تقرير - عادل بشر / لا ميديا -
خرجوا صباحاً يتضاحكون. ركبوا الحافلة المدرسية. لوَّحوا بأيديهم الصغيرة لذويهم. في العيون بريق وضّاء، وفي القلوب فرحةٌ لا تسعها الدُنيا... فجأة، هبط ليل في غير موعدهِ. لَمَعَ ضوء خاطف. خَلَعَ الأطفال ملابسهم وذهبوا للنوم في أحضان المقبرة!
أكثر من 50 طفلاً، تحت سن 15 عاماً، تجمعوا السابعة صباحاً في الجامع الكبير بمديرية ضحيان محافظة صعدة، للقيام برحلة إلى مقبرة الشهداء بقرية "الجعملة" في المديرية ذاتها، ثم إكمال الرحلة الترفيهية بعد ذلك إلى مدينة صعدة وزيارة مسجد الإمام الهادي، تكريماً لهم بانتهاء الدورات الصيفية. حضروا والفرحة تفوح من كل خلية في أجسادهم، والبعض أقبل مرتدياً ملابس عيد الأضحى الذي يحل بعد أيام قليلة عامذاك. غير أن الرحلة أخذتهم إلى مكان آخر، أبعد من جامع الهادي وأقرب كثيراً من الفردوس. فقد استهدف طيران العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي حافلتهم، لحظة توقفها في سوق ضحيان، مرتكباً بذلك أبشع مجزرة بحق الطفولة والإنسانية، لُيجاهر عبر متحدثه العسكري بأن الهدف كان مشروعاً، مُدعياً استهداف خبراء عسكريين!
حدث ذلك صباح الخميس، 27 من ذي القعدة 1439هـ الموافق 9 آب/ أغسطس 2018م، ونتج عن الغارة الجوية استشهاد وإصابة نحو 120 شخصاً من الأطفال والمتسوقين وأصحاب المحال التجارية. غير أن الشهداء، وعددهم 42 شهيداً، جُلهم ممن كانوا في الحافلة (5 مدرسين و37 طالباً).

مرور الكرام
الجمعة الماضي، 9 آب/ أغسطس، صادف الذكرى السادسة لهذه المجزرة البشعة، التي صنفتها، حينها، الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية بجريمة حرب ضد الإنسانية. لكن هذه "الأمم" وقفت عاجزة عن اتخاذ أي إجراء ضد مرتكبيها.
مَرّت الذكرى السادسة لاستهداف "حافلة الملائكة" في ضحيان مرور الكرام، دون أي فعالية لإحياء ذكرى المجزرة، خصوصاً وأن تاريخ الذكرى يتزامن مع الجرائم البشعة وحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدوان الصهيوني الأمريكي بحق أبناء غزة، دون تفريق بين صغير أو كبير، رجل أو امرأة.
مصادر محلية في مديرية ضحيان، ردّت على تساؤلات صحيفة "لا" حول أسباب إهمال هذه الذكرى، بالقول إن "السلطة المحلية في المديرية تعتمد التقويم الهجري في التعاملات والفعاليات، بناءً على القرار الجمهوري رقم (74) لسنة 2022م بالعمل بالتقويم الهجري وما يقابله بالتقويم الميلادي اعتباراً من 1 محرم 1444هـ، موضحة أنه تم إحياء الذكرى السادسة لمجزرة أطفال ضحيان، التي صادفت 27 ذي القعدة 1445هـ، الموافق 4 حزيران/ يونيو الماضي، بوقفة وفعالية خطابية نظمتها المدارس النموذجية وأسر ضحايا المجزرة وحضرها عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي".
من جهتهم وصف عدد من أهالي الأطفال الضحايا تلك الفعالية بأنها "لم تكن بمستوى الحدث"، معربين في أحاديث مع "لا" عن "خيبة أمل كبيرة يتجرعونها عاماً تلو آخر، منذ صُبح المجزرة قبل ست سنوات". مصدر تلك الخيبة، بحسب الأهالي، يعود إلى "خُذلان الحكومة والجهات المختصة لضحايا هذه المذبحة من الأطفال، وخصوصاً الشهداء".

ستٌّ عِجاف
وأفاد الأهالي بأن "اللامبالاة وعدم الاهتمام من قبل الجهات المختصة، في التعامل مع هذه المجزرة، مازال هو السائد".
 وقالوا إنه "رغم مرور ست سنوات على استهداف حافلة الأطفال بقنبلة أمريكية، إلا أنه لم يتم اعتماد الشهداء الأطفال، وعددهم 37 شهيداً، في سجلات الشهداء، حتى اللحظة، إضافة إلى أن بعض جثث الأطفال الشهداء ما زالت إلى الآن في ثلاجة مستشفى الطلح، ولم يتم دفنها".
وجدد الأهالي مناشدة قائد الثورة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، توجيه الجهات المختصة باعتماد الأطفال الضحايا كشهداء والاهتمام بأسرهم وبالأطفال الجرحى.
وكان ممثل أهالي شهداء وجرحى حافلة ضحيان، زيد حسين طيب، قد أكد لصحيفة "لا"، في الذكرى الخامسة للجريمة، العام الماضي، أن الجهات المختصة "لم تعتمد أيّاً من الأطفال الشهداء ضمن قوائم الشهداء، بينما اعتمدت المدرسين الخمسة الذين كانوا رفقة الأطفال".
وقال زيد طيب: "سبق أن ناشدنا قائد الثورة وقيادات الدولة، عبر صحيفة "لا" في الذكرى الثالثة للجريمة، باحتساب الأطفال شهداء الحافلة ضمن كشوفات شهداء الوطن، وقلت حينها إن قدمي قد حفيت ذهاباً وإياباً إلى مؤسستي الشهداء والجرحى للمطالبة بالاهتمام بأسر الشهداء والتعامل معهم على أنهم جميعاً شهداء، دون تمييز بين شهيد وآخر، وكذلك رعاية الجرحى ومد يد العون لأسرهم، نظراً لحالتهم المادية الصعبة؛ لكن لم أجنِ أي فائدة".

الجرحى
مصدر بدائرة الجرحى في محافظة صعدة، أفاد "لا"، أمس، بأن معظم الأطفال الجرحى تم العناية بهم، من خلال إشراك بعض المنظمات التي تكفلت بعلاج ورعاية عدد من الجرحى، ممن كانت جراحهم كبيرة، لافتاً إلى أن إدارة الجرحى "تُقدم ما تستطيع وفق الإمكانات المتاحة لها".

أشلاء مجهولة
في السياق، تواصلت "لا" مع مدير مستشفى الطلح العام بمديرية سحار في صعدة، الدكتور محمد الخطيب، وسألته عن الجُثث والأشلاء المتفحمة للأطفال ضحايا مجزرة سوق ضحيان، وهل فعلاً مازالت في ثلاجة المستشفى حتى اليوم، فأكد ذلك الدكتور الخطيب بالقول: "يوجد في المستشفى نحو أربع جُثث لضحايا مجزرة حافلة ضحيان، وهذه الجثث غير مكتملة ولم نستطع التعرف عليها".
وأضاف مدير عام مستشفى الطلح: "تلقينا مذكرة من النيابة، قبل فترة، بدفن هذه الجُثث؛ إلا أن إجراءات الدفن لم تُستكمل، نظراً لانشغالنا، وعدم حضور الجهات المعنية، ومازالت الجثث في ثلاجة المستشفى، وإن شاء الله يتم دفنها في الأيام القادمة".

مطالب الأهالي
عاماً بعد آخر تتركز مطالب أهالي الأطفال ضحايا المجزرة السعودية الأمريكية في ضحيان بالتالي: اعتماد الشهداء ضمن قوائم شهداء الوطن، رعاية وعلاج الجرحى، إجراء فحص حمض (DNA) للجثث والأشلاء التي مازالت في ثلاجة مستشفى الطلح ودفنها، الاهتمام بروضة الشهداء من خلال بناء سور مرتفع وعمل شواهد صخرية للقبور وشبكة ري بالتقطير لري الورود، الحفاظ على الحافلة التي مازالت ملقاة عند بوابة المقبرة وقد أوشكت على الهلاك تحت الشمس والرياح، وإنشاء معرض دائم لصور الشهداء الأطفال وعرض مقتنياتهم في المساحة الفارغة أمام الروضة.
يذكر أن صحيفة "لا" كانت قد زارت منطقة ضحيان في حزيران/ يونيو 2021، والتقت أهالي الأطفال الشهداء، كما التقت عددا من الأطفال الجرحى، وزارت روضة الشهداء، واطلعت على أوضاع الجرحى وقبور الشهداء ومآسي أهاليهم، لتقوم بعد ذلك بنشر ملف صحفي مُثخن بالأوجاع وممتلئ بشكاوى الخيبة والخذلان.