمة الخليج، وفي مقدمتها قنوات العربية، والجزيرة، وسكاي نيوز عربي، والتي صورت الوضع في سورية بأنه على شفير الانهيار، وبأن محاولة انقلابية جرت في دمشق، كما أظهرت هذه المواقف، تأييداً غير مسبوق لموقف دمشق، في ضربها للمجموعات الإرهابية.
وفي الطرف الآخر، أحدث التبدل السريع للأجواء، وانكشاف حملة الكذب والتشويش والتضليل، التي رافقت العدوان، ردة فعل معاكسة عند المجموعات الإرهابية، التي سرعان ما ظهرت أنها أكثر هشاشة مما حاول إعلام التطبيع تصويرها به، وبدأت مواقفهم ونداءاتهم، في وسائل إعلامهم، وصفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، التابعة لهم، تظهر أنهم بدأوا يشعرون بصعوبة الأوضاع، وبالطعم الذي نصب لهم، وبدأوا يتهمون تركيا بأنها باعتهم.
أردوغان، الذي يدرك أن بلاده تواجه أخطاراً استراتيجية، تجعله بحاجة للنافذة السورية، لمواجهتها والتحفيف من آثارها، حاول من خلال إعطائه الضوء الأخضر للمجموعات المسلحة، لشن هذا العدوان، استثماره لتقوية أوراقه الميدانية والسياسية، أولاً في وجه الرئيس الأسد، الذي أثار غضبه، لرفضه المتكرر لمحاولته عقد لقاء معه، وتحقيق المصالحة مع سورية، بشروط تركيا، مع بقاء جيشه محتلاً لبعض أراضيها، فيما رفض الرئيس الأسد إجراء أي لقاء معه، قبل تحقيق الشروط السورية، بإقرار الانسحاب من سورية، ووقف دعمه ورعايته للمجموعات المسلحة، وثانياً لتقديم أوراق اعتماده لإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب، التي تضم العديد من الشخصيات الرئيسية التي تكن العداء لتركيا وأردوغان، والتأكيد بأنه لاعب رئيسي، لا يمكن الاستغناء عنه في المنطقة، لكن بسلوكه هذا، ارتكب خطأ استراتيجيا، بإسقاطه لتفاهمات خفض التصعيد في إدلب وريفها، التي تم التوصل إليها مع روسيا، ونقلت ملف التواجد التركي في سورية، والمجموعات الإرهابية، التي تحظى برعاية أنقرة، من الميدان إلى السياسة، واتصالات مجموعة أستانة، مع روسيا وإيران، ولقاءات الرئيسين بوتين وأردوغان، في سوتشي وموسكو.
من خلال مراقبة التطورات الميدانية والسياسية، يمكن التأكيد بأن القراءة الخاطئة لأردوغان، أوجدت للقيادة السورية وحلفائها، في موسكو وطهران، الأجواء والمبرر الميداني والسياسي، لخوض معركة إنهاء المجموعات الإرهابية، بشكل نهائي، بعدما كانت سورية وروسيا تتعرضان لسيل من الاتهامات، من المؤسسات الأممية والدولية، ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها منظومة العدوان، التي تؤيد وتساند المجموعات المسلحة، بأنهم يستهدفون المدنيين، ويقومون بعمليات تهجير وتطهير عرقي، خاصة وأن أردوغان لن يتمكن هذه المرة، من التدخل المباشر لنجدتهم، وهو ما ينطبق على الأمريكيين، رغم أنهم يقدمون كل أنواع الدعم اللوجستي للمجموعات المسلحة، ومنها التوجيه والاتصالات، وصور الأقمار الصناعية، وتحديد المواقع، والطيران المسير، والمناظير الليلية، لكنهم لن يقدموا على دعمها بشكل مباشر.
كما أظهر أردوغان أنه متماه إلى درجة كبيرة، مع العدو الصهيوني، وأنه حاول البناء على نتائج المواجهة في جنوب لبنان، وقطاع غزة، ليؤكد أن هذه الخطوة جاءت متماهية مع موقف حكومة نتنياهو، لتنفيذ الطلب الإسرائيلي بقطع طريق طهران دمشق، وخطوط إمداد المقاومة.
هذه المواقف أعطت نتيجة واحدة، بعكس ما أراده أردوغان، وهي أنها أكدت لموسكو وطهران، أنه لا يمكن أن يكون شريكا موثوقا.
كما أن موقف إدارة بايدن، التي تنسق مع إدارة ترامب، التي نفضت يدها من عدوان المجموعات الإرهابية، أحرقت هي الأخرى ورقته مع إدارة ترامب.
هذه الأجواء الميدانية والسياسية، التي تبدو مواتية لدمشق، ومعها موسكو وطهران، تؤكد أن هذه المعركة لن تقتصر على إعادة الوضع الى ما كان عليه قبل العدوان، وإنما ستتواصل، حتى تحرير كل المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، وإلى آخر نقطة من الحدود السورية التركية، والقضاء التام عليها، وما كان يحلم به أردوغان بتحقيق مكاسب سياسية وميدانية، سترتد عليه، وسيكون أكبر الخاسرين في هذه المعركة.
المصدر أحمد رفعت يوسف / لا ميديا