دمشق: أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
خلال أقل من شهر واحد ودعت سورية اثنين من كبار فنانيها كل في مجاله، فودعت مطرب الشرق صباح فخري، ونقيب الفنانين الممثل زهير رمضان.
الفنان صباح فخري كان ملك مسارح الطرب وعراب "القدود الحلبية"، وعرف كواحد من أهم مطربي الشرق، وشكل مدرسة خاصة به في الطرب العربي الراقي والأصيل، وتمكن من دخول كل بيت عربي ليشترك وحده مع الفنانة أم كلثوم بهذه المكانة.
ولد صباح فخري، في 2 مايو 1933، في حلب، التي تعتبر من أهم المدن العربية في الفن وفي الطرب والموسيقى الشرقية.
اسمه الحقيقي "صباح أبو قوس"، ومنحه الشاعر والزعيم السوري فخري البارودي لقبه الفني "فخري"، وقام بتشجعيه وهو في سن صغيرة على عدم الذهاب إلى إيطاليا، والبقاء في وطنه سورية، وبعد سنوات أصبح صباح فخري من أهم المطربين في سورية والوطن العربي.
بدأت تظهر موهبته الغنائية وهو في عمر صغير، والتحق في سن مبكرة بمعهد حلب الموسيقي، ثم التحق بالمعهد الموسيقي الشرقي بدمشق وتخرج فيه سنة 1948، وقام بدراسة الإيقاعات والصولفيج والموشحات والقصائد والعزف على العود.
تتلمذ على يد أساتذة سوريين متميزين في الموسيقى العربية، منهم: الشيخ علي درويش، مجدي العقيلي، محمد رجب، عمر البطش، عزيز غنام، إبراهيم الدرويش. وفي فترة شبابه كان يعمل موظفاً حكومياً في أوقاف حلب، ومؤذناً لدى جامع الروضة بحلب.
بدأت انطلاقته الفنية سنة 1948 بعدما غنى في القصر الرئاسي بدمشق، بوجود الرئيس السوري السابق شكري القوتلي، ورئيس الوزراء جميل مردم بيك، وقدم العديد من الأعمال الغنائية الرائعة.
عرف فخري بصوته القوي، وتميز بأدائه الفريد للمقامات، وبأسلوبه الرائع على المسرح، وامتلك أسلوبا خاصا في إشعال تفاعل الجمهور الحاضر، من خلال رقصته الخاصة على المسرح، حيث تميز بحركة يديه ودورانه حول نفسه، فيما يُعرف بـ"رقصة السنبلة"، في محاكاة لرقصة الدراويش، والتي كانت تؤدي إلى تفاعل الجمهور وتصفيقه وتمايله طربا.
عمل في مجال الفن أكثر من 50 سنة، غنى خلالها في أهم المسارح والمهرجانات العالمية والعربية، وعمل على تغيير وتطوير الأساليب التقليدية للموسيقى العربية التي كانت على وشك التلاشي، وأهمها القدود والموشحات الحلبية.
أبدع صباح فخري بتأدية الأغاني الحلبية التراثية والتي تم اقتباس كلماتها من قصائد عدد من الشعراء، منهم: المتنبي، أبو فراس الحمداني، وغيرهما، وتعاون مع عدد من الملحنين المعاصرين، الذين غنى لهم، ومنهم أنطوان شعراوي، فؤاد اليازجي، عبدالعزيز محيي الدين، جلال الدهان، وعبدالباسط الصوفي.
ترك فخري وراءه عشرات المقطوعات الموسيقية والأغاني التي حفظتها الألسن على مدى عقود، مثل "يا طيرة طيري يا حمامة"، "يا مال الشام"، "قدّك المياس"، "قل للمليحة"، "يا حادي العيس"، ما لك يا حلوة ما لك"، "خمرة الحب"، "فوق الناخل"، "ابعت لي جواب".
كما قدم عدداً من الأعمال الغنائية في السينما، منها فيلم "الوادي الكبير" مع وردة الجزائرية، وفيلم "الصعاليك" سنة 1965 مع عدد من الفنانين، منهم: مريم فخر الدين، ودريد لحام، ثم برنامج "أسماء الله الحسنى" مع زيناتي قدسية ومنى واصف، وقام صباح فخري بتلحين وغناء العديد من القصائد العربية.
وإضافة إلى عمله في الفن والغناء شغل صباح فخري عدداً من النشاطات والمناصب الهامة، حيث انتخب في سنة 1998 عضواً بمجلس الشعب السوري، وشغل منصب نقيب الفنانين السوريين، ونائب رئيس اتحاد الفنانين العرب وسفير الغناء العربي، وعضو اللجنة العليا لمهرجان المحبة باللاذقية، وعضو اللجنة العليا لمهرجان الأغنية السورية.
خلال مسيرته الفنية الحافلة تقلد صباح فخري عددا كبيرا من الأوسمة وشهادات الثناء من جامعات ودول عديدة، كان منها وسام تونس الثقافي عام 1975، ووسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة الذي قلده إياه الرئيس السوري بشار الأسد عام 2007.
كما دخل فخري موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية عام 1968 بأطول فترة وقوف على مسرح، وذلك على مسرح العاصمة الفنزويلية كاراكاس بلغت 11 ساعة متواصلة من الغناء.
أما عن حياته الشخصية فقد تزوج المطرب صباح فخري أول مرة وأنجبت له زوجته الأولى 3 أولاد (عمر ومحمد وطريف) ثم توفيت وتزوج للمرة الثانية وأنجبت له زوجته ابناً واحداً هو الفنان أنس صباح فخري.
فور إعلان خبر وفاته، شارك فنانون ومطربون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي في سورية والعالم العربي عبارات نعيه، وتغنّى البعض بكلمات من أغانيه، مُطلقين عليه ألقاباً منها "قلعة الطرب الأصيل".
أما الفنان زهير رمضان فقد توفي مساء الأربعاء 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري عن عمر ناهز 62 عاماً، بعد تعرضه لالتهاب رئوي حاد.
كان هو الآخر واحداً من أهم الممثلين السوريين وواحداً من فرسان الدراما السورية التي تألقت وحققت انتشاراً كبيراً في كل الوطن العربي.
ولد الفنان زهير رمضان في 21 حزيران/ يونيو 1960 في اللاذقية على الساحل السوري، ودرس التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق وتخرج فيه عام 1983، وأصبح عضواً في نقابة الفنانين السوريين في العام نفسه.
اكتشفه الفنان أيمن زيدان وقدم أول أدواره من خلال مسرحية "حارة الشحادين" مع الفنان حسن دكاك، ثم تحول إلى السينما وعرف بدوره المتميز في فيلم "رسائل شفهية" للمخرج عبداللطيف عبدالحميد، لتأخذه بعد ذلك الدراما التلفزيونية والإذاعية، وليبلغ عدد الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي شارك فيها أكثر من 120 عملا.
شارك زهير في أعمال عديدة وأبدع فيها، وكان في معظم أعماله يعرف باسم الشخصية التي يجسدها، فعرف في دور "أبو رزوق" في مسلسل "المصابيح الزرق"، وفي دور الشاعر المتمرد "دعبل بن علي الخزاعي" في "باب المراد"، وفي دور "المختار" في "يوميات المختار"، وكذلك أبدع في الثلاثية الريفية "العريضة" و"قمر أيلول"، لكنه عرف أكثر في أهم شخصيتين جسدهما، الأولى شخصية "أبو جودت" رجل الشرطة الفاسد في مسلسل "باب الحارة" الذي شارك في معظم أجزائه، والثانية شخصية المختار "بيسه" في المسلسل المتميز "ضيعة ضايعة".
زهير رمضان لم يكن مجرد فنان وممثل سوري، بل كانت له نشاطات ومارس مهام عديدة فانتخب لمنصب نقيب الفنانين السوريين في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2014 وهو المنصب الذي ظل يتقلده حتى وفاته، وانتخب نائباً في مجلس الشعب السوري في انتخابات عام 2016.
كان للفنان زهير رمضان خلال العدوان على سورية مواقف واضحة ومؤيدة للدولة السورية، وكان له عدد من التصريحات والقرارات القوية في مواقفه هذه، منها فصله العديد من الفنانين الذين وقفوا ضد الدولة السورية خلال العدوان.
بالتأكيد تعتبر خسارة الفنانين صباح فخري وزهير رمضان في وقت متقارب خسارة كبيرة للساحة الفنية السورية والعربية، لكن العزاء أن مدرسة صباح فخري الفنية ستبقى خالدة في تاريخ الفن السوري والعربي، وسورية ولادة وتستطيع دائما إنجاب من يتمكن من ارتقاء سلم الفن والدراما والطرب، كما كان المرحومان صباح فخري وزهير رمضان.
وما يحزننا أكثر في صحيفة "لا" أننا كنا على موعد مع الفنان زهير رمضان لإجراء لقاء معه، لكن دخوله المشفى حال دون ذلك، وكان الاتفاق على موعد آخر بعد الأمل بشفائه، لكن يد القدر كانت أسرع. رحمه الله، ورحم الفنان صباح فخري.