حوار - عادل عبده بشر / لا ميديا -
قبل تسعة أشهر وتحديداً بتاريخ 3 كانون الأول/ ديسمبر 2023م، أجرت صحيفة «لا» حواراً مع الكاتب والسياسي الفلسطيني الأسير المحرر من سجون الاحتلال الدكتور فائز أبو شمالة. وقتذاك كانت الحرب الصهيونية على غزة قد قطعت 58 يوماً، مرتكبة أبشع المجازر بحق المدنيين في أحياء سكنية مختلفة في القطاع متسببة في استشهاد وإصابة 57 ألفا بمعدل ألف فرد في اليوم.. ووقتذاك كان الدكتور فائز أبو شمالة في منزله المكون من 3 طوابق على مساحة 500 متر مربع في خان يونس، قبل أن يحوله الحقد الصهيوني إلى ركام مثل معظم منازل القطاع.
بعد تسعة أشهر عادت «لا» للالتقاء بالدكتور أبو شمالة، ولكن في خيمته بمخيم مواصي خان يونس، وسط القطاع، حيث تحدث «أبو الشهيد حازم، قائد وحدة التخطيط في سرايا القدس بمحافظة خان يونس» عن إرادة الشعب الفلسطيني في الحياة رغم أن الموت أقرب إليهم من حبل الوريد، ونظرة أبناء غزة لمباحثات «الدوحة» واختيار السنوار خلفاً للشهيد أبو العبد في قيادة حماس، إضافة إلى قراءته للتطورات الحالية في المنطقة والمعقودة نواصيها بحرب الإبادة في قطاع غزة.

الحرب.. روتين غزاوي
حدثنا عن الوضع في غزة حالياً، وكيف يتعامل أهالي القطاع مع الظروف الصعبة جراء العدوان الصهيوني؟
يبدو أن أهل غزة قد تأقلموا مع الحرب، وبات إطلاق النار، ودوي الصواريخ جزءاً من حياتهم اليومية، وبات البحث عن رغيف الخبز وشربة الماء هو الشغل الشاغل لمعظم الناس، وما عادوا ينشغلون بمكان القصف ونوعه وحجمه.

الطريق الصحيح
 بعد 315 يوماً من المجازر وأكثر من 140 ألف شهيد وجريح فلسطيني وتدمير معظم المباني السكنية والمنشآت الخدمية في غزة، كيف هي المعنويات لدى أبناء غزة؟ وما مدى التفافهم حول المقاومة الفلسطينية؟
لم يزل أهل غزة على قناعة تامة بأنهم اختاروا الطريق الصحيح لتحرير أرضهم، وطرد عدوهم، ورغم وجود بعض الأصوات الشاذة، أولئك الذين عشقوا المفاوضات، وعبدوا التنسيق والتعاون الأمني مع العدو، رغم وجود هذه الحفنة الضالة، والتي تردد على مسامع الناس، بأن المقاومة لم تحقق أي انتصار، وأن نتيجة محاربة إسرائيل هي الموت والدمار، رغم هذه الأصوات الناشزة، إلا أن مجمل الشعب الفلسطيني قد آمن بحقه في المقاومة، وشعارهم، نحن شعب سيظل واقفاً ولو جهنم الصهاينة صُبت على رأسه. والشعب في غزة مرفوع الرأس، يتوجع من المصائب، ولكنه صامد وفخور.

تحت ظل خيمة
في كانون الأول/ ديسمبر 2023م أجرينا لقاءً صحفياً معك، وكنت حينها في منزلك وبين كُتبك ومؤلفاتك ومكتبتك، واليوم نجري اللقاء ولم يعد لك بيت أو مكتبة بعد أن دمر العدو الصهيوني كل شيء.. ما أكثر شيء يؤلمك في هذه الجريمة؟ وتأثير ذلك على الموقف من العدوان الصهيوني؟
دمر العدو بيتي، ودمر ممتلكاتي كلها، ولم يبق لي شيء، حتى سيارتي الجيب التي كنت أركبها، بعتها كي أصرف على أهل بيتي، ولا عيب في ذلك، العيب في الانكسار، والعيب في رفع الراية البيضاء، والاستسلام والخنوع للعدو الصهيوني، أنا اليوم أعيش تحت ظل خيمة، ومن حولي أفراد أسرتي، ومن حولي آلاف الخيام التي أوى إليها من هم مثلي، ولا نشعر بالخجل ونحن نرتدي بقايا ملابس، وبقايا أحذية، ونحن بلا صابون وبلا شفرات حلاقة، فبعد تدمير البيت، لم يخرج من تحت الركام ملابس صالحة للاستعمال، ولا مصادر رزق توفر مقومات الحياة، ونحن نصف أحياء ونصف أموات، نكتوي بحرارة الشمس، ونفتش عن شربة ماء، ومع ذلك، إرادة الحياة أقوى من شهوة الموت الصهيوني، ونحن صامدون ثابتون على الحق.

مفاوضات الدوحة
ما مدى الآمال المعلقة على المباحثات الجارية في الدوحة بين الوسطاء وبين الطرف الصهيوني والأمريكي، حول إيقاف النار في غزة؟
يراقب الناس ما يجري في الدوحة، ويتابعون الأخبار، وهم واثقون أن العدو الإسرائيلي قد استنفد كل قدراته، ولم يعد يستطيع أن يضغط على أهل غزة أكثر مما فعل، بالتالي فالعدو اصطدم بجدار الصبر والعناد، ويدرك أهل غزة أن بعد الضيق يأتي الفرج، لذلك ينتظرون نتائج المفاوضات في الدوحة، وفي الوقت نفسه، جاهزون لتحمل الفشل، والمزيد من القصف والتجويع، دون أن يشكلوا أي ضغط على قيادة المقاومة، التي تدرك واقع غزة، وتعرف أن التضحيات الجسام، لا بد لها من مكافأة سياسية بمقدار التضحية.

أكذوبة عباس
 ما تعلقكم على حديث أبو مازن أمام البرلمان التركي من أنه يعتزم زيارة قطاع غزة مع قيادات الدولة الفلسطينية؟ ولماذا أعلن عن هذا الأمر في هذا التوقيت بينما كان باستطاعته إعلان ذلك قبل عشرة أشهر؟
حديث محمود عباس عن زيارة غزة أكذوبة كبيرة، فلا هو قادر على زيارة غزة، ولا العدو الإسرائيلي سيسمح له بالزيارة، ولا غزة جاهزة لاستقباله بعد عشرة أشهر من المذابح وحرب الإبادة، لم تسمع من محمود عباس صوتاً، ولم تر له حضوراً.
محمود عباس حاول أن يعمل لقطة فيديو، ونجح فيها، ولكن الشعب الفلسطيني يدرك أكثر من غيره وهن حديث عباس، والتزامه بالتنسيق والتعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية، وكان الأجدر بعباس أن يزور مدن شمال الضفة الغربية، وهي تتعرض لحرب إبادة لا تقل عن حرب غزة.

وكلاء الاحتلال
 أين هي السلطة الفلسطينية مما يحدث في غزة والضفة الغربية؟
لقد غابت السلطة الفلسطينية عن أحداث الضفة الغربية كما غابت عن مجازر غزة، ومن لا ينفع الضفة، ويقوم باعتقال المقاومين، هل سينفع غزة؟!
للسلطة دور تخريبي وتدميري للإرادة الفلسطينية، والسلطة تلعب دور وكيل الاحتلال، ولو كان الاحتلال المباشر للضفة الغربية، لكان من السهل مقاومته، ولكن المقاومة اليوم في الضفة الغربية منشغلة بعدوين، الصهاينة والسلطة.

اختيار السنوار
 ما تعليقكم على اختيار حركة حماس ليحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي للحركة، خلفاً للشهيد المجاهد إسماعيل هنية؟ ما الرسائل التي يحملها هذا الأمر؟
اختيار يحيى السنوار رسالة للصهاينة بأننا سنقاوم، ولن ننهزم، ولا تراجع في المواقف. ورسالة إلى الأنظمة العربية بأنكم خذلتم فلسطين، وأن إيران كانت الأكثر منكم وفاءً وعطاءً ومساعدة للمقاومة، التي تلقت كل أشكال الدعم من إيران. لذلك جاء السنوار ليقول لإيران شكراً، وليقول لأنظمة العرب، خذلتم فلسطين، وليقول للصهاينة وأمريكا، لقد اخترنا طريقنا، ولن نحيد عنه.

رُعب الانتظار
 مؤخراً دفعت الولايات المتحدة بأساطيل حربية إضافية إلى المنطقة ضمن استعداداتها للدفاع عن إسرائيل من أي هجوم إيراني أو من لبنان أو اليمن، ما قراءتكم للمشهد الحالي في المنطقة؟ وهل ستنجح أمريكا وحلفاؤها العرب في حماية الكيان الصهيوني؟
الكيان الصهيوني خسر المعركة من اليوم الأول، وقد دلت وحدة الساحات أنها معركة كل العرب والمسلمين، وأن الحرب ليست ضد غزة وأهلها، الحرب في غزة، ولكن تأثيرها سيفوق حدود غزة، وسترسم معالم المنطقة كلها لعقود قادمة. لذلك نرى الحوثيين في اليمن يغلقون على الصهاينة سبل الدخول والخروج، في خطوة مقاومة إبداعية، لم تخطر في بال العدو، ونرى الصواريخ تتساقط بشكل يومي على شمال فلسطين من لبنان وحزب الله، بل تساقطت صواريخ اليمن العربي على تل أبيب، بشكل أربك حسابات العدو.
واليوم تقف إسرائيل على ساق واحدة، وهي تنتظر برعب وفزع رد اليمن ورد حزب الله ورد إيران، في موقف غير مسبوق، وفي لحظة تبدو فيها إسرائيل أقرب إلى الهزيمة، والفشل من تحقيق أي انتصار.

الدور اليمني
 في كل خطاب له منذ حرب الإبادة في غزة، يؤكد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن اليمن لن يتراجع عن موقفه المساند لشعبنا الفلسطيني، مهما كانت التحديات.. ما تقييمكم للدور اليمني العسكري والشعبي في نصرة غزة، مقارنة بدول عربية تحولت إلى حُراس لإسرائيل من الهجمات اليمنية؟
للحقيقة والتاريخ، فقد مثل اليمن العربي ذروة سنام الدعم والإسناد، وهو يغلق البحار في وجه التجارة الإسرائيلية، بل ويتجرأ اليمن الفقير المحاصر البعيد عن ساح المعركة، يتجرأ على قصف مدينة أم الرشراس «إيلات» حصن الصهاينة في الجنوب، ويتجرأ اليمن على قصف تل أبيب، في سابقة كبرى، زلزلت الاستقرار الإسرائيلي، والأمن بغد أفضل، حتى إن مردود الهجوم اليمني يتجاوز المساحة الجغرافية لطائرة يافا العربية، ويصل إلى مستويات معنوية وروحية ضربت فكرة العيش الصهيوني بسلام فوق تراب فلسطين.
وحدة الساحات شكلت ضربة موجعة للأمن الإسرائيلي، وفضحت عجز الكيان عن حماية نفسه، وهو يستنجد بأمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وهو عاجز عن تخويف اليمن، وعاجز عن ردع اليمن الذي يخوض معركة الأمة كلها من خلال معركة غزة.
السيد عبدالملك الحوثي ينطلق من منطلقات وطنية وقومية ودينية، وحين يدافع عن غزة فهو يدافع عن القدس، وعن كل فلسطين، ولما كانت القدس إسلامية، فالسيد عبدالملك الحوثي يدافع عن الإسلام، وهذا شرف عظيم لا يرتقي إليه الكثير من ملوك ورؤساء العرب، الذين وضعوا أيديهم في أيدي أمريكا وإسرائيل، ولم يخجلوا وهم يرون الصهاينة يدنسون المسجد الأقصى، من هنا يجيء حراك اليمن، وموقف الحوثي متمماً للقيم الإسلامية والعربية التي تحض على المواجهة، وتحض على القتال، ولم يكن موقف السيد عبدالملك الحوثي منفصلاً عن موقف الشعب اليمني الذي يخرج بقضه وقضيضه في مظاهرات جماهيرية حاشدة، ضد العدوان، وحباً للمقاومة، وفي ذلك رسالة عربية إسلامية، بأن جرح غزة ينزف الدم في صنعاء، وأن دمعة غزة تسيل على خد اليمن، وأن انتصار غزة هو انتصار لليمن ولكل الأمة العربية والإسلامية، وهذا ما يدركه العدو الصهيوني، الذي حرص على مدى عشرات السنين على الفصل بين القضية الفلسطينية، وعمقها العربي، فجاء اليمن من أقصى الجنوب يسعى إلى وحدة الساحات، ووحدة الغايات.
والشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغريبة وفي فلسطين كلها، بل كل الشعوب العربية ترى باليمن بلداً عربياً، وترى باليمن قائداً للتحدي، وتفتخر بهذا الموقف، وبحق نقولها، لو قدمت كل دولة عربية نصف ما قدم اليمن، لتغير حال العرب، ولما ظلت إسرائيل قائمة، اليمن مفخرة العرب، ومفسدة الأنظمة العربية التي تردد بأن لا طاقة لنا بمحاربة إسرائيل، فجاء اليمن ليقول: نحارب إسرائيل ومن يقف خلف إسرائيل من أمريكا وحتى بريطانيا، والنصر حليف الشعوب الحرة المقاومة.

التطبيع السعودي الصهيوني
بعد كل هذه المجازر التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني في غزة على مدة عشرة أشهر، لايزال البعض من القادة العرب يتحدث عن التطبيع مع الكيان الغاصب، كحل للقضية الفلسطينية، كما يحدث في التحركات الجارية بين الرياض وتل أبيب لتوقيع اتفاقية سلام مع الكيان.. ما تعليقكم على ذلك؟ وهل فعلاً التطبيع مع العدو الصهيوني يخدم القضية الفلسطينية؟
قمة المهانة والمهزلة أن تشكل العلاقة الدبلوماسية بين السعودية وإسرائيل نقطة إغراء للصهاينة لوقف العدوان على غزة. كنا نتمنى على حامي الحرمين، أن يشكل ضغطاً على الصهاينة لوقف الحرب، لا أن يقدم الإغراءات بالعلاقات الدبلوماسية، فذلك سيشجع الصهاينة على المزيد من الإيغال في الدم العربي، وسيعوِّد الصهاينة على أخذ المكافآت بعد كل عدوان، وهذه سياسة خاطئة، تقودها أمريكا عبر وزير خارجيتها بلينكن الذي اعترف بأنه يزور إسرائيل بصفته يهوديا، وليس بصفته وزير خارجية أمريكا، وهو الذي يسعى للمقايضة بين وقف إطلاق النار في غزة، وإقامة علاقات دبلوماسية مع السعودية. ذلك يحدث في الوقت الذي وضع حزب الله مسدسه على طاولة المفاوضات، واشترطت إيران توقيف الرد مقابل وقف إطلاق النار في غزة، وفي الوقت الذي يتريث فيه الحوثي في قصف تل أبيب، حتى ينجلي مشهد المفاوضات، وفي الوقت الذي قالت فيه غزة، لن نساوم، وسنقاوم.

اليمن وغزة
 ما الكلمة التي تحب أن تُنهي بها هذا اللقاء؟
إلى أهلنا في اليمن، نحن منكم، وأنتم منا، نصرنا نصركم، وتألقنا في المواجهة تألقكم، وإذا كانت غزة بحاجة إلى الصبر العنيد، فاليمن مثل غزة، محاصر وتحيط به المؤامرات، وهو بحاجة إلى الصبر العنيد، والنصر حليف الشعوب.