تقرير: مارش الحسام / لا ميديا -
صحيح أن ثمن العزة والكرامة الذي يدفعه الشعب الفلسطيني، وبخاصة في قطاع غزة، مرتفع جدا، وأن الدم لا يمكن أن يقدر اقتصاديا، إلا أن المعطيات تؤشر إلى أن هنالك أثمانا اقتصادية كبيرة على كيان العدو "الإسرائيلي" دفعها، إلى جانب الكُلف التي تحمّله إياها المقاومة الفلسطينية.

حرب استنزاف
بعد أكثر من خمسة أسابيع من عدوان الكيان الإجرامي على قطاع غزة، واستمرار جرائمه اليومية في مختلف مدن الضفة الغربية، دخل كيان الاحتلال مرحلة جديدة من العدوان، مع تحوله إلى حرب استنزاف على مختلف المستويات، بما فيها المستوى الاقتصادي بسبب الخسائر الباهظة التي يتكبدها، خصوصا وأن اقتصاد كيان العدوان يعاني بالفعل من أزمات داخلية قبل عدوانه الأخير على غزة.

هزات صادمة
أحدثت عملية "طوفان الأقصى" وما تلاها من عدوان إجرامي على غزة هزات صادمة في اقتصاد الكيان البالغ حجمه 488 مليار دولار، ما أدى إلى تعطيل آلاف الشركات، وإرهاق المالية العامة، وإغراق قطاعات بأكملها في أزمة، حسبما أشارت مجلة "فاينانشيال تايمز" الأسبوع الماضي.
ووفقاً لمجلة "فورين بوليسي": فقد انخفض الشيكل "الإسرائيلي" بالفعل إلى أدنى مستوى له منذ 14 سنة، وذكرت أنه، غداة هجوم حماس، في السابع من أكتوبر الماضي، وصلت خسائر مؤشرات بورصة "تل أبيب" إلى أكثر من 6%.
وفي ما يتعلق بالاحتياطيات الأجنبية التي تتعرض للاستنزاف، كشف بنك "إسرائيل" المركزي، الأسبوع الماضي، أنه باع 8.2 مليار دولار من النقد الأجنبي في أكتوبر، مما أدى إلى تراجع الاحتياطي إلى 191.2 مليار دولار.
فيما كشفت وكالة رويترز، في 8 أكتوبر، أن خسارة مؤشرات بورصة "تل أبيب" تفاقمت إلى أكثر من 6%، بعدما كانت فتحت على انخفاض بنسبة 4%، وتراجع لأسعار السندات الحكومية بنسبة تصل إلى 3%.
وفي السياق أشارت مجلة "فورين بوليسي"، أن "إسرائيل دخلت الحرب باحتياطيات بقيمة 200 مليار دولار ومساعدات بقيمة 14 مليار دولار، معظمها للتمويل العسكري، من الولايات المتحدة".
ومع ذلك، يقول خبراء إن الصراع المستمر سيكلف اقتصاد الكيان مليارات إضافية وسيستغرق وقتاً أطول بكثير للتعافي مما كان عليه في الماضي.

260 مليون دولار خسائر يومية
ذكرت وكالة "بلومبرغ" أن "الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس، تكلف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 260 مليون دولار يوميا"، مشيرة إلى أن الحرب "أصبحت أكثر تكلفة بالنسبة لإسرائيل مما كان متوقعا في البداية، حيث إنها تفرض ضغطا على المالية العامة".
وفي هذا السياق، تؤكد تقارير مؤسسات اقتصادية أمريكية، أن الاقتصاد "الإسرائيلي" قد ينكمش بنسبة 11% على أساس سنوي، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الحالي.
وإذا ما استمرت الحرب لفترة زمنية أطول، كما يؤكد قادة الكيان، حيث يحضرون مواطنيهم لإمكانية أن تطول إلى سنة، فإن أزمة بنى الاقتصاد "الإسرائيلي" ستتعمق أكثر وأكثر.

دخول مرحلة الخطر
التقديرات الأولية للعديد من الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين و"الإسرائيليين" تذهب باتجاه أن الحرب على قطاع غزة -على فرض أنها لن تتوسع إقليميا- ستكلف الاقتصاد "الإسرائيلي" ما يقارب 50 مليار دولار كنفقات استمرار الحرب على المدى القصير، وهذا يعادل ما يقارب 10% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الاحتلال.
إلا أن الموضوع غير مرتبط بالإنفاق على المجهود الحربي المباشر فحسب، بل إن مجمل القطاعات والأنشطة الاقتصادية قد تأثرت وستتأثر سلبا بالحرب واستمرارها وتداعياتها.
واستنادا إلى مختلف المعطيات التي ذكرناها في الفقرات السابقة وما ستذكره الفقرات اللاحقة، فإن الاقتصاد "الإسرائيلي" سيدخل مرحلة الخطر، التي لا تنفع في تعزيز صموده عمليات الضخ المالي التي تقوم بها المؤسسات المالية والنقدية الداخلية، حيث يتم حاليا توزيع تعويضات مالية إلى الشركات والمؤسسات والأفراد المتضررين من الحرب.

الصواريخ اليمنية تقلب معادلة "إيلات"
انعكاسات العدوان على غزة طالت كل القطاعات الاقتصادية لكيان العدوان، والمعلومات المتوافرة تقول إن قطاع السياحة، وهو أحد المحركات الأساسية لاقتصاد كيان الاحتلال، ضُرب بالكامل، بحيث أصبحت الشواطئ في "تل أبيب" والبلدة القديمة في القدس المحتلة خالية تماما، إذ توقفت جميع الرحلات السياحية المخطط لها حتى إشعار آخر، ويتوقع أن يؤدي تراجع الصورة التي رسمتها "إسرائيل" لنفسها في العالم إلى تخفيض كبير في أعداد السياح في المستقبل حتى بعد انتهاء الحرب، إذ إن الصورة التي بدأت تترسخ في العالم أنها كيان إرهابي يمارس جرائم الحرب كل يوم.
ومع انطلاق عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر المنصرم، ودخول حزب الله على خط المواجهة مع القوات الصهيونية، كانت تحولت المدينة السياحية "إيلات" إلى ملاذ آمن للهاربين من جحيم المستوطنات على الحدود مع جنوب لبنان التي تستهدفها المقاومة الإسلامية.
وعادة  ما يتم الترويج لمدينة "إيلات" كوجهة سياحية، بل تعد السياحة المصدر الرئيسي للدخل فيها، غير أن الصواريخ اليمنية التي وصلت إليها غيرت المعادلة، لهذه المدينة السياحية الواقعة على البحر الأحمر؛ هذه المدينة التي تشكّل مورداً اقتصادياً مهماً لـ"إسرائيل"، والتي تعدّ نقطة عبور بحري ومركزاً للتجارة البحرية، ما يشكّل تهديداً استراتيجياً واقتصاديا جديداً أفضت إليه "طوفان الأقصى".
فالمدينة لم تعد آمنة، وتشير التقارير إلى أن عددا كبيرا من الأنشطة الاقتصادية متوقفة كليا أو جزئيا، بسبب استمرار تدفق الصواريخ القادمة إليها من عاصمة محور المقاومة "صنعاء".

اقتصاد الكيان بلا قوة دافعة
انعكاسات الحرب طالت أيضاً القطاع التكنولوجي والشركات الناشئة، وهي القوة الدافعة لاقتصاد الكيان، حيث شكلا العام الماضي 18% من الناتج المحلي الإجمالي و50% من حجم الصادرات، وتوجد في الكيان 7500 شركة للتكنولوجيا الحديثة والتي تلعب دوراً حيوياً في اقتصاد كيان العدوان الصهيوني وتعمل على تعزيزه من خلال مساهمتها في نمو الناتج الإجمالي العام، لاسيما أن هذا القطاع يعتمد بصورة كبيرة على الاستثمارات الأجنبية.
ووسط هذا المناخ الاقتصادي المرتبك، أعاد المستثمرون الصهاينة والأجانب حساباتهم في مجال التكنولوجيا الفائقة، ووفقاً لموقع "ذا ماركر" العبري، فإن 20% من مديري شركات التكنولوجيا أبلغوا عن وجود صعوبة شديدة في النشاط، وفقاً لذات الموقع العبري.
بحسب تقديرات اقتصاديين صهاينة فإن حوالي 70% من شركات التكنولوجيا والشركات الناشئة الصهيونية تشهد انقطاعات كاملة أو شبه كاملة في عملياتها الإنتاجية بسبب الحرب.

سلاح المقاطعة
إلى جانب ذلك، فإن حجم الاستثمارات الداخلية والخارجية لدولة الاحتلال ستتراجع، مع تعمق حال عدم اليقين بمستقبل استقرارها، مع توسع حملات المقاطعة للمنتجات الصهيونية في عدد من البلدان التي تربطها علاقات اقتصادية مع الكيان.
فيما شهدت عدد من الدول العربية والإسلامية حملات مقاطعة للبضائع الصهيونية والأمريكية والدول المتحالفة معهما في عدوانها على غزة، وهذا سيعمق أزمتها الاقتصادية أكثر فأكثر، إذا ما أخذ بالاعتبار توسع نطاق حملات المقاطعة ضدها وتعميق عزلتها عالميا.

شركات على حافة الإفلاس
تسبب العدوان الصهيوني على قطاع غزة بموجات متتالية من الصدمات لاقتصاد الكيان، ووفقاً لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية تم استدعاء ما بين 300 و350 ألف موظف كاحتياطيين فى الجيش الصهيوني، أي 8% من القوى العاملة، وهو ما ضاعف الخسائر الفادحة للكيان على مستوى التكاليف والإنتاج.
ويقول تقرير لبنك "إسرائيل" المركزي إن غياب الآلاف من العمال عن وظائفهم بسبب الحرب، يكلف الاقتصاد نحو 2.3 مليار شيكل أسبوعياً، أي قرابة 600 مليون دولار، أو ما يعادل 6% من إجمالي الناتج المحلي في أسبوع.
ووجدت دراسة استقصائية للشركات الصهيونية أجراها مكتب الإحصاء المركزى، أن واحدة من كل 3 شركات أغلقت أبوابها أو تعمل بطاقة 20% أو أقل منذ بدايتها فى حين أبلغ أكثر من النصف عن خسائر فى الإيرادات بنسبة 50% أو أكثر، وكانت النتائج أسوأ بالنسبة للمنطقة الأقرب إلى غزة، حيث أغلقت ثلثا الشركات عملياتها أو خفضتها إلى الحد الأدنى.
وزارة عمل الكيان أكدت أن 764 ألف صهيوني، أي 18% من القوى العاملة لا يعملون بعد استدعائهم للخدمة الاحتياطية أو إجلائهم من مدنهم أو إجبارهم بسبب إغلاق المنشآت الخدمية، وأضافت أن تكلفة الحرب التي تخوضها "إسرائيل" في قطاع غزة ستبلغ 200 مليار شيكل (51 مليار دولار).

التقشف لمواجة العجز
موجات متتالية من الصدمات أربكت اقتصاد الكيان العبري، جراء عدوانه على غزة والذي يدفع ثمنه من دم اقتصاده النازف.
وإزاء ذلك ظهرت العشرات من المبادرات الخاصة من أجل إنقاذ الاقتصاد الصهيوني المتدهور، وأبرزها سياسة التقشف وصناديق الطوارئ التي تم إنشاؤها لتوفير الحل المالي للشركات الناشئة التي ستنهار إذا لم تتلق الاستثمار في الأشهر المقبلة، وهي في أمس الحاجة إلى ما هو أشبه بأنبوب أوكسجين إنعاشي.
وبالمقابل يؤكد مسؤولون صهاينة صعوبة أن تقوم وزارة المالية بتجنيد الأموال من صناديق الاستثمار لتغطية العجز بغضون شهرين على سبيل المثال، وهو ما سيدفعها لاعتماد سياسة التقشف وتقليص الميزانيات بمختلف المرافق العامة، وخفض الإنفاق في الموازنة العامة للكيان، وإلغاء كافة الاتفاقيات المالية للأحزاب المشاركة بالائتلاف الحكومي.
وتوقع اقتصاديون صهاينة أن يسجل اقتصاد الكيان عجزاً في 2024 بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أربعة أضعاف عجز 2023، مما سيضطر حكومة الكيان إلى توفير نحو 3 مليارات دولار من سوق السندات المحلية، بالإضافة إلى جمع نحو 6.25 مليارات دولار من الأسواق الخارجية.

استدانة الأموال لإنقاذ الاقتصاد
الاسبوع الفائت قالت ما تسمى وزارة المالية الصهيونية إنها استدانت منذ بداية الحرب نحو 8 مليارات دولار (30 مليار شيكل)، ونصف هذا المبلغ ديون مقومة بالدولار تم جمعها في إصدارات في الأسواق الدولية، بينما جُمع جزءٌ آخر في السوق المحلية، في عطاء سندات أسبوعي.
وتسمح الإمكانيات التمويلية لكيان الاحتلال بأن تمول الحكومة كل احتياجاتها بشكل كامل، وفقاً للوزارة، لكن ذلك يمثل زيادة حادة في النفقات لتمويل الجيش، وكذلك صرف تعويضات للشركات القريبة من الحدود، وأسر القتلى والأسرى، في حين تراجَعَ الدخل المحلي من الضرائب.