كين كليبينشتاين - «ذا إنترسبت»
ترجمة خاصة:زينب صلاح الدين / لا ميديا -
لقد دفع خصامٌ بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبايدن بأسعار الغاز إلى أعلى المستويات. وكان ذلك الخلاف قد بدأ في عهد أوباما.
قفزت أسعار الغاز إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من سبع سنوات مباشرةً بعد أمر روسيا قواتها بغزو أوكرانيا يوم الاثنين. وبينما ركزت وسائل الإعلام على تغطية الصراع في أوكرانيا؛ تم تجاهل المتسبب الرئيس في ارتفاع أسعار النفط، حيث نمت شراكة موسكو مع السعودية فجأة في السنوات الأخيرة بحيث ضمن ذلك لأكبر منتجي النفط في العالم قدرة غير مسبوقة على التلاعب بقرارات تصدير النفط. وفي هذه الأثناء بحسب تصريحات الملك السعودي فإن شراكة مملكة الصحراء مع الولايات المتحدة قد انخفضت كما ظهر في بداية هذا الشهر عندما طالب الرئيس جو بايدن السعوديين بأن يرفعوا إنتاج النفط، وهي خطوة لم تكن لتساعد فقط على تخفيف التضخم وارتفاع أسعار الغاز فحسب، بل وكان من شأنها أيضاً تقليص المكاسب الفاحشة التي قد تظفر بها روسيا من عدوانها على أوكرانيا.
ازدهرت العلاقات السعودية الروسية في عهد الحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد محمد بن سلمان الذي كان أول لقاء رسمي له لقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صيف 2015. بعد ذلك تابع محمد بن سلمان لقاءاته بعد رفض الرئيس باراك أوباما مقابلته، بحسب ما علمت به "ذا إنترسبت" من مصدرين تم منحهما حق عدم ذكر اسميهما لوصفهما نقاشات حساسة.
ونظراً لرفض بايدن الحالي مقابلة محمد بن سلمان لتورطه في جريمة القتل البشعة بحق الصحفي جمال خاشقجي، قد يرى ولي العهد مرة أخرى صديقاً له في موسكو يستفيد بكل ما تعنيه الكلمة من رفض محمد بن سلمان زيادة إنتاج النفط. ولقد برزت للعامة بين الحين والآخر علامات استياء محمد بن سلمان من رفض بايدن مقابلته كما فعلوا العام الماضي عندما ألغى ولي العهد اجتماعاً مع وزير الدفاع لويد أوستن بإشعار قبل يوم واحد، وآثر مقابلة ليونيد سلوتسكي بدلاً منه: مشرع روسي كبير ورفيع كان قد عوقب من قبل الولايات المتحدة على دوره في غزو روسيا لكريميا عام 2014. ووفقاً لما ذكره مسؤولون رفيعو المستوى نقلاً عن زميل في مجلس العلاقات الخارجية مارتن إنديك في مجلة الشؤون الخارجية فإن محمد بن سلمان ألغى زيارة أوستن لأنه كان ينتظر مكالمة من الرئيس قبل الرد على طلب الإدارة.
وذكر الزميل البارز في معهد بروكينغز والمحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) والخبير في شؤون الشرق الأوسط، بروس ريدل، في رسالة بريدية للإنتر سيبت: "لدى بوتين ومحمد بن سلمان الكثير من القواسم المشتركة التي منها تصفية منتقديهما في الداخل والخارج والتدخل في شؤون جيرانهما بالقوة ومحاولة رفع أسعار النفط إلى أقصى حد ممكن. سيقدم بوتين لمحمد بن سلمان خدمة عظيمة إذا قام بغزو أوكرانيا ورفع أسعار النفط".
بالعودة إلى العام 2015، وفقاً للمصدرين السابقين، نقل نائب ولي العهد آنذاك لمسؤولين أمريكيين في الرياض نفاد صبره إزاء عجزه عن تنسيق لقاء مع أوباما. فقد كان من الممكن أن يمثل لقاء عالي المستوى مع الرئيس الأمريكي انقلاباً في العلاقات العامة لمحمد بن سلمان الذي كان في ذلك الوقت أصغر من ابن عمه محمد بن نائف الذي كان يتمتع بعلاقة قوية مع إدارة أوباما. ومع تلك الفرصة المطروحة على الطاولة فضل محمد بن سلمان أن يلتقي ببوتين على هامش منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي التاسع عشر في حزيران/ يونيو 2015. وقال مصدر آخر لديه علاقات واسعة مع مسؤولي مخابرات الشرق الأوسط إن محمد بن سلمان قام بالرحلة لإثارة غضب أوباما لتجاهل هذا الأخير لقاءه. "لم ترد السفارة السعودية في واشنطن على طلب التعليق".
وبحسب قراءة للاجتماع نشره الكرملين قال محمد بن سلمان: "نحن ننظر إلى روسيا كدولة مهمة في العالم الحديث، وبالتالي سنعمل على تطوير العلاقات الثنائية، في كل المجالات".
في الشهر التالي، تموز/ يوليو 2015، وبخ مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك محمد بن سلمان على اتصالاته الأخيرة ببوتين، بحسب دعوى قضائية رفعها مسؤول المخابرات السعودي الكبير السابق سعد الجابري. تزعم الدعوى أن محمد بن سلمان ذهب بعيداً لدرجة أنه شجع بوتين على التدخل في الحرب الأهلية السورية؛ الصراع الدموي الذي نجم عنه قتل القوات الروسية لآلاف المدنيين السوريين.
في أيلول/ سبتمبر 2016، وقعت السعودية اتفاقاً مع روسيا للتعاون في أسواق النفط العالمية، في تلميح إلى أنها قد تحد من إنتاج النفط نوعاً ما في المستقبل. كان هذا بمثابة نصر اقتصادي كبير لروسيا التي لم يتم قبولها على الإطلاق في منظمة البلدان المصدرة للنفط وستكون الآن عضواً في "أوبيك بلاس" (بلاس تشير إلى روسيا) الأمر الذي يمكن حكومة بوتين من تنسيق قرارات إنتاج النفط مع البلدان الأخرى.
وبحلول العام 2018 أصبح تحذير السعودية من كونها ستقلص إنتاج النفط واقعاً. وقد أغضب ذلك الرئيس دونالد ترامب في ذلك الحين، الذي كان يواجه انتخابات التجديد النصفية وأسعار النفط المرتفعة، كما هو الحال بشدة مع بايدن اليوم. ولكن على عكس بايدن كان ترامب يتمتع بعلاقات جيدة مع السعوديين على نحو غير مألوف، فقد قام بإنهاء التقليد الرئاسي الأمريكي القديم باختياره الرياض لأول زيارة رسمية خارجية له، وبالغ في مدح ولي العهد الشاب وسمح بأكبر كمية مبيعات أسلحة إلى السعودية في تاريخ الولايات المتحدة واعترض على التشريع الذي يحظر بيع الأسلحة ودافع عن محمد بن سلمان ضد الاتهامات، بما في ذلك اتهامات مدير وكالة المخابرات المركزية في عهد إدارة ترامب للأمير السعودي بمشاركته في قتل خاشقجي.
استجاب محمد بن سلمان لطلب ترامب ورفع إنتاج النفط بشكل حاد، ما تسبب في انهيار الأسعار إلى أقل من 60 دولاراً للبرميل الواحد (تصل قيمة برميل النفط الواحد اليوم إلى حوالي 100 دولار). ثم خلال موسم انتخابات عام 2020 وسط التباطؤ العالمي الناجم عن الوباء، طلب ترامب من السعوديين خفض الإنتاج لحماية صناعة النفط الصخري الأمريكي المتعثرة، وللمرة الثانية استجاب محمد بن سلمان لذلك الطلب.
والعكس بالنسبة لبايدن فقد كرر مطالباته للسعودية برفع إنتاج النفط، إلا أنها لم تنفذ مع اقتراب نصف المدة. وفي وقت سابق من هذا الشهر ناقش بايدن "ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية" في مكالمة مع الملك السعودي سلمان والد محمد بن سلمان وفقاً لقراءة المحادثة التي نشرها البيت الأبيض. وهناك تفصيل آخر رئيسي لم تتضمنه قراءة البيت الأبيض ولكن تم ذكره في النسخة السعودية، هو أن الملك سلمان "سلط الضوء على دور اتفاق أوبيك بلاس التاريخي، وأهمية الحفاظ على الاتفاق"، مشيراً إلى ذلك الاتفاق مع روسيا لتنسيق قرارات إنتاج النفط.
في الأسبوع الماضي أرسل البيت الأبيض منسقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك إلى الرياض "لنقاش تقارب تعاوني لإدارة ضغوطات السوق المحتملة التي قد تعقب غزواً روسياً محتملاً لأوكرانيا" وفقاً لمذكرة سفر صادرة عن مجلس الأمن القومي. لم تصدر السعودية تصريحاً موافقاً لحقيقة زيارة ماكغورك. قالت الدكتورة إلن والد، زميلة رفيعة غير مقيمة في المجلس الأطلسي: "من المحتمل أن الزيارة لم تسجل أهمية تذكر للحكومة، وهذا أمر معبر في حد ذاته".
قالت تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي: "في الوقت الذي تعامل فيه إدارة بايدن السعودية كشريك تبدو الرياض في المقابل أكثر حرصاً على إبقاء بوتين سعيداً بدلاً من بايدن".
غالباً ما يدعي معارضو إجراءات محاسبة السعودية أنهم قد يدفعون بالمملكة إلى أحضان منافسي الأسلحة الأمريكية. فعندما كان الكونغرس يبحث مسألة معاقبة السعودية، أصدر مساعد سابق لمحمد بن سلمان، تركي الدخيل، تهديداً واضحاً في وسيلة الإعلام التابعة للسعودية قناة "العربية": "إن فرض أي نوع من العقوبات على السعودية من قبل الغرب سوف يجعل المملكة تلجأ إلى خيارات أخرى". وأضاف: "روسيا والصين مستعدتان لتغطية حاجات الرياض العسكرية، وستشمل تداعيات هذه العقوبات قاعدة عسكرية روسية في تبوك شمال غرب السعودية".
من جهة أخرى يقول الخبراء بأن السعودية بالفعل وبشكل علني متواجدة اقتصاديا على الزاوية الروسية، وأي محاولة من جانب الرياض للترحيب بالوجود العسكري الروسي سيكون الأمر معقداً ومكلفاً للغاية للسعوديين".
وذكر دوغلاس لندن، ضابط عمليات كبير متقاعد في وكالة المخابرات المركزية ومؤلف "المجند: الجاسوسية والفن المخابرات الأمريكية المفقود"، لـ"ذا إنترسبيت" في رسالة بريدية: "إن تحويل الواقع العملي للسعودية المتمثل في جيشها المسلح بترسانة عسكرية طيلة عقود من الذخيرة العسكرية والتقنية التي تصنعها أمريكا سيكون باهظ الثمن وصعباً وسيستغرق وقتاً كبيراً". وقال لندن الذي خدم لفترة طويلة في الشرق الأوسط خلال الـ34 عاماً له في وكالة المخابرات المركزية، إن خلط التقنية العسكرية الروسية والصينية بالمعدات الأمريكية سيسبب أيضاً مشاكل كبيرة في التشغيل البيني لها. وأضاف: "إن مغازلة المملكة لخصوم أمريكا هو من أجل ادعاء استقلالية أكبر لها في المسائل الأمنية ويبعث برسالة ما".
وفي الواقع أن السعودية تفتقر إلى جيش عسكري متقدم خاص بها، وهي تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة ليس فقط في المعدات العسكرية بل وأيضاً في صيانتها. وبينما منح ذلك واشنطن كامل الفاعلية والسيطرة للتعامل مع السعودية كـ"منبوذة" كما وعد المرشح بايدن بأن يعمل جاهداً على ذلك، لم تفعل إدارته سوى الشيء القليل لتحميل السعودية مسؤولية مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان من قتل خاشقجي إلى تجويع وقصف أعداد لا تحصر من المدنيين في اليمن.
واليوم على سبيل المثال أعلنت إدارة بايدن عقوبات جديدة على ممولي الحوثيين، وهي خطوة حذر المدافعون عن حقوق الإنسان من كونها ستفاقم الأزمة الإنسانية من خلال التضييق على الواردات المدنية. كما أكدت لـ"إنتر سبيت" سارة ليا ويتسون، المدير التنفيذي لمنظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن: "إن إدارة بايدن أعادت فرض العقوبات التي كانت قبل أشهر قليلة أدانتها بوصفها غير إنسانية وغير مجدية وكل ما تحتاج لمعرفته حول التزامها بحقوق الإنسان".