حامد جوينة / لا ميديا -
بـ«خولانَ عامرَ»
حيثُ الجبالُ قوالبُ حلوى
وحيثُ الحقولُ قواريرُ عطرٍ
وحيثُ السواقي نَبيذٌ
وحيثُ السماواتُ مَطليَّةٌ بالغمامِ
ومنقوشةٌ بالحَمامِ
وحيثُ الشبابيكُ تَحكي عيونَ الهيامى
وكلُّ البيوتِ قصائدْ
تركتُ هنالك أشجارَ قلبي
على ماءِ غُدرانِها تَتَغذَّى...
لهذا، برغمِ المَدى ما ذَبَلْتُ
فلا أكتبُ الشعرَ إلا وتنفحُ مِن تحتِ جِلْديَ
رائحةُ السَّيْسَبانِ وخمرُ العناقيدِ
لا أقرأُ الصُّبْحَ
إلا وتَهمي نوافيرُ ذاكرتي بأغاني الرُّعاةِ
وبوحِ المشاقرِ
لا ينزلُ الليلُ ضيفاً على العُمْرِ
إلا وصَبّتْ جفونيْ لِضَيْفيَ فنجانَ «قِشْرٍ»
وقدّمتُ بين يديه «حلاوى» القمرْ
***
بـ«خولان عامر» 
حيثُ المُزارِعُ لا يتَبَنَّى العصافير
يُطعمُها قبْلَ أولادِهِ
ثمّ يخلعُ أحلامَهُ ريشةً ريشةً فوقها
ولِوَجْهِ الحياةِ يحرِّرُها
وتعودُ إلى كتِفيهِ
لكثرةِ ما صار بينهما من صِلةْ
وكلَّ صباحٍ وكلَّ غروبٍ
يُحَنِّي حمائمَهُ الزُّرْقَ بالذُّرَةِ المُرسَلةْ
ويملأ جيبَ الحياةِ زبيباً وتَمْراً
ويزهرُ للعابرينَ ابتسامةْ
***
أيا قلبُ ما لَكَ تركضُ نحو حقولِ الطفولةِ
كيف تذكّرتَ بين غبارِ الخرابِ
شذا البنّ
رائحةَ الطِّينِ
صوتَ الرعاةِ
وأغنيةً جدّتي ألّفتْها لقِطّتِها
حين كانت تداعبُها لتنامْ؟!
تبخّرَ همُّكَ!
كيف؟!
متى؟!
إنَّ في داخلي خنجراً نافثاً لسمومِ الخرافةِ
في كبدي طعنةً بيدِ الليلِ
في جسدي سرطاناً يُقال له «وعدُ بلفور»!
أدري بأنّي جمعتُ النقائضَ مثل بلادي اليمنْ
وقاومتُ -مثلَ الجبال التي اكتَنَفَتْنيَ- المحنْ
وليس سلاحي سوى قبضةٍ مِن زمنْ
وأنِّي أخٌ للبراكينِ...
جمجمتي لهبٌ يتطايرُ منها «أرسطو» و»عَبْهَلَةٌ» و»جِيفارا» و»وضاحُ»...
جدُّ التَّنانينِ جَدِّي
ولكنه مثلما نسمات الربيعِ
على «قاع جَهْرانَ» عند الصباحِ
يصافحُ -قبل الجبالِ- بيوتَ الغلابى
الذين يفيقونَ قبلَ العصافيرِ
كي يوقظوا الأرضَ والكائناتِ
وينغمسوا في غمارِ الحياةِ!