نشوان دماج / لا ميديا -
باستثناء مصطلحات «حداثية» نُثرت هنا وهناك، لم يفعل مروان الغفوري في (مقاربته) «علي والأشتر.. التعاقد مع الشيطان» سوى أن نقل ما قاله ابن تيمية، وبطريقة شوهاء وأكثر مجاجة.
ومثلما أن ابن تيمية قال ما قاله نكاية لا أكثر بفئة ما، فإن مروان الغفوري قال ما قاله نكاية هو أيضا بفئة ما. وتظل القراءة التاريخية بين نكايات ونكايات بحاجة إلى طبق ضحك يخفف من سقم كتابات بهذا القدر من التفاهة.
نسي فقط أن يضيف أن علياً حفيت أظافره وهو يتسلق الجدران متلصصاً على نساء النبي، وهي الرواية التي أوردها ابن تيمية في بعض كتبه، وربما أن الغفوري يدخرها لـ»مقاربة» أخرى، إن كان قد عثر عليها. من يدري؟!
مروان الغفوري يريد أن يقدم نفسه على الدوام ليبراليا أو مثقفا نوعيا باعتباره قرأ من الروايات الكثير والكثير. لم يعد لديه إشكالية في مسألة الدين برمتها، فهو لا يهمه شيء في النهاية. لكن عند المسألة التاريخية المتعلقة بفترة ما بعد السقيفة فإنه يلبس من حيث لا يدري لحية الزنداني التي يعتقد أنه قد تحرر منها، ويكون قد أخذ دورا مغاليا لا علاقة له بأي مقاربة علمية.
إذا كان هجوم ابن تيمية على الإمام علي من منطلق “سني” يرد على “شيعي”، فيمكن تسويغ الأمر باعتبار الحراني صاحب فتاوى ستجعله يتصدر المشهد الديني في النهاية بلقب “شيخ الإسلام”، أما مروان الغفوري فشخص لا علاقة له حاليا بدين ولا بتاريخ أصلا، بل لقد أصبح، بعد تركة إخوانية زندانية ثقيلة، من أكثر المتفلتين، باعتباره أصبح ليبراليا ينظر إلى يومه وغده، أما أمسه فلا شأن له به، إلا ربما في ما يخص الأقيالية مقابل القريشية.
لكن مروان الغفوري، وهو القيل الكبير، وربما أحد رواد حركة الأقيال التي ستعيد المجد لليمنيين من مرحلة سبقت قريشاً بكثير، لا يعرف من هو الأشتر، وإلا ربما كان سيخفف من غلوائه تجاه الرجل باعتبار الأشتر من منظور الغفوري وإخوانه (مثل كان وأخواتها) قيلا هو أيضا. فهو من قبيلة يمنية، مثلما الغفوري تماما، وكان يعنيه أمر اليمنيين تماما مثلما يزعم الغفوري بأنه يعنيه، فكيف اعتبره “قاطع طريق” لمجرد أنه وقف مع علي؟! عمار بن ياسر ألم يقف مع علي هو الآخر؟! أليس “قَيلا”ً هو أيضا؟! إلا إذا كانت إمائية أمه تُسقِط عنه تلك الحظوة عند الغفوري، فنراه يقول عنه هو أيضا بأنه ابن السوداء. ولن نعدم الصواب لو قلنا إن تسعين في المائة من جيش علي كانوا يمنيين، أي من “الأقيال”. فهل هؤلاء هم قطاع الطرق الذين يقصدهم الغفوري؟!
أما أمر محمد بن أبي بكر إلى من مال ومع من وقف، فلنتركه جانباً لكونه شأنا قرشيا، فالرجل في النهاية ابن خليفة قرشي وربيب “قاطع طريق” قرشي، بحسب طرحك يا غفوري، فلا شأن للأقيال به إذن، ولا بقريش، بل إن الأقيالية هي مرحلة سابقة لقريش والأكثر ترشحا للوقوف في وجهها.
دفاع الغفوري عن الخليفة الثالث عثمان، لا يجعله يقف على مقاربة علمية كما قال إنه سيفعل، بل جعل الأمر كله محسوما مسبقا، أن هناك حقا وباطلا، ومن وجهة نظره لا بد أن يكون الباطل إلى جانب علي.
الحوثيون ليسوا عليا، حتى تأتي إلى سياق لا علاقة لك به من قريب أو بعيد، وتصب جام غضبك منهم على شخصية تاريخية تجهلها تماما. بالتالي إن كان حديثك عن علي بهكذا طرح تلفيقي وهكذا مغالطات هو فقط للنكاية بالحوثيين، فتأكد أن طرحك هذا هو في صالحهم.
وإن كان ما طرحته بغرض الشهرة ولفت الأنظار، فأعتقد أن هناك سبلا أخرى أكثر جدوى بالنسبة لليبرالي متحرر مثلك، لنيل شهرة أكبر، كلبس مايوه مثلا في شاطئ، أو التقاط صورة مع حاخام زار مكة أو دبي، أو غيرها من السبل التي لن يعدمها ليبرالي. أما أن تقدّم كل هذا الترقيع والتلفيق وتسميه مقاربة علمية فتلك مسألة تفصح عن تشنج كبير تعيشه تجاه الحوثيين وتريد التعبير عنه بوسيلة ما، فلجأت إلى أسهل الوسائل وهي عض الأنامل على علي، كما عضها قبلك ابن تيمية. وكان الأحرى بك أن تعبر عن تشنجك تجاههم بالذهاب إلى أقرب جبهة، وقتالهم بكل ما لديك من ليبرالية قيلية.
المشكلة أن كل الردود التي ضمتها منشوراتك هي من ذات الطينة التي جعلتك تكتب ما كتبت. وربما أنك استمتعت كثيرا بها، كونها أشبعت شهوتك للشهرة. فليس ثمة أدعى لشهرة المرء من بذاءة يتلقاها من أمثاله.
لكن دعنا نناقش الأمر في ضوء مقاربتك العلمية:
قلت عن علي إنه كان المحرض الأكبر والأول على قتل عثمان، وهذه مغالطة كبرى لم يجترئ عليها حتى ابن تيمية نفسه، فالأخير يعترف بأن المحرضين الرئيسيين هم من يعتبرهم رؤوسا له، باعتبارهم صحابة قرشيين. والتاريخ حتى في أقصى تعصبه لم يشهد موقفا محرضا من قبل علي ضد عثمان. فمن أرسل ابنيه لحراسة الخليفة لم يكن طلحة ولا الزبير وإنما علي، ومن قتله مروانُ بن الحكم ثأرا لعثمان في معركة الجمل، وهما يقاتلان في صف واحد وتحت راية واحدة، لم يكن “علي” وإنما طلحة. وكان من المفترض بمقولة مروان بن الحكم لو قرأتها أو سمعت عنها يا مروان بن الغفوري، وهو يرى سهمه قد نشب في صدر طلحة قائلا: “اليوم أنهيت ثأري من قاتل ابن عمي” (يقصد عثمان)، كان يفترض بها أن تجعلك تعرف من هم المحرضون الحقيقيون على عثمان، إن لم يكونوا هم قَتَلَتَه. كما أن “نعثل” و”قتل الله نعثلا” و”اقتلوا نعثلا فقد كفر” لافتات لم يكن علي هو من رفعها للتثوير على عثمان وإنما عائشة.
أما تغنيك بيمنية معاوية بن حديج، المشكوك فيها أصلا (جاء في “أسد الغابة” لابن الأثير: السكوني، وقيل: الكندي، وقيل: الخولاني، وقيل: التجيبي، والصواب إن شاء الله: السكوني، ومثله نسبه ابن الكلبي... وجاء في “الإصابة” للعسقلاني: بمهملة ثم جيم مصغرا، ابن جفنة، من تجيب، أبو نعيم، ويقال أبو عبدالرحمن السّكوني. وقال البخاريّ: خولاني- نسبه الزهري، يعد في المصريّيـــن. وقال البغــويّ: كان عامل معاوية على مصر... وفي “الاستيعاب” لابن عبدالـبر:... السكوني وقــــد قيل: الكندي. وقد قيل الخولانيّ وقيل التجيبي. والصـواب إن شاء الله تعالى السكونـي. وبالتالي من يقال عنه هكذا فمن الأحرى التوقف عنـد مسألة نسبه، لكن لا بأس طالما أنه “فاتح إفريقية” وجـزء كبير من إسبانيا)، وغمطك ليمنية الأشتر “قاطع الطريـق”، بحسب وصفك، فاعلم أن قاطع الطريق هذا، هو من رؤوس وسادات مذحج، يا أيها التعزي المذحجي “الأصيل”. ومن يكن رأساً لقبيلة كمذحج لا يمكن أن يكون قاطع طريق. أما التي تقول عنها “فتوحات إفريقية” وأن معاوية بن حديج أحد أعمدتها، فإنها لم تتجه نحو الداخل الإفريقي وإنما اكتفت بالبياض الناعم على أطراف الساحل الشمالي، أما السواد الخشن في الداخل جنوباً، فلم يحدث أن رأينا الفاتحين في كينيا أو نيجيريا أو موزمبيق، لأن هؤلاء ببساطة سود وليسوا من بني الأصفر، ولا بناتهم شقرا ذوات أعين خضراء فنرى معاوية الفاتح يأبه لهم ولـ”إدخالهم الإسلام”.
كما أن قتله لمحمد بن أبي بكر ليس فخرا حتى تجعله انتصارا عظيما، ويكفي ما قاله معاوية هذا نفسه لمعاوية الآخر، عندما سأله: ما الذي جرأك على قتل ابن أبي بكر، فأجابه: الذي جرأك على قتل حجر بن عدي. وبالمناسبة، حجر بن عدي الذي قتله معاوية الآخر هو قيل يماني كبير من قبيلة كندة. لكن لا يهم طالما أن ثمة معاوية هنا ومعاوية هناك. لكأن عشقك فقط لاسم معاوية يجعلك تفقد توازنك. وتلك مسألة أنت أدرى بنفسك من غيرك في أمرها.
وما قلته عن “الهراء” الذي لم يلتفت إليه معاوية بن حديج (لكونه يرى أن هناك ما هو أكثر أهمية منه)، عند حديث الحسن بن علي له عــــن أمر “الحوض”، فذاك أمر طالما كنت تؤمن به وتردده على مـا أظن سنوات بأكملها (أيام كنت مقدماً التوبة وإصلاحيا عتيدا) وبعد كل أذان: “وأعطـــــه الحوض المورود الذي وعدته”، قبل أن تختم دعاءك الحفي بـ”إنك لا تخلف الميعاد”. وبالتالي هذا “الهراء” كما تسميه صادر عن النبي نفسه وعليك أن تقول ذلك الكلام له هو، فهو من أمر الناس بأن يقولوه، وألا تلوم من صدقوه فقالوا مثلما أمرهم.
وأما مقتل “قاطع الطريق” (الأشتر) فلا أظنك تجهل كيف كان ومن المدبر وكيف تحالف على قتله القس والكاهن قبل الخليفة والأمير.
ولا أدري من هو قاطع الطريق الحقيقي حين ذكرت قصة “الملطاط”؛ هل الأمير الأموي نفسه الذي ولاه عثمان وأراد سواد العراق له، بالقول: “إنما هذا السواد بستان قريش”، حسب تعبيره، أم سكان البلد (الكوفة) مِن قبائلك اليمنية الذين منهم الأشتر الذي قلت عنه إنه كان شريدا طريدا. وأما الذي جعله شريدا طريدا فهو أمير الشام معاوية الأموي بأمر من الخليفة عثمان الأموي، فلا “تملطط” وتجعلنا ننعث التاريخ لتقرأه أنت وأمثالك قراءة متزنة، أولها من ولى بني عمه وبني قُرَيشه على غيرهم وجعلهم هم الأمراء وقادة الجيوش، ومن الذي انتصف لغير القرشيين وجعلهم قادة وأمراء على الأمصار، فلا تحرف القضية واسأل التاريخ جيدا عمن ولى بني فلان وعلان على رقاب الناس.
ذكرت خالد بن الوليد في معرض حديثك عن “فتح” مصر، فأرجو أن تراجع معلوماتك جيدا، أو على الأقل انظر هل ذكره ابن تيمية ضمن “فاتحي مصر” أم اشتبهت عليك الأحداث والأسماء.
أما قولك بأن عليا وصف الأشتر أو أطلق عليه لقب “سيف الله المسلول”، فأنت أدرى بمن أطلق ذلك اللقب وعلى من. ربما يزعجك أن الخليفة الأول هو من أطلقه على شخص من المحتمل أنه قاتل جدك عبهلة في معارك سميت “حروب ردة”. كذلك لا تنس مقررك في السادس الابتدائي في مادة القراءة لتحاول إلصاق ذلك اللقب بمن لا “يستحقه”.
وأما تغنيك بـ”الحضارة العربية” فهي بحسب منطقك ليست عربية على الإطلاق؛ وذلك لأنكم معشر الأقيال سوف تخرجون منها تماما، إذ لم تكونوا فيها ولا دوركم بها إلا أنكم مجرد عساكر عند الخليفة الأموي القرشي أو الخليفة العباسي القرشي، وبالتالي هي “حضارة” قرشية بامتياز وفق منطقك؛ فكيف تتحدث بكل هذا الزهو وأنتم مجرد عساكر لا أكثر. هذا إذا تجوزنا أنها كانت حضارة فعلا؛ وإلا فأي حضارة هي تلك التي جاءت كل إبداعاتها من غير بني جلدتها، فيما بنو جلدتها مشغولون بالخصيان والغلمان والجواري والإماء والسبايا؟!
وأما كون علي لم يشترك في أي حرب من حروب ما بعد وفاة النبي، فذاك مدح من حيث أردته ذماً، لأن تلك الحروب ليست مشرفة أصلا، بل هي بمثابة عسكرة للإسلام وإخراج له من كونه قيما ودينا إلى كونه إمبراطورية “حالمة” كمدينتك. بل إنكم لتزعمون يا معشر الأقيال بأنها كانت حروبا ظالمة، بدءاً بيمنكم الذي نكلت به السلطة القرشية منذ الوهلة الأولى، وكان أول ضحاياها قيلكم الكبير عبهلة العنسي الذي تتغنون بمآثره ضد السلطة القرشية.
وأما استشهادك بالتاريخ الكبير للبخاري في معرض حديثك عن “لصوصية” الأشتر وموقفه مع “صفية” زوجة النبي، فكان من المفترض بك أن تورد النص كاملا حتى نعرف عن أي لصوصية تتحدث. لكن سأورده أنا: عن كِنَانَة مولى صفية أم المؤمنين قَالَ: “كُنْتُ أَقُودُ بِصَفِيَّةَ لِتَرُدَّ عَنْ عُثْمَانَ فَلَقِيَهَا الأَشْتَرُ فَضَرَبَ وَجْهَ بَغْلَتِهَا حَتَّى مَالَتْ فَقَالَتْ: رُدُّونِي لا يَفْضَحُنِي هَذَا. قَالَ الْحَسَنُ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ وَضَعَتْ خَشَبًا مِنْ مَنْزِلِهَا وَمَنْزِلِ عُثْمَانَ تَنْقُلُ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ”. إذن لم يكن ثمة أي موقف لصوصي من قبل الأشتر وإنما فيه فضح لصاحبة البغلة بتمالئها سرا، حسب تعبيرها هي “لا يفضحني هذا”. وأما تعرضه لزوجة النبي الأخرى فاسأل من أخرجها إلى ذلك المكان وفوق ذلك الجمل ولمصلحة من. فهي حسب قولك خرجت تطالب بدم عثمان الذي كانت تسميه “نعثل”، حتى إذا قتل ولم يستتب الأمر لطلحة ابن العم (ذي الإصبع)، قالت إنه قتل مظلوما ليقول لها قائلهم:
فَمِنْكِ الْبَدَاءُ وَمِنْكِ الْغِيَرْ
وَمِنْكِ الرِّيَاحُ وَمِنْكِ الْمَطَرْ
وَأَنْتِ أَمَرْتِ بِقَتْلِ الإِمَامِ
وَقُلْتِ لَنَا إِنَّهُ قَدْ كَفَرْ
فَهَبْنَا أَطَعْنَاكِ فِي قَتْلِهِ
وَقَاتِلُهُ عِنْدَنَا مَنْ أَمَرْ
أما تعاقد علي مع “الشيطان” فلا ندري من هو ذلك “الشيطان” الذي تعنيه. فإن كان هو الذي في الموروث الديني فأنت لعمري لا يعنيك الله من الأساس فكيف سيعنيك الشيطان؟! وإن كنت تقصد به من تحالف مع علي فإن “الشيطان” هنا سيكون الأقيال اليمنيين لا غيرهم، من أنصار ومذحجيين وكنديين وأزديين وهمدانيين وياميين وغيرهم. فهؤلاء هم الذين تعاقد معهم علي؛ فهل هؤلاء هم “الشيطان” الذي تعنيه؟! إن كانوا هم فاكفنا التغني بيمنيتك أنت أيضا.