خاص- عادل عبده بشر / لا ميديا -
كانت الساعة الثامنة والنصف مساء الثالث من أيلول/ سبتمبر الجاري، بينما "أم حسام" تُعد أطفالها الأربعة للخلود إلى النوم، في منزلهم بحارة الخانق، شرق العاصمة صنعاء، وفجأة حدث انفجار ضخم، هزَّ الحيّ كاملاً، وتسبب بإثارة الخوف والهلع لدى الأهالي وخصوصاً الأطفال والنساء، معيداً للأذهان أهوال القصف الغاشم لطيران العدوان على العاصمة صنعاء، خلال سنوات الحرب، غير أن هذا الانفجار كان مصدره صهريج غاز في حوش شركة يمن غاز (شركة المفزر) التي تقع في قلب الأحياء السكنية.
"شعرنا برعب لا يوصف، حيث لم يكن في المنزل من يُنقذنا وينفذ بأرواحنا"، تقول أم حسام لصحيفة "لا" التي نزلت إلى موقع الحدث والتقت عددا من الأهالي وعاقل الحي، لمعرفة تفاصيل الانفجار والأضرار الناتجة عنه، والبحث عن أسبابه.
تضيف أم حسام: "مصنع المفزر لا يبعد عن منزلنا سوى نحو 50 متراً، اهتز المنزل من شدة الانفجار، أعقبه أصوات صياح في الحي وصراخ أطفال وعوائل تغادر من منازلها، وكان همي الوحيد أرواح أطفالي، فاتصلت بجارتي أطلب المساعدة في الهرب من المنزل، كون زوجها لديه سيارة".
وتصف أم حسام، مشهد الحي وحالة الخوف والرعب التي انتابت الأهالي، بـ"يوم الحشر" قائلة: "خرجت من المنزل والحارة كلها حمراء والشوارع ممتلئة بالرجال والأطفال والنساء كأنه يوم الحشر، الجميع يفرون من منازلهم، وزاد من ذلك الرعب حدوث انفجار آخر داخل المصنع، قاذفاً بكتلة لهب ضخمة إلى جوف السماء، فشعرنا أنها النهاية".
نحو 20 شخصاً تكوموا داخل (تاكسي) الجار صالح الطرزاني، بحسب أم حسام، جُلهم من النساء والأطفال: "تجمعنا داخل السيارة وفي الخانة مثل أعواد الكبريت، لم نكن نفكر بشيء سوى النجاة من هذا الجحيم".

قنبلة نووية
أم حسام وأطفالها، أسرة واحدة من آلاف الأُسر التي تحيط بحوش يكتظ بالمقطورات وصهاريج وأسطوانات الغاز، التي تكفي، بحسب الأهالي، للقضاء على مدينة صنعاء بأكملها، في حال انفجرت جميعها،  فكيف بالأحياء التي ينغرز هذا الحوش وسطها كخنجر؟
الخوف من الموت حرقاً دفع بعشرات الأسر للهروب من منازلها، منهم من أطلق سيقانه للريح،  ومنهم من تكوموا مجاميع داخل السيارات، والبعض قطعوا المسافات مع أطفالهم ونسائهم، مشياً على الأقدام، لا خُطة معدة للأماكن التي سيلجؤون إليها، ولا وجود لسلطة محلية وحكومة تهبُّ لنجدتهم.
"سمعنا القارح والدنيا ولعت كلها، والنوافذ والأبواب تكسرت من شدة الانفجار، خرجت مع عائلتي فزعين خائفين نفر صوب الإسفلت، نبحث عن سيارة تُنقذنا، فحدث انفجار آخر ضاعف الهلع لدى الأطفال، ثم استأجرنا سيارة إلى مكان بعيد عن الحارة"، بهذا يصف المواطن عبدالله هادي صالح، ليلة الرعب في حي الخانق، موضحاً لـ"لا": "لم نعرف أين نذهب، جلسنا في الشارع للساعة الـ12 منتصف الليل، والنيران مازالت مشتعلة في المصنع، رغم جهود رجال الإطفاء، التي يُشكرون عليها، وعندما حاولنا الرجوع الى البيت، تم منعنا من قبل رجال الأمن الذين طوقوا المنطقة، وقالوا إننا لن نستطيع العودة الى منازلنا إلا في اليوم التالي".
أخذ المواطن صالح، عائلته إلى منزل أحد أقربائه في حي صرِف، القريب من حي الخانق، وعاد إلى منزله في ذات الليلة: "كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وكان الحريق قد انطفأ، ثم فجأة اندلع مجدداً".. 
المواطن منصور العاقل قال لـ"لا": "الناس كلهم خرجوا من منازلهم وهربوا، البعض ترك بيته مفتوحا، والبعض أضاع المفاتيح، ولم نكن نفكر سوى بإنقاذ أنفسنا وعوائلنا والآن أطفالنا ونساؤنا متضررون نفسياً وصحياً".

أخرجوا مصدر الخطر
مواطن آخر يُدعى عبدالملك لم ينتظر حتى يُكمل العاقل حديثه معنا، وصاح بصوت عالٍ: "أخرجوا المفزر من حارتنا" موجهاً كلامه عبر الصحيفة إلى حكومة الإنقاذ والمجلس السياسي الأعلى، بنبرة غضب تشي بالكثير من الألم الذي أصاب عائلته، قائلاً: "يا مجلس سياسي ويا حكومة ويا دولة، أنقذونا من الرعب الذي نعيش فيه، حرام عليكم ما يحدث معنا، أطفالنا ونساؤنا وأبناؤنا، مصابون بأمراض نتيجة الخوف والهلع من القنبلة الموقوتة التي بجوارنا"، ليشاركه هذا النداء مواطن آخر قذف بعمامته إلى بين أيدينا قائلاً: "بجاه الله أوصلوا صوتنا للحكومة والدولة، منازلنا تضررت وأرواحنا تضررت وكل حياتنا محفوفة بالخطر".
المطالبة بإخراج شركة يمن غاز من حي الخانق والأحياء الأخرى القريبة منها، صدح بها جميع من قابلناهم، حيث قالت أم حسام: "إخراج مصنع المفزر من الحي أمر ضروري ويجب أن تقوم به الدولة قبل كل شيء، كما أطالب الجهات المعنية بفرض قوانين تجرم وضع مقطورات الغاز داخل الأحياء السكنية وإخراجها على وجه السرعة"، مضيفة: "لا نريد العيش في رعب وقلق باستمرار، ونخرج نساء ورجالا وأطفالا للتظاهر، وإذا لم تقم الحكومة بواجبها في حماية مواطنيها، لا تلومونا إذا قمنا نحن بطرد المصنع من الحي".. وشاركها ذات الوجع المواطن عبدالله هادي، قائلاً: "نحن نعيش في هذا الحي منذ 30 سنة، وكل يوم تزيد مخاوفنا أكثر من الخطر الكائن في حينا، ونطالب بإزالة هذا الخطر وإخراجه إلى منطقة غير سكنية".. وأضاف: "تضررنا كثيراً، تبهذلنا نحن وعوائلنا، نطالب ونناشد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي والحكومة إخراجه وتعويضنا عن الأضرار التي لحقت بمنازلنا وبأرواحنا، ونقول لهم لن نصبر كثيراً".

الأرحبي: اللهب لحقنا إلى الإسفلت
من جهته قال مقبل الأرحبي: "نطالب بإزالة هذه المحطة من وسط الحي السكني، هذه  ثاني مرة يحدث انفجار، أمس أنا بسيارتي وخرجت والله إن اللهب لحقنا الى وسط الإسفلت"، مضيفاً بنبرة حُرقة: "هذا ما يصلح أين الدولة تزيله، إذا لم يتم إزالته، سنقف نحن وقفة واحدة ضده، وإذا الحكومة عاجزة عن إخراجه من الحي السكني، عليها إلزامه بعدم تفريغ كميات الغاز في الصهاريج والمقطورات التي يمتلئ بها الحوش، كأقل إجراء".

خراب وسرقة
الخراب والدمار الذي تعرضت له منازل في حي الخانق، تمثل في تكسير زجاج النوافذ والأبواب، وحدوث شقوق في بعض المنازل، من شدة الانفجار، بحسب أقوال بعض الأهالي، ووثقت كاميرا "لا" جانباً من ذلك الخراب، مع مطالب الأهالي بالتعويض العادل، إلا أن الأكثر أسفاً هو تعرض عدد من المنازل للسرقة أثناء فرار الأهالي منها عقب الانفجارات.
أكد ذلك من التقيناهم من المواطنين، ومن بينهم عاقل الحي علي خميس، الذي أفاد بأنه تلقى بلاغات بحدوث العديد من السرقات للمنازل، قائلاً: "الأهالي هربوا والسرق دخلوا".

إنذار بالإخلاء
وكشف عاقل حي الخانق عن إبلاغهِ من قبل الأجهزة الأمنية بضرورة مغادرة الأهالي للحي السكني، خشية أن يحدث انفجار آخر، لوجود تسرب للغاز من أحد خزانات شركة يمن غاز بذات المنطقة، قائلاً لـ"لا": اتصلوا بي المنطقة صباح اليوم (أمس) وطلبوا مني إبلاغ الأهالي بأن يفرغوا بيوتهم، لأن عاد باقي واحد من الخزانات يوجد فيه تسريب، ويُخشى أن ينفجر ويحدث ما لا تُحمد عُقباه".
وأضاف العاقل علي خميس: "قمتُ بالنزول إلى شركة المفزر بعد هذا الاتصال، وقابلت مديرها الذي قال إن الوضع ليس خطيرا وأن الخزان الذي يحدث منه تسريب هو خزان فارغ ولا يُشكل أي خطورة، حتى إن العمل والحركة في المصنع كانت مستمرة والعُمال يقومون بأعمالهم بشكل طبيعي وكأن شيئاً لم يحدث الليلة الماضية".
وبحسب العاقل خميس، فقد قام بإبلاغ أهالي حي الخانق بما وصله: "بدوري أبلغت الحارتين بما طلبته مني المنطقة وبما قاله مدير الشركة، وكل واحد من الأهلي حر في اختيار ما يراه مناسبا".. وفي حال حدث ما لا تحمد عقباه وشهدت المنطقة انفجاراً لعدد من صهاريج الغاز التي تملأ ما يصفه الأهالي بـ"حوش المفزر"، قال عاقل الحي: "سيسقط المئات من الضحايا المدنيين، وسيتضرر نحو ألف بيت أضرارا فادحة، وستمتد الأضرار إلى نحو 10 آلاف منزل".. ولفت إلى أن المطالبة بإخراج مقطورات الغاز من الحي السكني ليست وليدة اللحظة: "طالبنا بذلك عام 2000م، و2009، وأعوام أخرى، ولكننا لم نجد آذانا صاغية".

أسباب الانفجار
وقال عاقل حي الخانق، إنه خلال لقائه بمدير "شركة المفزر" صباح أمس، سأله عن أسباب الانفجار فأخبره بأن أحد الصهاريج كان يقوم بتفريغ كمية الغاز إلى أحد الخزانات العملاقة، وقام سائق المقطورة المُتصل بها الصهريج بالتحرك قبل أن يتم إكمال التفريغ أو إزالة الأنبوب الموصل إلى الخزان العملاق، ما أدى إلى تسرب الغاز واشتعال النيران وحدوث الانفجار.
وكانت الشركة اليمنية للغاز، سارعت إلى الإعلان عبر ناطقها الرسمي علي معصار، في صفحته على الفيسبوك، بأن "ماسا كهربائيا في حوش شركة يمن غاز الواقعة بعد جولة آية، تسبب في حدوث حريق أدى الى انفجار مقطورة غاز"، في الوقت الذي كانت أعمدة اللهب مازالت تعانق السماء.
وفي اتصال مع "لا" منتصف نهار أمس، قال معصار: "التحقيقات جارية والجهات الأمنية المختصة مازالت تستكمل إجراءات التحقيق في الحادثة".. وحين واجهناه بإعلانه عن أسباب الحادثة بعد نحو ساعة من حدوث الانفجار، وكيف تأكدوا لحظتها أن السبب يعود الى ماس كهربائي، قال بنبرة ارتباك: "هم الآن يحققون في الموضوع بالكامل، على أساس أنه عندما تم التفريغ من الصهريج حصل التماس كهربائي وبعدين حدث الحريق".. مؤكداً عدم وجود أي ضحايا مدنيين مضيفا: "ولم يحدث أي ضرر في المنازل".