كيت كلارينبيرغ - ذا كرادل
الترجمة خاصة:زينب صلاح الدين / لا ميديا -
27 ديسمبر 2022
كشفت «ذا كرادل» في وقت سابق عمليات للبنتاغون تستهدف إيران على الشبكة العنكبوتية. وكان الهدف من هذه المحاولات الواسعة النطاق خلال عدة سنوات هو زعزعة استقرار الحكومة الإيرانية من خلال نشر مشاعر سلبية ضدها والتحريض عليها بواسطة مجموعة متنوعة من منصات التواصل الاجتماعي.
وقد اضطر هذا الانفضاح واشنطن إلى مطالبة البيت الأبيض بإجراء تدقيق داخلي لجميع «العمليات النفسية عبر الإنترنت». وظاهرياً كان ذلك ناتجاً عن مستوى عال من المخاوف من احتمال تشوه صورة «أرض الأخلاق العالية» واشنطن عند «الجماهير في الخارج».
تم الكشف عن التدقيق في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» أشارت تفاصيله إلى سبب مختلف تماماً. حيث ذكرت إحدى الفقرات أن ممثلي «فيسبوك» و»تويتر» كانا يبلغان البنتاغون بشكل مباشر متكرر طيلة سنوات عديدة بأنه قد تم كشف وتحديد جهود حربهم النفسية على منصاتهم.

تسليح مواقع التواصل الاجتماعي
وبشكل يبعث على الإحباط لم يكن التركيز حتى على كون هذه العمليات تجري في المقام الأول بل على مسألة ضبط البنتاغون أثناء القيام بذلك.
فعلى سبيل المثال اتصل مدير إداراة مكافحة التهديدات لـ«فيسبوك» ديفيد أغرانوفيتش -الذي قضى 6 سنوات في البنتاغون قبل عمله كمدير المخابرات في مجلس الأمن الدولي- بوزارة الدفاع في صيف 2020 محذراً زملاءه السابقين أنه «إذا استطاع الفيسبوك اكتشافهم يستطيع أعداء أمريكا أيضاً ذلك».
وقال شخص مطلع على المحادثة لواشنطن بوست: «كان يعني بذلك: تم القبض عليكم يا رفاق».
كان الاستنتاج الواضح من هذا المقتطف -والذي لم يلاحظه أي صحفي عادي في ذلك الوقت- هو أن موظفي الـ«فيسبوك» و«تويتر» يحتفون بقوة بمنصاتهم التي يتم تسليحها في حملات حرب المعلومات طالما ومجتمع المخابرات الأمريكية هو من يفعل ذلك وليس هم وتم كشفهم.
علاوة على ذلك أنهم -في حال تم كشفهم- فإن هؤلاء النجوم البارزين في الشبكات الاجتماعية يقدمون بسهولة نظرة ثاقبة حول مدى قدرة الأشباح الأمريكيين على تحسين أمن عملياتهم وحجب أنشطتهم بشكل أفضل عن الأعداء الأجانب. والشيء الذي لم يتم ذكره هنا هو أن هؤلاء «الأعداء» يشملون عشرات الملايين من الناس العاديين الذين يعتبرون هدفاً مطلقاً لتلك التحركات الخبيثة التي غالباً ما يكون فيها سكان غرب آسيا هم ضحاياها.

«الإدراج في القائمة البيضاء»
أكدت رسائل البريد الإلكتروني والوثائق الداخلية من «تويتر» والتي نشرها الصحفي لي فانغ آلان أن المدراء التنفيذيين لـ«تويتر» لم يوافقوا على شبكة حسابات التصيد والبوت* للبنتاغون فحسب بل قدموا أيضاً حماية دولية كبيرة لهم من خلال ما تسمى «القائمة البيضاء».
سمحت هذه الممارسة لحسابات القوى العظمى بأن تعمل بحرية مع الحصانة على الرغم من انتهاكها العديد من قواعد النظام الأساسي والتصرف بفظاعة. كما ضمنت حالة القائمة البيضاء هذه وبشكل فعال لهذه الحسابات الامتيازات الخوارزمية والتضخيمية للتحقق من «تويتر» بدون «الفحص الأزرق».
وكما ذكرت «ذا كرادل» مسبقاً  سعت هذه الحسابات على مدى أعوام إلى التأثير على التصورات والسلوك في كل مناطق غرب آسيا خصوصاً في إيران والعراق وسوريا واليمن. في حالات عديدة كان المستخدمون الذين يضعون ملفات صور شخصية مزيفة تماماً -تسخر من وجوه حقيقية- تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعية.

الهدف: غرب آسيا
في ما يتعلق بالأنشطة المسموح بها على «تويتر» ضد طهران تم تشكيل عدد من الشخصيات المختلفة لمهاجمة الحكومة الإيرانية من مختلف المنطلقات السياسية والعقائدية. فهذه لم تكن حساباتكم المعارضة المألوفة لقد كان الأمر أكثر تعقيداً. فقد تظاهر البعض بأنهم مسلمون محافظون شيعة ينتقدون سياسة الإدارة «الليبرالية» وتظاهر آخرون بأنهم متطرفون تقدميون يستنكرون «فرض الجمهورية الواسعة تطبيق الشريعة الإسلامية».
قام العديد من المستخدمين بتضخيم المعلومات المضللة لواشنطن والتي تنشرها خدمة صوت أمريكا باللغة الفارسية الممولة من الحكومة الأمريكية من بين عدد لا يحصى من منصات الدعاية الأخرى التي توجهها وتمولها أمريكا. وطوال الوقت كان كبار المسؤولين في «تويتر» على دراية بهذه الحسابات إلا أنه لم يقوموا بإغلاقها وعلى العكس قاموا بحمايتها.
لايزال تأثير التعاون بين «تويتر» والبنتاغون على التغريدات التي شاهدها المستخدمون حول العالم والتي لم يشاهدوها بعد غير معروف بعد لكنه على الأرجح خطير. وكان موظفو «تويتر» على علم بما كانوا يفعلونه.
ومثال على ذلك: في يوليو 2017 بعث مسؤول من قيادة البنتاغون المركزية لغرب آسيا وشمال أفريقيا برسالة عبر البريد الإلكتروني إلى الشبكة الاجتماعية يطلب فيها التحقق من «الفحص الأزرق» لأحد الحسابات وإدراج 52 حسابا في القائمة البيضاء والذي يستخدم لتكبير رسائل معينة.
كان المسؤول قلقاً من أن تكون بعض هذه الحسابات -القليل منها ممن قد بنى متابعين حقيقيين- لم تعد مجدولة في الهاشتاجات وقد طلب أيضاً «خدمة الأولوية» لعدة حسابات بما فيها «يمن كيوررنت» الذي كان يبث أخباراً عن ضربات الدرون الأمريكية في اليمن والذي تم حذفه منذ ذلك الحين. وقد أكد هذا الحساب مدى دقة هذه الغارات التي قتلت فقط الإرهابيين الخطيرين ولم تطل المدنيين أبداً. وهي السمة المميزة للترويج الحربي للطائرات بدون طيار الأمريكية.
وبطبيعة الحال فإن غارات الدرون الأمريكية عشوائية لكنها دقيقة. في الواقع تشير وثائق البنتاغون التي رفعت عنها السرية إلى «وجود قبول أساسي لخسائر جانبية حتمية» وأن الأبرياء تم قتلهم على حد سواء.
في العام 2014 تم حساب أنه في محاولة لقتل 41 شخصاً محدداً قتلت واشنطن 1147 شخصا من بينهم الكثير من الأطفال أي بمعدل 28 قتيلا مع كل شخص مستهدف.

السلوك المضلل والخداع والبريد العشوائي
في يونيو 2020 أدلى المتحدث باسم «تويتر» نيك بيكلز بشهادته أمام لجنة المخابرات بمجلس النواب الأمريكي بشأن الجهود الحثيثة التي تبذلها الشركة لإنهاء أي وكل مجهود «التلاعب المنسقة مع المنصة» من جانب دول الأعداء المعادية، مشيراً إلى أن هذه الجهود كانت الأولوية القصوى لموظفي الـ»تويتر».
هنا مقتطف من حديثه: «هدفنا هو إزالة الجهات الفاعلة ذات النوايا السيئة وتعزيز الفهم العام لهذه الموضوعات المهمة. يعرف «تويتر» عمليات المعلومات المدعومة من الدولة على أنها جهود تلاعب منسقة بالمنصة يمكن أن تنسب بدرجة عالية من الثقة إلى الجهات الفاعلة التابعة للدولة».
«عادة ما ترتبط عمليات المعلومات المدعومة من الدولة بالسلوك المضلل والخداع والبريد العشوائي. تميز هذه السلوكيات السلوك المتلاعب المنسق عن الكلام المشروع نيابة عن الأفراد والأحزاب السياسية».
ومع ذلك في الشهر التالي تم دعوة مدراء «تويتر» التنفيذيين لحضور جلسات إيجاز سرية في منشأة معلومات مجزأة حساسة لمناقشة الدفاع عن أنشطة المواقع الاجتماعية المنسقة والمتلاعبة للبنتاغون.
أشارت محامية «تويتر» آنذاك ستاشيا كارديل في رسالة بريد إلكتروني داخلية إلى أن «البنتاغون قد يسعى إلى تصنيف أنشطته الخبيثة على الإنترنت بأثر رجعي لتمويه نشاطه في هذا الفضاء وقد يمثل هذا تصنيفاً مبالغا فيه لتجنب الإحراج».
ثم ذكر جيم باكر الذي كان في حينها نائب المستشار العام لـ«تويتر» وأحد المحنكين في مكتب التحقيقات الفيدرالي أن وزارة الدفاع قد وظفت «المهنة السيئة» في إنشاء العديد من حسابات «تويتر»، وهي الآن تغطي خداعها من أجل منع أي شخص من اكتشاف المستخدمين العديدين المرتبطين ببعضهم البعض أو بالحكومة الأمريكية بطريقة أو بأخرى. وتكهن قائلاً: «قد ترغب وزارة الدفاع في إعطائنا جدولاً زمنياً لإغلاقها (الحسابات) بطريقة مطولة بحيث لا تؤثر على أي عمليات جارية أو تكشف عن صلاتها بوزارة الدفاع».

حرية التعبير المطلق
لذلك كانت الحسابات المخترقة هي التي سمح لها بالبقاء نشطة ونشر معلومات مضللة وتضليل العقل الجماعي على الدوام حتى إن البعض لايزال موجوداً حتى يومنا هذا.
وعلى أقل تقدير يمكن القول بأن المسؤولين التنفيذيين في «تويتر» كانوا يدركون جيداً أن دعمهم المتلهف والمتحمس للبنتاغون لن يتم الترحيب به إذا ما تم نشره.
قبل وقت قصير من تقرير «واشنطن بوست» الصادر في سبتمبر بشأن مراجعة وزارة الدفاع لهذه الأنشطة تم تنبيه محامي «تويتر» وجماعات الضغط من قبل مدير شركة اتصالات بشأن الكشف القادم.
وبعد نشر قصة «بوست» هنأ موظفو «تويتر» أنفسهم على مدى فاعلية الشركة في إخفاء دورها في التستر على أفعال القيادة المركزية الأمريكية؛ حيث شكر أحد مسؤولي الاتصالات مجموعة من المديرين التنفيذيين على بذلهم كل ما في وسعهم لإدارة هذا، مشيراً بارتياح إلى أن القصة «لا يبدو أنها تحظى باهتمام كبير».
لولا سلسلة ملفات «تويتر» التي تم الكشف عنها منذ أن تولى إيلون ماسك إدارة الشركة بشكل مثير للجدل لكان من المحتمل أن تظل هذه الأسرار المشينة والمظلمة مدفونة إلى الأبد. ويجب الآن الكشف عن تآمر الشركة مع وكالات الاستخبارات الأمريكية والتعاون المماثل والمتزامن لكل شبكة اجتماعية كبرى بالكامل.


* المتصيد هو الشخص الذي يشرع عن قصد بخلق نزاع على الإنترنت أو مهاجمة المستخدمين الآخرين لزرع الانقسامات بين مجتمع ما عبر شبكة التواصل الاجتماعي.
* البوت هو حساب أوتوماتيكي على وسائل التواصل الاجتماعي تديره خوارزمية وليس شخصاً حقيقياً.
* «ذا كرادل» منصة إعلامية أمريكية يقودها الصحفيون توفر تغطية عميقة وتحليلاً للجغرافيا السياسية لغرب آسيا من داخل المنطقة.