بشـرى الغيلي / لا ميديا -
 ذهولٌ يحيط بالمكان، كل واحدٍ فيهم ينظر للآخر دون أن ينبس ببنت شفة، كأن على رؤوسهم الطير، مذهولين مما يواجهونه من تعسفٍ وصلافةٍ رغم اعتراضهم على القرار، ومعارضته دون جدوى.. تلك هي حال بائعي السمك والعاملين في «سوقِ البليلي»، الذين يعتمدون اعتمادا كليا في دخلهم اليومي على السوق.. وبعد الضجة التي أثيرت حول ذلك منذ أيام تجولت صحيفة «لا» في السوق الواقع وسط العاصمة صنعاء، ونقلت معاناة بائعي السمك والأيدي العاملة التي ينتظرها مصير مجهول، حيث أن أحد المتنفذين قام بإغلاق السوق وتحويله إلى مكان آخر في ضواحي أمانة العاصمة بمنطقةِ «الجرداء»، وتغيير مسير الناقلات القادمة من السواحلِ اليمنية  تحت تهديد السلاح كما جاء ذلك على ألسنةِ المتحدثين في السوق.. وكعادتها تواجدت «لا» معهم في السوق واستطلعت آراءهم حول ذلك فوجدت أن هناك مأساة ستحل على الكثير من الأسر التي تعتمد في دخلها على السوق.. الكثير من التفاصيل ضمن السياق.

خسائرنا كبيرة
علي محمد (صاحب محل بيع أسماك) يصف متحسرا ما آل إليه محله من تراجعٍ كبير في بيعِ السمك بالقول: «جاء أحد النافذين والمسؤولين في الدولة يدعى عبدالله البروي، الذي قام بفتحِ سوقٍ كبير خاص به خارج العاصمة في منطقةِ الجرداء، ووضع فيه هناجر، وأرغم كل من في سوق البليلي على الذهاب إليه».
ويضيف: «كما أن ذلك الشخص أخذ الحمولات القادمة من السواحلِ اليمنية بالقوة وتحت تهديد السلاح وأرغمها على البيع في السوق التابع له بالجملةِ والتجزئة وبنسبةِ 5% فمثلاً إذا باع صاحب الناقلة بعشرةِ ملايين ريال، فإن نسبته ستكون 500 ألف ريال، وهو ما تسبب لنا بأضرار كبيرة وتوقفت الكثير من الأيدي العاملة، وقطعت مصادر الدخل لأصحاب المحلات..».
ويضرب علي مثلاً بالقول: «إذا المواطن يحتاج أن يشتري بـ2000 ريال سمكاً من السوق الذي خارج العاصمة سيذهب إلى منطقةِ الجرداء ويخسر ما يقارب 3000 ريال مواصلات، بينما نحن نوفر ذلك بنفس السعر ونحن في وسط العاصمة، وقد لا يستغرق إلا مشواراً واحداً، ناهيك عن تراجعٍ وكسادٍ كبير في أسماكنا».
ويختم بالتمني بأن توصل «لا» مناشدتهم للجهاتِ المختصة لإنصافهم والنظر إلى قضيتهم التي صارت قضية رأي عام، وأنهم قاموا بالكثير من الاحتجاجات والوقفات المنددة دون أن يلتفت لمعاناتهم أحد.
 
ما عرفنا هو تهباش أو إيش؟
انتقلنا إلى محلٍ آخر وهناك تحدث لـ»لا» من زاويةٍ أخرى، عُمر إبراهيم عُمر (صاحب محل بيع سمك) قائلا: «ما أطلق عليه سوق «الوطنية» تابع للمتنفذ عبدالله البروي الذي قام بإغلاق سوق البليلي المركزي وتحويله إلى سوقه الخاص».
ولم يختلف عمر كثيراً عن رأي جاره في المحل علي بأن ذلك المسؤول قام بحجز ناقلات السمك (البوابير) التي تورد إلى السوق والتحكم في الناقلات وإغلاقها بالشمعِ الأحمر من الساحل ولا تفتح إلا في سوقهم الخاص ولجيوبهم بنسبة 5 %
ويختم كلامه بالتساؤل: «ما عرفنا هذا ضريبة، أو تهباش؟ أم ماذا؟ ولا منصف لنا غير الله سبحانه وتعالى».
 
نريد إنصافنا
إغلاق سوق البليلي لم يضر مالكي المحلات ومستوردي الأسماك فقط، بل هناك الكثير ممن اعتادوا المجيء إلى السوق وجعله مصدرا من مصادر دخلهم اليومي منذ عشراتِ السنين، يقول العم صالح المسوري: «يا ابنتي لي ثلاثين عاماً هنا أبيع عطوراً لمرتادي السوق، وأصحاب الناقلات يتعاونون معي ويشترون مني، واليوم رأسمالي فوق ظهري كما خرجت منذ الصباح».. قالها بغصةٍ كبيرة.
أما علي ناجي (أحد العاملين بسوق البليلي) الذي له ما يقارب العشرة أعوام ويعول أسرته من خلال تواجده في السوق، كان في ركنٍ قصي تبدو على ملامحه علامات اليأس، أوضح أن أحد أبناء منطقته وهو سائق حافلة تقطعوا له في الطريق وأخذوا جواله وتم اقتياد ناقلته رغما عنه إلى سوق (البروي) تحت تهديد السلاح. وقال مختتما حديث لـ»لا»: «أتمنى إنصافي والكثير من زملائي الشباب من المصير المجهول الذي ينتظرنا».
 
كيف سأسدد إيجار بيتي بعد الآن؟!
أما أم علي (ربة بيت) فتقول: «أجيء صباحا إلى هنا يوميا ويعطيني أصحاب الناقلات منهم ما قسمه الله لي، فأقوم ببيع ما يعطونني إياها، لأستطيع أن أوفر لقمة عيش لأطفالي وحتى أسدد إيجار البيت نهاية كل شهر، والآن كل شيء مقطوع».
وختمت «لا» جولتها مع أبو هاني (صاحب عربية نقل صناديق السمك)، وهو يتجول بعربيته فارغة وعلى متنها مكعبات ثلج، قائلا: «أنا أعول 20 فردا في أسرتي وحالتي الصحية لا تسمح لي بالمزيد من الأعمال الشاقة، فأنا هنا لي أكثر من 20 عاما، والآن قطعوا أرزاقنا وعربيتي فارغة من الصباح، وحسبنا الله ونعم الوكيل».
يذكر أن مالكي محلات بيع السمك والعاملين في سوق البليلي كانوا قد أصدروا بيانا مضمونه: «إنه بتاريخ 21 يونيو 2021م قامت وزارة الثروة السمكية في حكومة الإنقاذ بتسليم مهامها لما بات يعرف بالشركة الوطنية للتنمية والتصنيع السمكي، ثم سعت الأخيرة كأول مهامها التنموية إلى إغلاق سوق البليلي لبيع الأسماك بالجملة، والسطو على أعمال المواطنين فيه بنقله إلى ضواحي العاصمة..».

ما الحكمة من إزالة سوق الأسماك في البليلي يا حمود عباد؟!
ونظم العاملون في سوق البليلي للأسماك بالعاصمة صنعاء وقفات احتجاجية يوما بعد آخر لإيصال أصواتهم إلى أصحاب القرار وإيقاف العبث بأرزاقهم ومستقبل أعمالهم، بعد قرار إغلاق السوق من قبل أمانة العاصمة دون أي مبرر قانوني.
وأكد عمال الأجر اليومي في سوق الأسماك الأشهر في العاصمة أن مئات الأسر التي يعولونها لا تجد قوت يومها منذ 12 يوماً، بعد إغلاق السوق من قبل أمانة العاصمة دون أي مبرر أو مسوغ قانوني، الأمر الذي أدى إلى توقف مصدر دخلهم، فيما شاحنات الأسماك محجوزة بقوة السلاح لليوم الثاني عشر على التوالي، ما تسبب بتكبد أصحابها خسائر فادحة.
ووجه العاملون وأصحاب الشاحنات مناشدة إلى المجلس السياسي الأعلى ورئاسة الوزراء بفتح السوق مجدداً باعتباره مصدر عيشهم وقوت أسرهم التي يعولونها. مناشدين الرأي العام التضامن معهم لحماية مئات الأسر من الفقر الذي يلتهمهم يوما بعد آخر.