« فورين بوليسي »: بايدن لا يملك خطة بديلة فـي حال انتصر الحوثيون
- تم النشر بواسطة ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين
كشفت عن عجز «أمريكي» ومخاوف وجودية «إسرائيلية» من «ما بعد تحرير مأر ب»
ديفيد شينكر" فورين بوليسي"
ترجمة خاصة لـ "لا": زينب صلاح الدين / لا ميديا -
قام الدبلوماسي الأمريكي المحنك تيم ليندركينغ المسكين، أحد أفضل وألمع الأيدي في الشرق الأوسط لدى وزارة الخارجية، في شباط/ فبراير الماضي، بـ"رسم القشة الصغيرة" (أي بالتعبير الأمريكي الشخص المختار لمهمة غير سارة) وتم تعيينه لدى إدارة بايدن كمبعوث خاص إلى اليمن. ومنذ ذلك الحين لم يكن مكلفاً فقط بالمهمة التي لا يحسد عليها والمتمثلة في التوسط لوضع نهاية للحرب المستمرة منذ سبعة أعوام بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران وحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية، بل وكان مسؤولاً أيضاً عن احتواء أسوأ أزمة إنسانية على وجه الأرض. وللأسف على كلا الحسابين لا تسير الأمور نحو الأفضل.
لا يجب أن يلام ليندركينغ؛ فالدبلوماسية الناجحة تعتمد على التأثير الفعلي الذي تفتقر إليه واشنطن. من المؤكد أن الولايات المتحدة تستطيع الضغط على السعودية لكن الرياض حالياً ليست بحاجة إلى إقناعها برغبتها في إنهاء الحرب. في الواقع، في السنوات الأخيرة تحديداً شارك السعوديون في ما يعد بكل المقاييس محادثات حسنة النية حول مستقبل اليمن الذي يشمل أيضاً العدو. والمشكلة تكمن في الحوثيين الذين أثبتوا تمردهم على الدوام وهم يلعبون الآن لكسب بعض الوقت بينما يحرزون تقدماً بطيئاً ولكن ثابتاً في ساحة المعركة. وفي واقع الأمر، عندما تكون حكومة هادي وقوات الحلفاء المحليين مشتتين وغير مجهزين بشكل فعال ويحارب بعضهم البعض قلما يكون لدى الحوثيين رغبة في الذهاب إلى الطاولة، وهذا قد شكل سلسلة من الظروف التي كان عصياً على السعودية تداركها أو إصلاحها.
إن ميل الحوثي لحل عسكري بدلاً من حل تفاوضي يؤتي ثماره حالياً. فبعد عامين من حملتهم العسكرية على مأرب (وهي محافظة استراتيجية سميت على اسم عاصمتها) أوشك المتمردون على الظفر بكليهما. إن المنطقة الغنية بالنفط هي من بين آخر المناطق الرئيسية في الشمال المتنازع عليها من قبل حكومة هادي التي تمثل بوابة إلى شبوة (وهي محافظة أخرى تسيطر عليها حكومة هادي تتمتع بموارد طاقة وبنية تحتية مهمة). سوف يكون انتصاراً باهظ الثمن، فقد ذكر أن الحوثيين قد خسروا آلاف الجنود معظمهم من الأطفال جراء هذه الاستماتة في المعركة، إلا أنه سيمثل نقطة تحول.
فإذا هم هزموا الجيش الوطني اليمني المدعوم من السعودية في أحد أكبر معاقله في الشمال واستولوا على مركز الطاقة في اليمن، عندها سيكون الحوثيون قد كسبوا الحرب في معناها الجوهري. أما بالنسبة للرياض وواشنطن والشعب اليمني فإن ذلك سيمثل سيناريو أسوأ. حتى لو كانت الحرب على وشك الانتهاء فسيظل الوضع الإنساني حرجاً حيث لا يزال ثلثا سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون مواطن يواجهون المجاعة ويعتمدون على برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في الحصول على القوت اليومي، تزامناً أيضاً مع سيطرة وكلاء إيران على بلد عربي آخر، وبالتالي ستبقى السعودية عرضة لهجمات طائرات الدرون والصواريخ من جارتها الجنوبية.
وحتى اللحظة تعتبر اليمن مشكلة أخرى من الجحيم بالنسبة لإدارة بايدن، كما هو الحال مع أفغانستان، فمن المرجح أن تواجه الحكومة الأمريكية قريباً تحدياً يتمثل في دولة فاشلة أخرى يقودها تنظيم إسلامي ميلشياوي بتضليلات الألفية، حتى لو كان الحوثيون اسمياً شيعة.
إن العواقب المحتملة لذلك الانتصار الحوثي خطيرة، ليس فقط في أن الحوثيين قد يستمرون في استهداف حلفاء الولايات المتحدة في الخليج عسكرياً، ولكن إذا خسر التحالف السعودي المهتز مدينة الحديدة وبقية ساحل البحر الأحمر، سيتمكن الحوثيون أيضاً من تعطيل أكثر من 6 ملايين برميل نفط والمنتجات البترولية التي تمر يومياً عبر أحد ممرات العالم الرئيسية: مضيق باب المندب. علاوة على ذلك، يرفض الحوثي السماح بإصلاح أو التخلص من ناقلة النفط اليمنية القديمة ذات الهيكل الواحد الواقفة كخزان نفط عائم على بعد 5 أميال من الساحل، وهي كارثة بيئية على وشك الحدوث. ففي حال غرقت السفينة التي عمرها 45 سنة قد يتسرب مليون برميل نفط إلى البحر الأحمر مما يقيد الوصول إلى الموانئ ويؤثر على محطات تحلية المياه وإمدادات المياه العذبة لما يصل إلى 10 ملايين شخص وسوف يوقف الصيد ويفاقم الأزمة الإنسانية أكثر.
لا يوجد هناك حل جيد لليمن. وكسابقتيها إدارتي أوباما وترامب، حاول البيت الأبيض الحالي وفشل في إقناع الأطراف بالحل التفاوضي. المفتاح الآن هو تحديد الموقف في ما سيكون تقريباً -وبشكل لا نستطيع تجنبه- أول دولة تسيطر عليها إيران في شبه الجزيرة العربية منذ عدة قرون.
وفي أفضل الأحوال أو أسوئها ستكون الفرص منعدمة فيما يتعلق بسعي إدارة بايدن إلى تفادي انتصار حوثي شامل، سواء من خلال العمل مع السعوديين لتسليح أفضل وتنظيم حكومة هادي وحلفائها المحليين أو بطلب التدخل العسكري الأمريكي المباشر. وبعد النهاية المحتملة للحرب سيكون بالتالي من الضروري على الولايات المتحدة أن تحتوي الشيطنة الإيرانية في يمن يحكمها الحوثيون، وأن تؤمن حركة الشحن في البحر الأحمر وتقوم باحتزاز أطماع الحوثي الإقليمية في السعودية.
على الرغم من النفور الواضح للرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فإن أول عمل سيتم هو تعزيز قدرات المملكة الدفاعية. خلال العامين الماضيين، حسنت السعودية بشكل ملحوظ قدرتها على مواجهة تهديد المسيرات والصواريخ الحوثية. ولكن لمواصلة هذا التطور سوف تطلب الرياض التزاماً أمريكياً بتجديد ترسانتها الدفاعية، بما فيها بطاريات الباتريوت المضادة للصواريخ والصواريخ المضادة للمقاتلات المستخدمة لاستهداف ضربات طائرات بلا طيار.
خطوة أخرى لبايدن هي أن يقوم بإعادة وضع الحوثيين على قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية، وهو تصنيف قام بإلغائه فور تسلمه الرئاسة. وفي حين أن وضع الحوثيين هو موضع نقاش، أعتقد أن وزير الخارجية السابق سمايك بومبيو كان على صواب عندما صنفهم رسمياً كإرهابيين، فالجماعة تتعمد قصف المستشفيات وتقوم بتجنيد ونشر الأطفال، وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر 2020 حاولت قتل كل أعضاء الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. لكن في حين أن هذا التصنيف قد استوفى ربما المعايير لا يزال من غير الواضح أنه سيؤثر في النهاية على سلوك الجماعة أو سيحد من مصادر تمويلها.
إلى جانب المساعدة الدفاعية الثنائية للسعودية ينبغي على إدارة بايدن أن تبدأ الآن وبسرعة -في ظل ترقب نهاية الحرب- بإنشاء آلية أمنية متعددة الأطراف في البحر الأحمر لمنع شحن الأسلحة المحرمة ووقف الاتجار بالبشر وغيره ومنع مضايقة حركة الشحن بما في ذلك زرع الألغام في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر. إذا تم تقديم ذلك كجهد دولي واسع النطاق لحل كل القضايا الأمنية المرتبطة بحركة الملاحة العالمية داخل وحول خليج عدن، أي بتعبير آخر ليس تأطير ذلك كمهمة خاصة لليمن تستهدف فقط الحوثيين وإيران، فإن المبادرة قد تكسب زخماً أكثر. من أجل تحقيق هذه الغاية ينبغي على الإدارة استكشاف ما إذا كان يمكن توسيع واجبات مهمة مكافحة القرصنة المتواجدة المعروفة بفرقة العمل المشتركة 151.
لعل الشيء الأكثر أهمية هو منع إيران من إكمال مشروعها في إعادة إنشاء كيان يشبه حزب الله على الجبهة الجنوبية للسعودية؛ في المرة التي يسيطر فيها الحوثيون، ستحتاج إدارة بايدن إلى إعادة تفعيل القرار الأممي للعام 2015، وهو حظر الأسلحة على اليمن. هذا سيتطلب جهود حظر بحري إضافية ومستمرة، بالإضافة إلى فرض منع إنفاذ السلاح على الحركة الجوية لمنع تهريب المعدات العسكرية الإيرانية المتطورة. وعلى الرغم من محاولات بايدن لإعادة بناء اتفاق نووي أفضل مع إيران فإن العض بالنواجذ على القرار الأممي (حظر السلاح) يمكن أن يقتضي أيضاً من واشنطن أن تعاقب طهران اقتصادياً أو تعاقبها على كل الأصعدة لاستمرارها في تزويد وكلائها بالأسلحة المخلة بالأمن.
في حالة فشل إدارة بايدن يكون الخطر هنا ليس فقط أن مزيداً ومزيداً من المعدات العسكرية المتطورة والمتنامية بحوزة العناصر الإيرانية سيتم توجيهها من اليمن نحو الرياض، فلقلقها حيال النوايا الحوثية والإيرانية نشرت إسرائيل مرتين هذا العام دفاعات القبة الحديدية والباتريوت لتفادي هجمات المسيرات والصواريخ المحتملة القادمة من اليمن.
لا يزال من الممكن أن تتحد حكومة هادي مع الجماعات اليمنية المناهضة للحوثي لشن هجوم مضاد وأن يبدأ السعوديون بتسليح اليمنيين بشكل أكثر فاعلية في مأرب لمنحهم فرصة الفوز، وإلا فإن الثروات ستذهب في الاتجاه الآخر. لكن النتيجة المحتملة هي أن خصوم واشنطن سيكسبون هذه الحرب وفي القريب العاجل لا الآجل. فبالنظر إلى المسار القاتم حان الوقت لأن تستخدم إدارة بايدن الخطة البديلة لمواجهة اليمن التي ستكون تحت سيطرة وكلاء إيران.
4 نوفمبر 2021
المصدر ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين