أوري شركي  «صحيفة القدس» (jerusalem post) الصهيونية
ترجمة خاصة:إياد الشرفي / لا ميديا -
قبل شهر واحد، نشرت رسالة مفتوحة إلى الإسلام، أوجزت فيها رؤية اليهودية للإسلام، ووجهت الدعوة إلى الحوار البناء، وحددت النقاط المشتركة بين الديانتين، وسلطت الضوء على مشاكل الإسلام الأخلاقية واللاهوتية من منظور يهودي، واقترحت مسارات للإصلاح.
وتم إرسال الرسالة، التي نشرت باللغات العبرية والعربية والفرنسية والإنجليزية، إلى عشرات الشخصيات المهمة في العالم الإسلامي، وكانت ردود الفعل سريعة، معظمها إيجابي ومثير للاهتمام للغاية، بما في ذلك الدعوة لزيارة دولة الإمارات.
كان الإماراتيون مهتمين خصوصاً بإجراء حوار حول المصطلحات الدينية. وخلافاً لوجهة النظر الشائعة التي ترى أن الخطاب الديني يشكل عائقاً أمام العلاقات السلمية، فأنا أعتقد أن الحوار الذي يرتكز بشكل واضح على المبادئ الدينية يمكنه تحويل العلاقة بين إسرائيل والعالم الإسلامي، بل وربما حتى تسهيل التغيير داخل الإسلام نفسه.
لقد قبلت الدعوة بكل سرور، واستقبلني المضيفون الإماراتيون بكل احترام وكرم ضيافة.
خلال رحلتي، التي استغرقت ثلاثة أيام، إلى دبي وأبوظبي، بما في ذلك المسجد الكبير، التقيت بالعديد من الشخصيات الحكومية والدينية ورجال الأعمال والسفراء. وكان أبرزهم الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس لجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي، والشيخ محمد طالب الشحي، مدير إدارة الوعظ في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف.
خلال مناقشاتي، أثرت مسألة أن أحد المطالب الإسلامية المركزية ضد إسرائيل هو أن مجرد وجودها كدولة مستقلة يشكل تعدياً على دار الإسلام، أي الأرض التي كانت في السابق تحت سيطرة المسلمين، والتي يجب على المسلمين أن يتنازلوا عنها. إعادة الغزو بالقوة. واقترحت بدلاً من ذلك الاعتراف بدولة إسرائيل باعتبارها وفاءً لعهد الله مع بني إسرائيل، الذين يعتبرهم القرآن الورثة الشرعيين للأرض.
وأجاب الدكتور النعيمي بأن «فكرة تقسيم العالم كله إلى دار السلام ودار الحرب هي فكرة محض اختراع لا أساس لها في القرآن، بل اخترعها الإسلاميون على مدى المائة عام الماضية.»
وشدد عدد من الإماراتيين الآخرين الذين التقيت بهم أيضاً على أنه «يجب على الإسرائيليين التوقف عن محاولة تبرير وجودهم قائلين إن «إسرائيل حقيقة ثابتة»، وأضافوا أن إسرائيل لا تحتاج إلى استحضار المحرقة، بل إن اليهود لديهم جذور عميقة هنا في الإمارات، والشرق الأوسط.»
أثير موضوع ضرورة اعتراف العالم الإسلامي بأن اليهود أمة وليسوا ديانة، وهو موضوع ذو أهمية كبيرة في ادعاءات الإسلاميين  ضد إسرائيل. وأجاب النعيمي بأن هذه ليست مشكلة، فإسرائيل شرعية بغض النظر، واليهود أحرار في تعريف أنفسهم بالشكل الذي يرونه مناسبا.
وكان واضحاً من مناقشاتي أن الإماراتيين يعارضون بشدة جميع الحركات الإسلامية، بما في ذلك داعش والإخوان المسلمين، وكذلك إيران الثورية. كما أنهم لا يهتمون بدعم الأهداف السياسية الفلسطينية، بل يهتمون فقط بالظروف المعيشية لإخوانهم العرب. موضوع حرب إسرائيل الحالية لم يُطرح ولو مرة واحدة.
واقترحت أن يتوقف المسلمون عن ادعاء أن جبل الهيكل بأكمله هو المسجد الأقصى، حيث إن الزاوية الجنوبية فقط كانت عبارة عن مسجد، في حين تم بناء قبة الصخرة في الأصل تكريما للهيكل اليهودي. فأجابوا بأن «الأقصى ليس له بأي حال من الأحوال أهمية مركزية في الإسلام، وقالوا إنه ينبغي عليّ التحدث مع الأوقاف الأردنية حول هذا الموضوع، وعرض ترتيب لقاء».
ولعل هذا ليس مفاجئاً من الدولة التي رفعت راية التسامح والتعايش ومحت كل المحتوى المناهض لإسرائيل من كتبها المدرسية. ولكن ما يجب أن نفهمه هو أن احتضان الإماراتيين لقيم التسامح يستند إلى ما يعتبر في نظرهم التفسير الأصيل للإسلام، وليس خطوة تكتيكية لجذب الجماهير الغربية أو جذب الاستثمار الأجنبي. إنهم ملتزمون دينياً بتعزيز إسلام التسامح ولا يردعهم حتى في مواجهة تهديدات لا حصر لها من داعش وآخرين لاغتيال القادة الإماراتيين.
وهذا لا يعني أن لديهم أي مصلحة في تبني نظام حكم ديمقراطي. ويرون أن الانتخابات المنتظمة المتعددة الأحزاب تضر بالحكم الفعال. لكن التسامح والتعايش هما قانون الأرض ويتم فرضهما بلا رحمة. أبوظبي هي واحدة من أكثر المدن أمانا في العالم للتجول ليلا، بما في ذلك لليهود.
الإمارات دولة غنية، تعج بمشاريع البناء الرائعة، ومكان تكثر فيه وسائل الراحة فائقة التقنية. لكنها ليست مركزاً للابتكار العلمي، فثقافتها ممثلة بشكل رمزي في متاجر الهدايا التذكارية على شكل جمل على جزيرة.
لقد ذكرت أنه ربما يكون السبب وراء الافتقار إلى التفكير الابتكاري في العالم الإسلامي هو إغلاق أبواب الاجتهاد (وهو ممارسة التفسير المبني على التفكير المستقل في الإسلام) منذ حوالى تسعة قرون. أجاب مضيفي بأن التخلي عن الاجتهاد كان في الواقع خطأً فادحاً. لم يقولوا أكثر من ذلك؛ ولكن من خلال قراءة الأدبيات الأخيرة الصادرة عن السلطات الدينية الإماراتية، فمن الواضح أنهم يسمحون لأنفسهم عملياً بقدر كبير من الحرية في تفسير القرآن.
ويزعمون أن المفهوم القائل بأن غير المسلمين في المجتمع الإسلامي يتمتعون بوضع أهل الذمة من الدرجة الثانية لم يعد قابلاً للتطبيق، بل إن كل مواطن يتمتع بحقوق متساوية. ويستخدمون الآية القرآنية: «لكم دينكم ولي دين» (سورة الكافرون، 109)، كأساس للتسامح الديني، رغم أن الفهم التقليدي للآية في التفاسير الكلاسيكية والحديث مختلف تماماً.
تتمتع دولة الإمارات بمناظر رائعة؛ ولكنها للأسف لا تقع في قلب العالم الإسلامي.
الإمارات، للأسف، ليست مركز السلطة الدينية في العالم الإسلامي. وستكون لآرائهم أهمية أكبر بكثير إذا تم تبنيها من قبل جامعة الأزهر في القاهرة، على سبيل المثال. ولكن حتى حقيقة أن هناك دولة عربية مسلمة تروج لهم هي أمر مهم. هناك قدر هائل من الأموال القطرية المستثمرة في الترويج لوجهات النظر الإسلامية في الأزهر وفي جميع أنحاء العالم. ومن المشجع أن نرى دولة الإمارات تتصدى لهذا الأمر من خلال الترويج للإسلام المتسامح.
وفي محادثاتي مع السلطات الدينية، ذكرت أن ادعاء الإسلام بطلان التوراة يشكل عائقاً أمام اعتراف اليهودية بمحمد. وأضفت أن الحاخام اليمني نتانيل الفيومي من القرن الثاني عشر كتب أنه قد يكون من المقبول لليهودية أن تقول إن محمداً كان نبياً أُرسل إلى الشعوب العربية، ولكن ليس لإبطال التوراة. وقد أثارت هذه الفكرة اهتمامهم، واتفقنا على مواصلة مناقشة الأمر بناءً على عمل «الحاخام الفيومي.»
وفي ضوء مناقشاتي المتعمقة، توصلت إلى انطباع بأن عملية توبة أبناء إسماعيل قد بدأت، على الأقل في دولة الإمارات الفريدة.
إنها مجرد بداية، ولا أتوقع تغييرات جذرية على المدى القصير؛ ولكنها موضوعية وتستند إلى فهم أن المناقشة القائمة على الدين، والمبنية على الصدق والحقيقة، والتي تتناول بشكل مباشر نقاط الصراع، هي الطريق إلى الأمام.

رئيس مؤسسات «بريت أولام» 
وحاخام مجتمعي ومتحدث عام في «إسرائيل».