صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية
ترجمة خاصة: أقلام عبدالملك مانع / لا ميديا -
قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب في أي مكان في العالم. لكن هناك نقطة ضعف كبيرة تعترض هذا الادعاء، وهي مــــا يحدث منذ ما يقرب من عام في أجواء البحر الأحمر.
أطلقت القوات الأمريكية نحو 800 صاروخ، ونفذت سبع جولات من الضربات الجوية، ضد المتمردين الحوثيين، المدعــــومين من إيران، والذين سيطروا علـــى اليمن منذ تشرين الثاني/ نوفمبر، فيما أصبحت الحملة العسكرية الأكثر استدامــــة للقوات الأمريكية منــــــذ الحرب الجوية ضد داعــــش في العراق وسورية، والتي بلغت ذروتها في 2016-2019.
لقد تم دفع المعركة في البحر الأحمر إلى الهامش، مع تركيز انتباه العالم على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والصراعات الأكثر أهمية، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا وحرب إسرائيل في غزة. ولكن الهجوم الإيراني المتوقع على إسرائيل في الأيام المقبلة سيعتمد بالتأكيد بشكل كبير على الحلفاء في لبنان واليمن، مما يضع السفن الأمريكية في المنطقة وسط القتال.
وقال نائب الأدميرال جورج ويكوف، قائد القيادة المركزية للقوات البحرية، في حديثه خلال فعالية افتراضية يوم الأربعاء (الماضي)، إن الحوثيين مسلحون جيداً ولديهم خطوط إمداد قوية ومتسقة مع إيران، «ويبحثون عن سبب لاستخدامها».
وفي حين تزعم الجماعة أن هجماتها الأخيرة على سفن الشحن التجاري في البحر الأحمر تستهدف السفن الإسرائيلية، فإنهم في الواقع يهاجمون أي شيء يمكنهم ضربه. وقال ويكوف إن 25 سفينة مدنية تعرضت لهجمات من قبل الحوثيين بين العام 2016 وتشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وتعمل البحرية الأميركية على إسقاط معظم الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تستهدف سفن الشحن التجاري، الأمر الذي يتطلب من الولايات المتحدة نشر سفن حربية في البحر الأحمر لعدة أشهر. وقال ويكوف إن عمليات النشر الممتدة «ستؤثر على قرارات [الانتشار] بعد عامين أو ثلاثة أعوام من الآن» في جميع أنحاء العالم.
وقال النائب جو كورتني، من ولاية كونيتيكت، وهو الديمقراطي الأبرز في لجنة القوات المسلحة البحرية بمجلس النواب، إن العمليات الموسعة ستخلق ضغوطاً على المشرعين لرفع ميزانية البنتاغون بأكثر مما سعت إليه إدارة بايدن للعام المقبل.
وقال كورتني: «أعتقد أن من الواضح أننا سنضطر إلى التعامل مع مسألة زيادة الحد الأقصى»، مضيفاً أن المشرعين قد يحتاجون إلى مناقشة ما إذا كان سيتم تخصيص مبلغ إضافي إلى هذا الحد. وأضاف كورتني أن عمليات الانتشار القتالية الموسعة «تضغط على قواتنا البحرية».
لقد أدى طول المدة، والنهاية غير المؤكدة لمهمة البحر الأحمر، التي استقطبت العديد من الأصول الأمريكية المتطورة، بما في ذلك حاملات الطائرات المتعددة والمدمرات والطرادات والأجنحة الجوية المتمركزة في المنطقة، إلى إحباط أعضاء الكونجرس.
وقال النائب مايك والتز (جمهوري من فلوريدا)، الذي يرأس اللجنة الفرعية للقوات المسلحة في مجلس النواب المعنية بالاستعداد: «إننا نحرق عشرات المليارات من الدولارات من أجل ما يعادل في الواقع مجموعة من الإرهابيين الذين يعملون بالوكالة عن إيران. إن إيران هي جوهر القضية».
ويرد مسؤولو الدفاع على هذه الحجج بالإشارة إلى أن البحرية كانت دائماً في مجال حماية سفن الشحن التجاري، وأن شدة الهجمات الحوثية باستخدام الزوارق غير المأهولة المحملة بالمتفجرات والصواريخ والطائرات بدون طيار تطلبت رداً من المجتمع الدولي.
لقد أبحرت السفن الحربية البريطانية والفرنسية والهولندية واليابانية، إلى جانب السفن الحربية الأميركية، على مدى الأشهر التسعة الماضية، رغم أن الجزء الأكبر من العملية كان على متن السفن الأميركية.
يوماً بعد يوم، كانت البحرية الأميركية في المقام الأول هي التي تقاتل موجات الطائرات بدون طيار الرخيصة المنتجة بكميات كبيرة والتي أطلقها الحوثيون لاستهداف السفن في البحر الأحمر. ويوماً بعد يوم تستمر الطائرات بدون طيار في الوصول، مما يضطر الجيش الأميركي إلى حرق مئات الصواريخ التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات في مهمة لا نهاية لها تلوح في الأفق.
إنها معركة برزت باعتبارها العملية العسكرية الأكثر توسعاً واستمراراً التي تخوضها الولايات المتحدة حالياً، وهي حملة تخاطر باستنزاف الذخائر التي يفضل البنتاغون تخزينها لمواجهة محتملة مع الصين. كما تتناقض في بعض النواحي مع إعلان بايدن، الشهر الماضي، حين قال إنه ينهي حملته لإعادة انتخابه، أنه أول رئيس في هذا القرن «يبلغ الشعب الأمريكي بأن الولايات المتحدة ليست في حالة حرب في أي مكان في العالم».
وتؤجج إيران القتال إلى حدٍّ كبير، بمساعدة بعض الشركات الصينية التي تبيع مكونات ذات استخدام مزدوج يمكن استخدامها في الطائرات بدون طيار وغيرها من المعدات، مما دفع إدارة بايدن إلى فرض عقوبات على الحوثيين والأفراد والشركات الإيرانية.
رغم ذلك، تظل خطوط الإمداد الإيراني إلى اليمن مفتوحة. ورداً على المخاطر التي تهدد سفن الشحن التجاري، نشرت الولايات المتحدة حاملات الطائرات ومدمرات الدفاع الصاروخي في البحر الأحمر لعدة أشهر متتالية، وأنفقت الوقت والمال على معركة لا تكلف طهران الكثير، وتسحب السفن والأصول من مهام أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأماكن أخرى.
يقول جوناثان لورد، المسؤول السابق في البنتاغون: «هناك تكلفة باهظة» تفرض على الولايات المتحدة لمواصلة مهمتها في البحر الأحمر، بما في ذلك «تكلفة استراتيجية حقيقية لجاهزية الولايات المتحدة، ناهيك عن التكلفة البديلة لقدرتنا على فرض القوة في العالم». لورد هو الآن زميل في مركز الأمن الأمريكي الجديد في واشنطن.
هناك مهمتان متداخلتان للقوات الأميركية في البحر الأحمر. فمهمة (Prosperity Guardian) هي جهد دفاعي متعدد الجنسيات لحماية سفن الشحن التجاري والملاحة الدولية في الممر المائي، ومهمة (Poseidon Archer) هي حملة عقابية تديرها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتلاحق بنشاط أهداف الحوثيين في عمق اليمن.
وقالت القيادة المركزية الأمريكية في بيان إن الجولات السبع من الغارات الجوية -التي شاركت فيها المملكة المتحدة- تتطلب موافقة بايدن، و»دمرت قدراً كبيراً من قدرات الحوثيين»، بما في ذلك «العشرات من مرافق تخزين الأسلحة والمعدات، والعديد من مقرات القيادة والتحكم، وأنظمة الدفاع الجوي، والرادارات، وطائرات الهليوكوبتر المتعددة».
خلال مهمة حاملة الطائرات «يو إس إس آيزنهاور»، الممتدة لتسعة أشهر في البحر الأحمر، أطلقت القوات الأمريكية أكثر من 135 صاروخاً من طراز «توماهوك» للهجوم البري، وهي أسلحة يكلف الواحد منها أكثر من مليوني دولار، على أهداف حوثية في اليمن. كما أطلقت السفن 155 صاروخاً قياسياً من أنواع مختلفة، يكلف الواحد منها ما بين مليونين وأربعة ملايين دولار، لتدمير الطائرات بدون طيار.
كما أطلقت طائرات «إف-18» على متن حاملة الطائرات «آيزنهاور» 60 صاروخاً «جو-جو» و420 صاروخاً «جو-أرض» أثناء الضربات الدفاعية في البحر والأهداف على الأرض. وعادت حاملة الطائرات «آيزنهاور» وسفنها المرافقة إلى موقعها في فرجينيا في تموز/ يوليو، وسلمت المهمة لمجموعة حاملة الطائرات «يو إس إس ثيودور روزفلت»، التي استمرت في إسقاط الطائرات بدون طيار بشكل يومي.
وقال دانا سترول، الذي كان أكبر مسؤول مدني في البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط حتى أواخر العام الماضي: «من الصعب القول إن حرية الملاحة قد استُعيدت» في البحر الأحمر.
وبعد أشهر من الضربات، «صعّد الحوثيون حملتهم بالفعل، بما في ذلك استخدام طائرة بدون طيار استهدفت تل أبيب. لذا، وبناءً على ما حدث حتى الآن، فمن الصعب القول إن حرية الملاحة قد استُعيدت»، كما قال سترول.
وفرضت إدارة بايدن عقوبات على الشركات والأفراد الإيرانيين الذين يزودون الحوثيين بمكونات الطائرات بدون طيار والصواريخ. وفي 31 تموز/ يوليو، استهدفت شخصين وأربع شركات فيما يتعلق بشراء الأسلحة، بما في ذلك «مكونات عسكرية» من شركات صينية.
ويقول بعض الجمهوريين إن حل مشكلة الحوثيين يتطلب المزيد من الضغوط على إيران.
إن الصواريخ الدقيقة المضادة للسفن والصواريخ «جو-أرض» التي تستخدم في اليمن هي من النوع نفسه من الأسلحة التي ستكون في المقدمة وفي مركز أي قتال مع الصين، «لذا فإن الصين هي الفائز الأكبر في نهاية المطاف»، كما قال والتز. «أسطولنا أصبح منهكاً. نحن نستهلك مع الحوثيين الصواريخ التي نحتاجها للدفاع ضد سيناريو تايوان».