بشرى الغيلي / لا ميديا -
واجهوا تنمر المجتمع بتحقيقِ الطموحات. لم يستسلموا لقصرِ القامة، الذي كان قدرهم. عائلة قوية، جسدت المعنى الحقيقي للإرادةِ والطموح. حولوا المحنة والابتلاء إلى منحةٍ وتحقيق طموحات. أسماء (طولها 125 سم)، عائشة (90 سم)، أبو بكر (طوله متر واحد)، لم يستسلموا لحالة قصر القامة، التي ولدت معهم، بل حققوا أعلى المراتب التعليمية، وما زالوا يطمحون لتحقيق المزيد.
كيف تحدوا الصعاب؟! وكيف استمروا بتحقيق مسيرتهم العلمية؟! وكيف صمدوا في مواجهةِ التنمر الذي عانوا منه كثيرا في الأماكن العامة، خصوصاً في المرافق الدراسية؟!
الإجابة على ذلك نجدها في حديثهم إلى صحيفة "لا" التي التقتهم، وخرجت بهذه الحصيلة.

أبي وأمي الداعم الأهم
أسماء محمد عبدالقادر الحسامي (الشقيقة الكبرى)، من مواليد 1995 في عزلة بني الحسام - مديرية شرعب الرونة بمحافظة تعز. درست الطب البشري في جامعة صنعاء. هي من ذوي الهمم، رغم قصر طولها، الحالة الوراثية التي وُلدت بها. "أسماء" طولها حوالى 115 سنتيمترا، درست الابتدائية والإعدادية في مدرسة خولة بنت الأزور للبنات، والثانوية في مدرسة الهداية في بني حسام. تفوقت في دراستها منذ الصفوف الأولى، وكانت الأولى غالباً.
عانت أسماء من تنمر المجتمع، والنظرة المحبطة التي كانت تواجهها. لكنها لم تأبه، بل إن ذلك أعطاها دافعاً قوياً لتواصل طريقها صوب تحقيق طموحاتها.
تحكي قصتها لـ"لا" قائلة: "بفضل الله وتشجيع الوالدين وبالتحدي والإرادة والعزيمة، واجهتُ الصعوبات والمعوقات، وأنا الآن خريجة طب بشري بكلية الطب - جامعة صنعاء".
وتضيف أسماء أن العائلة ساندتها كثيرا، وأن والديها سانداها وتحملا الكثير في ذلك، رغم صعوبة الوضع المادي، ومع ذلك تجاوزت المعوقات بوقوفهما إلى جانبها.

تحقيق الهدف يغلب التنمر
بالتفكير الإيجابي يمكن أن تتحول التحديات إلى فرص، وتحقيق النجاح على الصعيد الشخصي والمهني. هذا ما توضحه "أسماء" قائلة: "إن تحديد الهدف والتسلح بالإرادة والعزيمة يذلل الصعوبات والمعوقات، سواء الطبيعية أم المعوقات التي يصنعها المجتمع، مثل التنمر".
وتوجه رسالتها للمجتمع: "قصار القامة يستطيعون أن يحققوا نجاحات كبيرة، بينما بعض الأشخاص الطبيعيين لا يستطيعون أن يحققوا أي شيء".
وتضيف: "قصار القامة لهم أهداف وطموحات، ولا يختلفون عن غيرهم، ونصيحتي للمتنمرين أن يتركوا هذا السلوك السيئ؛ لأنه يترك آثاراً نفسية سلبية على ذوي الاحتياجات الخاصة، ويؤدي في أغلب الأحيان للعزلة والانطواء، والعيش بعيدا عن المجتمع المتنمر".
أما من ألهمها وشجعها للنجاح فتقول: "والدتي يرحمها الله، ووالدي حفظه الله، هما مصدر إلهامي وتشجيعي، وقد كانت نجاحاتي ملهمة لجميع الطلاب في كل المراحل لمواصلة الدراسة والتفوق، وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، فلا مستحيل مع التسلح بالإرادة القوية".

الإرادة تقهر المستحيل
تطمح أسماء لمواصلة الدراسة الأكاديمية، والالتحاق بالدورات التدريبية في تخصصها، والتي ستفيدها مستقبلا، ووجهت نصائح لذوي الاحتياجات الخاصة بألا يلتفتوا لما يصدر من بعض الأشخاص المتنمرين، وأن يتسلحوا بالعزيمة والإرادة والتحدي، لمواجهة كافة الصعوبات والمعوقات، والطريق ليست مفروشة بالزهور والورود ولا سهلة لتحقيق الأهداف التي يطمحون إليها، لكن لا مستحيل مع الحياة.
أما كيف تحافظ على التحفيز الذاتي فترد: "التسلح بالإرادة، العزيمة، العلم، واستلهام النماذج المشابهة التي حققت النجاح... والدي كان لي مثلاً أقتدي به وبقدراته على مواجهة الصعوبات والمعوقات التي كانت تحيط به من كل جانب".
تحافظ أسماء على التوازن النفسي بـ"قوة الإيمان بالله سبحانه، التي تجعل الشخص يسلم بواقعه ويستمد منه القوة والعون في التغلب على الصعوبات والمعوقات، والثقة بالنفس تولد الطاقة والحيوية في إثبات الذات وتخطي كل المعوقات التي يواجهها يومياً".
تختم بنصيحتها لقصار القامة الذين يسعون لتحقيق نجاحاتهم رغم التحديات: "لا تلتفتوا لأي شيء محبط من حولكم، تنمراً كان أو غيره، فلا مستحيل مع الإرادة القوية".

أطمح أن أمتلك عملا خاصاً
أبو بكر محمد عبدالقادر الحسامي (آخر العنقود في الأسرة)، من مواليد 1999، هو أيضاً من ذوي الهمم، ويعاني قصر القامة. أبو بكر طوله لا يزيد عن متر. توفيت والدته، وشقيقه الأكبر، فأصيب هو بحالةِ اكتئاب، وصار فاقدا قواه، ومازال يعاني من الصدمة؛ لكنه لم يستسلم، حيث استمد الإصرار والتحدي من والده، الذي أعطاه دافعاً كبيراً ليحقق أحلامه من خلال استمراره بالتعليم. انتقل مع عائلته إلى العاصمة صنعاء، والتحق بتخصص حاسبات وشبكات في كلية الهندسة بجامعةِ صنعاء.
"رغم الصعوبات والمعوقات الخاصة التي واجهتني يومياً، وبالأخص في المواصلات العامة ونظرة المجتمع المحبطة، واصلت دراستي وتخرجت في الجامعة، وأطمح أن أمتلك عملا خاصا يساهم في تطوير حياتي في مختلف المجالات".

بحثِ ومثابرة
يقول أبو بكر لـ"لا": "واجهت الصعوبات بعدم التأثر بكلام المحبطين، مما جعلني أكمل دراستي في أكثر من تخصص. والفضل في ذلك يعود بعد الله لتشجيع العائلة وابن عمي مصعب. لقد حولت التحديات إلى فرص بعدم اليأس والاستسلام".
ووجه رسالته للمجتمع بالقول: "لا فرق في الطول والتفكير، فالآلة يمكن أن تنجز أعمالكم بدقة أكثر منكم. طورت نفسي بالبحثِ والمثابرة، وحافظت على التحفيز الذاتي بالإيمان والثقة بأن الله لا يضيع أي مجتهد، وأحافظ على صحتي النفسية بعدم التفكير السلبي والتشوش بهموم الحياة".
وختم أبو بكر رسالته لكل من يعاني من قصر القامة بالقول: "لا تستسلم، لا تيأس".

أمل متجدد
عائشة محمد الحسامي (الشقيقة الوسطى) من مواليد 1998، من ذوي الهمم، طولها أقل من متر (90 سم). درست الابتدائية والإعدادية في مدرسة خولة بنت الأزور للبنات، والثانوية في مدرسة الهداية ببني حسام. في الصف الثاني الثانوي توفي أخوها الأكبر، وتوفيت والدتها في الشهر نفسه، فتدهورت صحتها وعانت لفترة من أثر الصدمة؛ لكنها قاومت أحزانها واستمرت في دراستها، وأكملت الثانوية العامة (القسم العلمي) بتقدير ممتاز.
انتقلت مع أشقائها إلى صنعاء لمواصلة دراستها في تخصص(IT)  بكلية الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في جامعة صنعاء. رغم الصعوبات التي واجهتها في حياتها، تخرجت في 2020 بتقدير جيد جداً.
حالياً، استكملت دراستها في قسم الجرافيكس بمركز الحاسوب الآلي أيضا وحصلت على تقدير امتياز. عائشة تحدت الصعوبات والمعوقات التي واجهتها يومياً، وخصوصاً في المواصلات العامة ونظرة المجتمع المحبطة؛ لكنها أصرت على مواصلة دراستها وتخرجت في الجامعة بتقدير جيد جداً. وإذا ما توفرت لها الظروف المادية الملائمة فإنها ستواصل دراستها لتحصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه؛ إذ إن طموحها هو الحصول على لقب "أقصر دكتورة في العالم".
قوة الإرادة والأمل المتجدد في روحها، يدفعان عائشة للسعي نحو تحقيق أحلامها وأهدافها، ومنها إنشاء شركة برمجية تساهم في تطوير البرمجيات في مختلف المجالات وتدريب الشباب المبرمجين، وإنشاء مؤسسة خيرية لرعاية وتأهيل ذوي الهمم وتثقيف المجتمع حول قضاياهم.

الأب والإمام علي عليه السلام
تستلهم عائشة قوتها من بيت شعر ينسب إلى الإمام علي عليه السلام، يقول:
وتحسبُ أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالمُ الأكبرُ
وبفضل هذه الصفات الرائعة فيها والشغف الكبير، ورغم أنها الأقصر بين أشقائها، إلا أنها نجحت في التغلب على الظروف الصعبة التي واجهتها، وتنمر المجتمع، واستطاعت تحقيق أحلامها وأهدافها. ورغم تلاشي بعض الشغف والحب داخلها كما تقول، فهي لا تزال تتحدى الصعاب وتتطلع إلى المستقبل بثقة وتفاؤل.
وتضيف: "قدوتي ومثلي الأعلى هو والدي، الذي تجاوز كل التحديات وحقق أهدافه وحقق نمط حياة جميلة، أن حياته لم تكن مفروشة بالورود، فهو أيضا يعاني من قصر القامة، ونحن الآن نفعل مثله ونقتدي به، وكل من عرفني قال إنني فتاة مثابرة، وأشاد بقوتي وعزيمتي لتحدي الحياة بكل شجاعة ومثابرة".
وختمت عائشة في حديثها الخاص لـ"لا" بتوجيه رسالتها إلى المجتمع بأن يتقبلوا قصار القامة، ويوفروا لهم جميع احتياجاتهم، والاندماج معهم، وأن تقوم المؤسسات بحملات إعلانية عن أضرار وعواقب التنمر عليهم، كذلك أن يتم توظفيهم في جميع القطاعات الحكومية والخاصة، فهم يستطيعون فعل أي شيء، مثلهم مثل غيرهم من الأشخاص العاديين، لا اختلاف بينهم إلا في الطول، وهذا لا يؤثر إلا على أصحاب النفوس الضعيفة.
أما رسالتها لذوي الهمم فتخاطبهم بالقول: "لا تستمعوا لكلام المحبطين، واستمروا بأداء رسالتكم العظيمة في الحياة".