«مرآة الجزيرة»
طالت آثار العدوان السعودي على اليمن كافة مناحي حياة اليمنيين، حتى بلغت حدّ المساس بالإرث التاريخي في واحد من أغنى البلدان بالمواقع الأثرية الفريدة التي قامت عليها أكبر الحضارات الإنسانية في اليمن القديم.
تأتي قيمة اليمن التاريخية من أنه أرض ازدهرت عليها حضارات مختلفة، امتدت لأربعة آلاف عام، وبها شواهد وآثار على الحقب المختلفة التي مرت على أرضه، منها السدود والقصور والمعابد والأسوار والتماثيل والمساجد والقلاع والحصون وغيرها. ومن أشهر الممالك اليمنية القديمة مملكة سبأ في مأرب، ومملكة معين في الجوف، وقتبان في بيحان، وأوسان في مرخة، وحضرموت في شبوة.

نهب وتهريب بأيدي العدو ومرتزقته
أكد المدير التنفيذي لمركز الهدهد للدراسات الأثرية، الدكتور فهمي الأغبري، أن تحالف العدوان وعلى مدى أكثر من سبعة أعوام تعمد استهداف المواقع الأثرية بغاراته الجوية، وإطلاق أيدي مرتزقته لنهب وتهريب القطع الأثرية.
وفي تقرير يوثق عملية سرقة الآثار اليمنية وبيعها في المزادات الدولية، أوضح مركز الهدهد للدراسات الأثرية أن أكثر من 4265 قطعة أثرية مهربة بيعت في 6 دول، هي أمريكا عبر 5 مزادات، بريطانيا (4 مزادات)، فرنسا (3 مزادات)، والكيان الصهيوني (بمزادين)، ومزاد واحد في كل من ألمانيا وهولندا.
وكشف أن عدد القطع المباعة والمعروضة خلال فترة العدوان بلغ أكثر من 2610 قطع، حلت أمريكا في المركز الأول بـ2167 قطعة أثرية، ثم هولندا، وفي المركز الثالث الكيان الصهيوني بـ501 قطعة أثرية.
وأشار إلى أن عدد القطع الأثرية المباعة خلال فترة العدوان على بلادنا بلغ 2523 قطعة بلغت قيمتها التقديرية 12 مليون دولار.
ولفت إلى أن من القطع التي رصدها التقرير قطعاً وصل سعرها إلى أكثر من 800 ألف دولار، مثل مخطوطة تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي.
وأوضح مركز الهدهد أن الإحصائيات الأولية لنماذج القطع الأثرية شملت 7 متاحف عالمية تضم 1384 قطعة أثرية.

الإمارات تنهب مئات القطع الأثرية
في عام 2021 كشف اليمن أن الإمارات سرقت مئات القطع الأثرية اليمنية بعد أن سرقت خلال الأعوام الماضية كثيراً من قطع الآثار اليمنية. بالتزامن طرحت صالة عرض “بركات غاليري”، ومقرها لندن، مجموعةً من القطع الأثرية اليمنية للبيع عبر موقعها في شبكة الإنترنت.
وبحسب موقع “بركات غاليري”، فإن التّحف تضم تماثيل ورؤوساً وأشكالاً متعدّدة معظمها مصنوع من المرمر وتعود إلى الحقبة السبئية وأسعارها تبدأ من أربعة آلاف دولار بينما أُخفيت أسعار بعضها.
وأكّد الموقع أن الآثار المعروضة للبيع توجد في عدة دول، أبرزها الإمارات والولايات المتحدة، بالإضافة إلى بريطانيا، ويبلغ عددها 28 قطعة على الأقل بين تماثيل ومنحوتات وألواح عليها كتابات مسمارية بخط المسند.

آثار يمنية في “تل أبيب”
في العام نفسه (2021) أظهر موقع لبيع الآثار والتحف الفنية المئاتِ من القطع الأثرية المهرَّبة من اليمن معروضة للبيع في عاصمة كيان العدو الصهيوني ومدن أوروبية متعدّدة.
وأظهرت بيانات موقع “لوت آرت” أكثر من 545 قطعة أثرية مصدرها اليمن بيعَت عبر الموقع وبواسطة وكلاء متعدِّدين من الإمارات والسعودية. كما أظهرت البيانات العشرات من القطع الأثرية معروضة للبيع لدى الكيان الصهيوني.
وتوجد أربعة مواقع يمنية مسجلة في قائمة منظمة “اليونسكو” للتراث الإنساني والطبيعي العالمي، وهي: مدينة صنعاء التاريخية، مدينة زبيد، مدينة شبام حضرموت، وجزيرة سقطرى. المدن الثلاث تم وضعها -للأسف- في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، في ظل ما تعرضت له قبل وخلال الحرب من مخالفات تهدد نسيج تراثها المعماري.

تهريب أكثر من مليون قطعة
وصدرت بيانات من منظمات دولية خلال الحرب تطالب أطراف الصراع بحماية التراث الثقافي، وتجنيب المواقع التاريخية والثقافية أي عمليات عسكرية.
ولم تعد الحال تقتصر على نبش ونهب وسرقة وتهريب الآثار، بل تمتد إلى وجود متاجر يمنية لبيع الآثار.
وسبق أن طالبت صحف أمريكية كـ”واشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” وزارتي الخارجية والخزانة باستخدام سلطتيهما لإغلاق سوق الفن الأمريكية في وجه المقتنيات الأثرية اليمنية.
وكان باحث أمريكي كشف أن أكثر من مليون قطعة آثار يمنية تم تهريبها من البلاد، مؤكداً تورُّط باحثين ومستشرقين ودبلوماسيين بعمليات التهريب.
وأكد الباحث الأمريكي المتخصص ألكسندر ناجيل، أنّ معظم المستشرقين الذين زاروا اليمن منذ مدة طويلة، وخصوصاً من أمريكا، كانوا يقومون بأعمال دراسات وتنقيب؛ لكنهم “كاذبون، فهم تجار آثار”.
وأضاف الباحث الأركيولوجي الأمريكي من مؤسسة “سميثسونيان” (متحف التاريخ الطبيعي في أمريكا)، خلال ورشة مكافحة الاتجار غير المشروع بالموروث الثقافي التي عقدتها منظمة اليونسكو في جيبوتي، أنه تم تهريب أكثر من مليون قطعة آثار يمنية، وأن من زاروا اليمن من المستشرقين وعلماء الآثار لديهم متاحف من الآثار اليمنية تقدَّر بملايين الدولارات.

تدمير متعمد للتراث التاريخي
وفي السياق، قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن حصن “كوكبان”، الذي نجا من حروب القرن الثاني الميلادي التي خاضها الأيوبيون في اليمن ومن حروب المصريين والعثمانيين في الماضي، ظل صامداً حتى شباط/ فبراير 2016، مشيرة إلى أن الطائرات الحربية السعودية قصفته بـ4 صواريخ حطمت بوابته التاريخية وقتلت 7 أشخاص وحولت المنازل التاريخية إلى كومة من التراب.
ولفتت الصحيفة إلى أن الحرب التي تخوضها السعودية في اليمن بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية تهدد مستقبل اليمن، بعدما تحولت المصانع والمستشفيات ومحطات الطاقة في العديد من أرجاء البلاد إلى ركام، مشيرة إلى أن اليمن تعرض لحروب عدة في السابق؛ لكن أياً منها لم يترك دماراً مثل الذي خلفته الحرب الحالية.
ولفتت الصحيفة إلى أن متاحف اليمن تمت سرقتها، وبعض الأماكن التي تصنفها منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (اليونسكو) بأنها تراث تاريخي فريد تعرضت لقصف الطائرات الحربية، مشيرة إلى أن القصف السعودي لأماكن تمثل جزءاً من تاريخ اليمن ومصدراً لفخرها يعد إهانة بالغة ويؤدي إلى تقويض قدرة اليمن على النهوض وإعادة البناء.