إيفون ريدلي* «ميدل إيست مونيتور»
ترجمة خاصة:زينب صلاح الدين / لا ميديا -
بثت وسائل الإعلام الغربي مؤخراً كمّاً هائلاً من الذمّ المبالغ فيه بشأن لماذا لم يكن يجب أبداً اختيار قطر لاستضافة كأس العالم لكرة القدم للعام 2022.
 ووجد القطريون الحائرون أنفسهم محل انتقاد من المعلقين التلفزيونيين والصحفيين على حد سواء، وفي تقريع مطول وصفه أحد المصادر الإخبارية بأنه «غضب البيض والعقلية الاستعمارية ولعبة الجشع الرأسمالي».
وبدلاً من مشاهدة مهرجان دون انقطاع يحتفل بأرقى مباريات كرة القدم، رفضت «بي بي سي» حتى بث مراسم الافتتاح، في رقابة غير مسبوقة. وبدلاً من ذلك تم التعامل مع المشاهدين وتوجيههم نحو هجوم مسيَّس على قطر.
ومع ذلك في حين أن بارونات الصحافة لا يزالون متمسكين بمكانة الأخلاق العالية التي هي منطقة جديدة للعديد منهم، فقد يودون الاعتراف بأنه عندما ينتقل «أعظم عرض على وجه الأرض» إلى الغرب في عام 2026 سيتم استضافة البطولة في كندا والمكسيك من قبل الدولة التي قامت قبل 21 سنة بفتح أسوأ سجن في العالم، وهو عبارة عن ثقب أسود قانوني عرفناه اسمه «خليج غوانتانامو». ومع تولي الولايات المتحدة ذلك الدور القيادي في كأس العالم التالي، ستكون هي أسوأ نموذج لغسيل رياضي لم نشهد له مثيلاً.
دعوني أذكركم في حال نسي بعضكم بأنه منذ 10 كانون الثاني/ يناير 2002، وكجزء مما يسمى الحرب على الإرهاب، تم اعتقال 800 مسلم تقريباً بشكل غير قانوني في السجن، الأمر الذي شبهته مجموعة حقوق الإنسان بـ»معسكرات غولاغ» التي كانت رمزاً للقمع والترهيب في الاتحاد السوفييتي. تُرى هل ستكون منظمة العفو الدولية مستمعة في 2026؟! سيكون من المثير للاهتمام رؤية ذلك؛ وكذلك ما ستكون عليه ردة فعل الإعلام الأشد بياضاً من الأبيض نفسه الذي هاجم قطر!
لقد جرى اعتقال الكثير من الأبرياء، البالغ عددهم 779، في غوانتانامو، خلال السنوات الماضية، ثم إطلاق سراحهم لاحقاً بدون تهمة أو محاكمة. وأثناء اعتقالهم كان يتم تعذيبهم وانتهاك حقوقهم الإنسانية، بما في ذلك الإغراق في الماء والإعدامات الوهمية والإهانة الجنسية العنيفة... ولا عجب أن أقر البعض منهم بجرائم لم يرتكبها!
تضاءلت مزاعم مجموعات حقوق الإنسان التي ألقيت على قطر إلى حد كبير مقارنة بما حدث في هذا الجزء الصغير من كوبا، الذي تحتله الولايات المتحدة. أكثر من ذلك أنه لا يزال 35 مسلما محتجزا في غوانتانامو بشكل غير قانوني أمام مرأى القانون الدولي.
إن واقع نظام «العدالة» الأمريكية الذي لا يزال يتضمن عقوبة الإعدام (وتذكروا!) وعددا متفاوتا بشكل كبير من السجناء من المجتمع الأسود، لا بد من الإبلاغ عنه من الآن، وليس فقط خلال الأسابيع أو الأشهر المعدودة قبل أن يتحول تركيز كرة القدم العالمية إلى كأس العالم القادم.
سابقاً أعرب صحفيون عن مدى قلقهم بشأن حقوق الإنسان في قطر. وليس لديهم أي عذر في عدم إبدائهم استياءً أكبر إزاء غوانتانامو وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى التي ترتكبها الولايات المتحدة بشكل يومي. ينبغي استفسار «فيفا» من الآن حول منح البطولة القادمة للولايات المتحدة، بالنظر إلى سجلها المروع من الانتهاكات، بدءاً من الإبادة الجماعية لسكان أمريكا الأصليين من خلال العبودية والتفرقة العنصرية في كل شيء، عدا الاسم، حتى القصف المكثف لفيتنام وكمبوديا والعراق... ويمكن أن نضيف إلى ما سبق دعم واشنطن المطلق الذي لا يتم سؤالها عنه لنظام «إسرائيل» العنصري، الشبيه بجريمة ضد الإنسانية وجرائم حرب.
هل ستقطع «بي بي سي» بث مراسم الاحتفال في عام 2026؟! لقد استحوذت الولايات المتحدة بالفعل على نصيب الأسد في المنافسة العالمية، وسوف تستضيف 60 مباراة، بما في ذلك كل مباراة من ربع النهائي فصاعداً. أما جارتاها (كندا والمكسيك) فسوف تستضيف كلٌّ منهما فقط عشر مباريات. سيكون في الواقع كأس عالم أمريكياً بامتياز.
على المستوى الشخصي أشك في أن يتم ذكر غوانتانامو من قبل محللي ومعلقي التلفزيون، بمن فيهم لاعبو كرة القدم السابقون الذين كانوا سعداء بشكل مبالغ فيه بالتنديد بقطر، حتى أثناء استمتاعهم بالتسهيلات الفخمة التي قدمها مضيفوهم.
قد يرتدي اللاعبون الإنجليز -في حال تأهلهم- شارات برتقالية للإشارة إلى البدلات البرتقالية التي يرتديها معتقلو غوانتانامو ويقفون دقيقة صمت من أجل الرجال الذين لا يزالون يقبعون هناك. وفي واقع الأمر أنهم قد يبدؤوا ذلك في مباراتهم القادمة ضد إيطاليا في آذار/ مارس؛ فيتمكنون من التعبير عن احتجاجهم باكراً بواسطة الكرة.
طرح بعض رؤساء أمريكا، منهم باراك أوباما، فكرة إغلاق معتقل غوانتانامو خلال حملته الرئاسية الأولى. وقد أيده في ذلك معارضه السياسي الرئيسي المرشح الجمهوري الراحل جون ماكين، وهو أسير حرب سابق في شمال فيتنام. قال أوباما: «في الأروقة المظلمة لسجن أبو غريب في العراق وزنازين الاعتقال في غوانتانامو خالفنا أغلى قيمنا». وللأسف لم يفِ بوعده الانتخابي؛ لكن الحملة جارية للرئيس الحالي جو بايدن كي يقوم بها.
أنكر ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي السابق، وهو من المحافظين الجدد المتعصبين، الاتهامات بأن المعسكر كان -على حد تعبير أحد تقارير الصليب الأحمر- مكاناً لـ»أعمال مهينة». وقال عن السجناء: «إنهم يعيشون بطريقة مثالية؛ يتم إطعامهم جيداً، ويحصلون على كل شيء يريدونه. ولا يوجد دولة أخرى في العالم تعامل الأشخاص الذين عقدوا العزم على قتل الأمريكيين بالطريقة التي نعاملهم نحن بها».
رأيت بنفسي كيف كان حديث تشيني مجرد خداع بالفعل عندما سُمح لي بالقيام بجولة حصرية في أسوأ سجن في العالم قبل أكثر من عشر سنوات من أجل إنتاج فيلم وثائقي أنجزته مع المخرج ديفيد ميلر.
يكلف سجن غوانتانامو دافعي الضرائب الأمريكيين مبلغ 445 مليون دولار سنوياً، ولا يقوم بشيء يُذكر في سبيل العدالة. وفي حقيقة الأمر أنه وضع «في الخارج» عن عمد في بلد أجنبي، حتى يكون النظام القانوني الأمريكي بذلك منطقة رمادية، قد يطبقه أو قد لا يطبقه. وإنه يعد تذكيراً صارخاً بأن الحكومة الأمريكية مستعدة لاحتجاز الأشخاص ربما مدى الحياة ودون محاكمة. وما دام المعسكر مفتوحا لا يجب أن يسمح لأمريكا بالحصول على أي مناسبة ذات مكانة مرموقة في أي مكان مثل كأس العالم لكرة القدم ناهيك عن استضافة أي منها.
من الجدير بالذكر أنه على ما يبدو تم إعلان الإفراج عن 20 من أصل 35 شخصاً ما زالوا محتجزين في غوانتانامو؛ لكن ذلك لم يحدث فعلاً؛ فلا يزالون منفصلين عن عائلاتهم وأصدقائهم.
وفي الآونة الأخيرة تم إطلاق سراح البعض من مناطق الحرب، مثل اليمن، إلى بلدان ثلاثة على بعد آلاف الأميال من الوطن، وانغمسوا في مجتمعات تخشى وجودهم ولغتهم وثقافتهم العربية.
بفضل القيود الشديدة المفروضة على حركتهم، رغم عدم إدانتهم مطلقاً بأي جريمة، فإن السجناء السابقين محتجزون فعلياً في طي النسيان، ولم يتم إطلاق سراحهم مطلقاً، ولا يزالون تحت المراقبة.
إن الذكرى الحادية والعشرين لافتتاح غوانتانامو ليست مدعاة للاحتفال، بل إنها وصمة عار مستمرة للمجتمع الدولي، الذي يدعي دعم وتعزيز حقوق الإنسان، بما فيه الولايات المتحدة وكل ديمقراطية غربية أخرى. إذا كان «فيفا» قد تعلم شيئاً من كأس العالم في قطر، فيجب أن يكون إقامة البطولة التالية في 2026 في أمريكا هدفاً جاداً له، حتى قبل أن يتم ركل الكرة. لم يفت الأوان بعد لصنع تغيير. لنفعل ذلك.


* صحفية بريطانية وناشطة في حزب الاحترام، كانت قد أسرتها طالبان في عام 2001، ثم تحولت إلى الإسلام بعد الإفراج عنها، وأصبحت فيما بعد أحد كبار منتقدي الصهيونية وأشد منتقدي وسائل الإعلام الغربية في تصويرها للحرب على الإرهاب.