تقرير- عادل عبده بشر / لا ميديا
بين "مُتعصب" لا يقبل النقد من الآخر، و"مُتجبِّر" لا يرى لأحدٍ الحق في إبداء رأيه، انبرى مسؤولون وشخصيات إعلامية وأخرى ثقافية، وناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، للدفاع عن قرار الفصل بين الطلاب والطالبات في كلية الإعلام بجامعة صنعاء، شاحذين ألسنتهم وسياط كلماتهم، ضد المنتقدين لهذا القرار الذي جاء تحت مُبرر "محاربة الرذيلة"، في أكثر المجتمعات حفاظاً على الدين والأخلاق والعادات والهوية الإسلامية.

على مدى خمسة أيام متواصلة، والجدل محتدم بين رواد وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل صمتٍ رسميٍ مخزٍ لوزارة التعليم العالي، عدا "تغريدة" يتيمة في منصة تويتر للوزير حسين حازب، لم تحسم المعركة التي خرج فيها عدد من متصدري جبهة الدفاع، بقاعدة هجومية تجاوزت أخلاقيات الحوار، موجهين سهاماً مسمومة إلى ضِلع المجتمع، بحسب مراقبين.
وفيما كانت الأنظار "المتفائلة" مازالت شاخصة نحو الهامات المسؤولة، التي تحمل مبادئ ورؤى ثورة الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر المجيدة، وأخلاقيات المسيرة النيرة، المستمدة نهجها ومنهاجها من كتاب الله المكنون، فوجئ الرأي العام بموقف لعضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، خيّب آمال الباحثين عن بصيص نور في لُجة الاجتهادات اللامسؤولة، من قبل بعض القائمين على مؤسسات الحكومة.

إساءة للمجتمع
ووجه عضو السياسي الأعلى، عبر تغريدة له على "تويتر" أمس الأول، رسالة إلى قيادة وزارة التعليم العالي ورئاسة جامعة صنعاء، تحمل بين سطورها مقترحاً قوبل بانتقادات واسعة من قبل رواد التواصل الاجتماعي، فكانت تلك التغريدة، بحسب مراقبين، بمثابة صب الزيت على النار، بل إن الأمر تجاوز إلى ما هو أبعد من ذلك، حد قولهم.
وقال محمد علي الحوثي في تغريدته: "الأخ وزير التعليم العالي.. الأخ رئيس جامعة صنعاء، أقترح، بخصوص خطوة الفصل التي تمت في إحدى الكليات لديكم وكون الشعب اليمني شعبا محافظا على القيم والعادات ولديه هوية إسلامية مميزة كما يشاهد بالمناسبات الشخصية والعامة للشعب أفراحه وأحزانه وغيرها، والخروج عن هذا المفهوم هو الاستثناء وللضرورة، فيتم الاستثناء في القرار لمن يأتي من آباء الطالبات يوقع على استمارة طلب الاختلاط وتحديد قاعة للدراسة إذا بلغوا النصاب القانوني، ونفضل أن يحدد الأب مع مَن مِن الزملاء وبموافقتهم حتى لا يكون الاختيار متعلقا بالإدارة.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
هذا الموقف قوبل بحملة انتقادات واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، والرأي العام المحلي.
واعتبر مراقبون وناشطون مناهضون للعدوان، ما تضمنه مقترح عضو السياسي الأعلى، بأنه إساءة للمجتمع اليمني عامة، فيما وصفه البعض بأنه "كلام غير مسؤول" وطعنة في جسد الشرف اليمني، وتصوير جامعة صنعاء بأنها على مدى نحو نصف قرن منذ إنشائها، مرتع لـ"الملذات" وليست حرماً لطلب العلم، بحسب تعبيرهم.

استمارة طلب الاختلاط
وطبقاً لمراقبين، فإن تغريدة أبو أحمد، حوّلت مواقع التواصل الاجتماعي، إلى كُتلة لهب، بعد أن خابت الظنون في ظهور موقف "عقلاني" يُلجم الأفواه التي قدحت في أعراض المنتقدين للقرار، وطالت المجتمع بأكمله، على مدى خمسة أيام. حيث استهجن عدد من الناشطين، حديث عضو السياسي الأعلى، بأن يأتي ولي أمر الطالبة لتوقيع استمارة طلب الاختلاط وتحديد مع من تختلط ابنته وفي أي قاعة بالجامعة.
وتساءلوا باستغراب: "كيف لهذا المنطق أن يصدر من شخص تكن له شريحة كبيرة من الشعب الاحترام والتقدير، وطالما رأوا فيه القدوة المُثلى لبقية المسؤولين؟" واصفين حديثه عن "استمارة طلب الاختلاط" بأنه طعن في أخلاق وتربية جميع الطالبات والطلاب.

ضوء أخضر
كما اعتبر رواد في التواصل الاجتماعي، تلك التغريدة بأنها "ضوء أخضر" لمن وصفوهم بـ"الذباب الإلكتروني" للإمعان في الإساءة لكل من ينتقد قرار كلية الإعلام، والاستمرار في حملة التشكيك بنساء اليمن وأخلاق المجتمع اليمني المحافظ.
وطالبوه بـ"سحب كلامه" وتقديم اعتذار علني للشعب اليمني كافة، وللمجاهدين في جبهات الشرف والكرامة والشهداء والجرحى، كون كلية الإعلام والجامعة لا تخلوان من أخت أو ابنة أو زوجة خير أجناد الأرض.

غيض من فيض
تغريدة رئيس اللجنة الثورية العليا (سابقاً) سبقها عشرات المنشورات والتغريدات المشابهة، من قبل شخصيات بارزة وناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي محسوبين على ثورة الحادي والعشرين من أيلول، تضمنت الكثير من الإساءات للمنتقدين لقرار الفصل بين الطلاب والطالبات ولمجتمعنا اليمني بشكل عام، كما جاء في تغريدة الخطيب الثقافي الدكتور يوسف الحاضري التي قال فيها: "من يتضايق من فصل الطلاب عن الطالبات ويريد لنسائه طلابا يدرسون معهن فليستدعوهم للبيوت ليذاكروا مع نسائه ولن يجد من يمنعه هنا... وشكرا جامعة صنعاء لسعيك للفصل رغم ظروفك"، وكذلك تغريدة المنشد عبدالعظيم عز الدين التي شبه فيها الطلاب بـ"التيوس" والطالبات بـ"المعز" وهي إناث الأغنام، والتعليم الجامعي بالقطيع، قائلاً: "من يجمع التيس والمعزة يقع معمعة لوما يضيع الصواب.. قرار فصل الطلاب عن الطالبات قرار موفق وحكيم ونتمنى أن يعمم على الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد".
وبذات المنطق قال الدكتور علي الخطيب: "سمعت أن هناك ساخطين على قرار منع التعليم المختلط ويريدون الاختلاط يستمر... إذا كان صحيحا فابحثوا عن جيناتهم الوراثية وهل تناولوا لحوم الخنزير مسبقا أو لا؟ أيضاً ماذا يستفيد التافهون من بقاء التعليم بهذا الوضع المقرف".

توضيح لا يعفي من المسؤولية
حملة الانتقادات الواسعة لمقترح عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، ومطالبته بالاعتذار لمجتمعنا اليمني المحافظ على العادات والتقاليد والهوية الإسلامية، دفعت بالحوثي إلى نشر توضيح بعد نحو 24 ساعة من تغريدة السابقة، قال فيه: "ليعلم الجميع أننا عندما تحدثنا عن هذا الموضوع -الفصل بين الجنسين في الجامعة- هو أن ما قامت به الجامعة يوافق رغبات الطالبات لأنهن يحملن الحياء والعزة والقيم الإسلامية الراقية".
وأضاف: "وقلنا أيضا إن من يريد من الآباء عكس رغبات الطالبات بأن تبقى الدراسة المشتركة فالمجال مفتوح يقدم لرئاسة الجامعة وإذا بلغت النسبة القانونية فيتم تدريسهن". طالباً من الجميع "من هو مع أو ضد أن يتعالى من سفاسف الأمور، ونهتم جميعا بكيف يتم إظهار مظلومية الشعب اليمني بسبب العدوان والحصار الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي وحلفائه".
وأكد أن "اليمن بخير ولا يستطيع أحد بفضل الله النيل من شعب الجمهورية اليمنية بأبنائه وقبائله ونراهن دائما على وعي الشعب بمعرفة عدوه، ونراهن على قدرة أبناء الشعب على تنمية قدراتهم ومواصلة نضالهم، حتى إنهاء العدوان ورحيل المحتل وفك الحصار وعودة التنمية لربيع الوطن وإعادة الإعمار".