تحقيق مروان أنعم / لا ميديا -
سنوات طويلة ومديدة من الخدمة والعمل الأكاديمي وتخريج أجيال من الجامعيين والمتعلمين، لم تشفع لأعضاء هيئة التدريس من الدكاترة المتقاعدين أو أسر المتوفين منهم، من محاولات إخراجهم من السكن الجامعي من قبل رئاسة جامعة صنعاء واستبدالهم بآخرين مايزالون في الخدمة الفعلية. 
منذ ما يقارب السنتين خاض المتقاعدون وأسر المتوفين، معركة قانونية في أروقة النيابات والمحاكم، بالإضافة إلى تقديم العديد من الشكاوى والتظلمات إلى رئاسة الوزراء ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الشؤون القانونية، في محاولة لتثبيت حقهم في الحصول على السكن، ليتكلل جهدهم بانتزاع حكم من المحكمة الإدارية قضى ببطلان لائحة السكن الجامعي التي أقرتها جامعة صنعاء في 2020، لمخالفتها قرار مجلس الوزراء الصادر عام 98 والخاص بنظام الوظائف وأجور أعضاء هيئة التدريس في الجامعات اليمنية.

ومن هنا ارتأت رئاسة الجامعة أن القرار الوزاري لا ينقضه إلا قرار صادر من الجهة ذاتها، لتعثر على ضالتها عند حكومة «الإنقاذ»، الجاهزة في إصدار القرارات الملغزة والمبهمة والتي مكنت أخيراً رئاسة الجامعة من رقاب أعضاء هيئة التدريس المغلوبين على أمرهم.
صحيفة «لا» حاولت تقصي الحقيقة وأبعادها، والمآلات والكيفية التي بموجبها تمت مطالبة وإخراج العشرات من المتقاعدين وأسر المتوفين من السكن الجامعي، مستطلعة شكاوى المتضررين وآراء المسؤولين في جامعة صنعاء.

تعديلات ملغزة ومبهمة
مطلع العام 2021 أصدر مجلس الوزراء، تعديلاً في بعض المواد الخاصة بنظام وظائف وأجور أعضاء هيئة التدريس ومساعديهم في الجامعات اليمنية، ومن يحق له الحصول على السكن الجامعي، ومن لا يحق له، ليجري بموجبها مطالبة أُسر أعضاء هيئة التدريس المتوفين أو المتقاعدين بإخلاء المساكن الجامعية المقيمين فيها بحجة تسكين آخرين مازالوا في الخدمة الفعلية، فيما لم تراع تلك القرارات المجحفة -بحسب رأي أعضاء هيئة التدريس المتقاعدين وأسر المتوفين- أوضاع البلد من توقف صرف الرواتب والحصار الاقتصادي والعدوان الذي يمر به الوطن منذ أكثر من 6 سنوات.
ومن هنا شكلت تلك التعديلات الملغزة والمبهمة، والتي لم يجر فيها ذكر أي حقوق لأعضاء هيئة التدريس ممن قضوا سنوات عمرهم في التحصيل العلمي والعمل الأكاديمي، حتى وافتهم المنية أو جرت إحالتهم إلى التقاعد، ليجدوا أنفسهم مهددين بالطرد من السكن الجامعي، هم وأهاليهم.

منع ومضايقات وتطفيش
سامي نجل الدكتور المرحوم عبدالرحمن محمد النزيلي، الأستاذ في كلية التربية قسم الإنجليزي، والمقيم في السكن الجامعي برفقة والدته، يقول: «نحن نستغرب من الإجراءات التعسفية من قبل رئاسة الجامعة واعتداءات الحرس الجامعي وأسلوبهم في مضايقة الساكنين، ومحاولتهم منعنا أكثر من مرة من دخول المنزل، وأيضاً من المضايقات لنا من قبل الحرس الجامعي أنهم يمنعوننا من الدخول من البوابة الشرقية بسياراتنا ونحن لا نستطيع الدخول إلا من بوابة واحدة، كنوع من المضايقات والتطفيش».
ويضيف النزيلي: «حاولنا أكثر من مرة التواصل مع رئاسة الجامعة وإدارة السكن الجامعي لتوضيح وشرح موقفنا لهم، إلا أنهم لا يتجاوبون معنا، ويطالبوننا بالخروج والإخلاء، وسبق أن ذهبت الوالدة إلى رئاسة الجامعة عقب عودتها من العلاج في الهند للشكوى من إجراءات اللجنة المكلفة بحصر المستحقين للسكن، إلا أنها فوجئت برفض لجنة التسكين التعامل مع شكواها أو النظر فيها».

حادثة إخلاء بالقوة
ويتابع: «نحن في السكن الجامعي منذ العام 97 وتستقطع إيجارات شهرية من رواتب أعضاء هيئة التدريس، ولا نملك سكناً آخر، والقانون هنا يكفل لنا البقاء في السكن طالما وأن أرملة الدكتور وأبناءها مازالوا على قيد الحياة، وللعلم هناك دكاترة في إدارة الجامعة يملكون مساكن خاصة بهم، ومازالوا يقيمون في السكن الجامعي ولم تتم مطالبتهم بالإخلاء».
ويستطرد: «أقدم الحرس الجامعي مؤخراً، وبأوامر من رئاسة الجامعة، على اقتحام منزل الدكتور الفلاحي في ساعة متأخرة من الليل، مستغلين عدم تواجد أي من أفراد المنزل، وقاموا بإخراج عفشهم وأثاثهم إلى مخازن الجامعة وإخلاء الشقة بالقوة».
وناشد سامي النزيلي السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي ورئيس الجمهورية المشير محمد مهدي المشاط، النظر في تظلماتهم وشكواهم، وإنصافهم من الظلم والجور الذي وقع عليهم.

الطرد ليس حلاً
أحد الدكاترة المتقاعدين (فضل عدم ذكر اسمه) يقول: «من المستغرب وغير المعقول، أنه في الوقت الذي يقوم فيه النظام السعودي بطرد الأكاديميين اليمنيين من الجامعات السعودية، نرى حكومة الإنقاذ تقوم بطرد الأكاديميين المتقاعدين أو أسر المتوفين من السكن الجامعي، طالما وأن قانون الجامعات اليمنية يضمن بدل السكن للأستاذ الجامعي، مع الأخذ بالاعتبار أن الذين بلغوا التقاعد بأحد الأجلين، مازالوا قادرين على مواصلة التدريس والإشراف على طلاب الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه)، وهم بذلك يسهمون في توفير عشرات الملايين من العملة الصعبة الخاصة بابتعاث طلاب الدراسات العليا إلى الخارج».
ويتابع قائلاً: «الحل المنطقي هو تجهيز العمارات غير المشطبة الواقعة في الحرم الجامعي، وليس بالضرورة طرد السكان القدامى ليحل محلهم سكان آخرون».

المعيار هو الأكثر احتياجاً
رئيس جامعة صنعاء الدكتور القاسم محمد عباس يقول: «الإشكالية تكمن في أن الكثير من أعضاء هيئة التدريس أو أسرهم يؤجرون مساكنهم التي يملكونها خارج الجامعة ويسكنون في المساكن الخاصة بالجامعة، ونحن لدينا ما يقارب 200 وحدة سكنية فقط، بينما أعضاء هيئة التدريس يتجاوزون 2000، منهم معدمون لا يملكون مساكن بالمطلق، ونحن الآن أمام واقع صعب، فالبعض من أعضاء هيئة التدريس مطلوبون أمام المحاكم والنيابات بسبب عدم مقدرتهم على دفع الإيجار، بينما تجد البعض الآخر يمتلك فيللا وعمارات خاصة به، ويرفض أن يخلي السكن الجامعي لزميله الأكثر احتياجاً».
وعن سؤاله عن الإجراءات التي اتخذت من قبل لجنة الإسكان في حصر المستحقين للسكن وغير المستحقين، يقول عباس: «نحن لا نتعسف أي أحد، وقد قلنا للذين يمتلكون مساكن أن يتركوا السكن الجامعي للمستحقين، ونحن الآن نعتمد على القرار الصادر من مجلس الوزراء لعام 2021 وتعديلاته التي شملت فقط معايير التسكين، في أن من لا يملك سكناً خاصاً به من أعضاء هيئة التدريس، هم فقط من يحق لهم أن يسكنوا في السكن الجامعي».

800 مليون مديونية الجامعة للمؤجرين
نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية ورئيس لجنة الإسكان الدكتور إبراهيم المطاع يقول: «هناك العديد من أعضاء هيئة التدريس سواء المتوفين أو المتقاعدين لديهم مساكن وأملاك خاصة بهم، ويصرون على البقاء في السكن الجامعي ومزاحمة زملاء لهم لا يمتلكون أي سكن. ونحن في إدارة الجامعة قمنا باستئجار أكثر من 35 شقة خارج الحرم الجامعي وعلينا ديون بأكثر من 800 مليون إيجارات متأخرة ونفقات تشغيلية من كهرباء وماء وصيانة، وهؤلاء كلهم رفعوا علينا دعاوى في المحاكم نتيجة عدم السداد، ووزارة المالية أوقفت بدل السكن الخاص بأعضاء هيئة التدريس ولم تصرف لنا أي ريال منذ بدء العدوان، ولا نحصل من وزارة المالية حالياً سوى على خمسة ملايين ريال شهرياً فقط كنفقات تشغيلية».
وعن الأموال التي تتحصلها الجامعة من طلاب النفقة الخاصة والنظام الموازي يقول: «نحن نقوم حاليا بصرف مرتبات الأساتذة والدكاترة من تلك الأموال، وكما هو معلوم فإن الرواتب متوقفة، ونحن علينا التزامات تجاه أعضاء هيئة التدريس والموظفين الإداريين والعاملين في توفير مرتباتهم وصرفها لهم، ومواجهة كافة المتطلبات والنفقات الأخرى للجامعة».

الأعضاء العاملون أولاً
أما فيما يخص أسر المتوفين والمتقاعدين من أعضاء هيئة التدريس يقول الدكتور المطاع، إن القانون السابق الصادر من مجلس الوزراء عام 1998، أشار إلى أحقية أعضاء هيئة التدريس المتقاعدين وأرامل الدكاترة المتوفين وأبنائهم القصر، في الحصول على السكن الجامعي، بينما قرار مجلس الوزراء الجديد رقم 5 لعام 2021، والذي نستند عليه، لم يشر إلى أسر المتوفين والمتقاعدين، وإنما منح الأولوية فقط للأعضاء العاملين الذين هم في الخدمة الفعلية، وبالرغم من هذا نحن حريصون على أسر أعضاء هيئة التدريس المتوفين ونحاول أن نعمل لهم حلولاً، ونحن نراعي هذا الجانب، بينما المتقاعدون مايزالون على قيد الحياة وبعضهم لديهم بيوت ومساكن أخرى، وبالتالي، فإن الذين هم في الخدمة الفعلية أحق بتلك المساكن.
وعن سؤاله بأن تلك الإجراءات والقرارات جاءت في زمن العدوان وانقطاع الرواتب، يقول: «البعض من أعضاء هيئة التدريس المعدمين يأتون إلينا باكين جراء طردهم من المساكن التي يستأجرونها لعدم قدرتهم على دفع الإيجارات ووقوفهم أمام المحاكم، ونحن الآن وجدنا أنفسنا بين المطرقة والسندان، لذلك كان لزاماً علينا اتخاذ تدابير لمواجهة تلك المعضلة، وللعلم قمنا بإخراج الكثير من المسؤولين وأعضاء هيئة التدريس الذين يمتلكون أكثر من منزل، وكذلك المقيمين في الخارج، والذين التحقوا بدول العدوان».

شروط المستثمرين مجحفة بحق الجامعة
أما عن الوحدات السكنية التي لم يكتمل بناؤها ومازالت هيكلة فقط (عظم)، ولماذا لا تقوم الجامعة بترميمها لحل معضلة السكن، فيقول المطاع: «هذه المساكن بنتها الأوقاف بناء على اتفاق مع الجامعة، والأوقاف أفرطت في شروطها الاستثمارية على الجامعة مما دفع الجامعة لشرائها ومحاولة تأجيرها لمستثمرين لاستكمال البناء، لأن الجامعة لا تمتلك الإمكانيات لإكمال تشطيبها، ولم نجد سوى شروط تعجيزية ومجحفة من المستثمرين  بحق الجامعة».

عجز حكومي في توفير الحلول
وفي جميع الأحوال، ومن خلال ما تم تقصيه في معضلة السكن الجامعي، فإن حل مشكلة السكن الجامعي وتسكين الدكاترة الجدد لا يمكن أن يقتصر فقط على إخراج أعضاء هيئة التدريس المتقاعدين أو أسر المتوفين الذين كفل لهم القانون الصادر في 98 البقاء في السكن الجامعي حتى وفاة أرملة عضو هيئة التدريس، وبلوغ أصغر أبنائه 24 سنة، وإنما كان على حكومة «الإنقاذ» أن تجد حلولاً لها، إلا أنها لم تجهد نفسها في إيجاد أي حلول تسهم في حل المشكلة بالرغم من إمكانية ذلك من خلال جملة من الحلول منها:
أولاً: تشطيب العمارات والمباني التي اشترتها الجامعة من الأوقاف والواقعة بداخل الحرم الجامعي.
ثانياً: إلزام وزارة المالية بصرف إيجارات المساكن المؤجرة لأعضاء هيئة التدريس خارج الحرم الجامعي.
ثالثاً: تخصيص جزء من حساب النفقة الخاصة أو النظام الموازي التابع للجامعة، لدفع إيجارات مساكن أعضاء هيئة التدريس.
رابعاً: تخصيص جزء من إيرادات الأوقاف على الهجر وطلاب العلم لتسديد الإيجارات أو لبناء مساكن جديدة.
خامساً: استكمال ومتابعة عملية صرف الأراضي الممنوحة لأعضاء هيئة التدريس من الدولة، وتمكينهم منها.
ومتى ما توافرت النية الصادقة في معالجة أوضاع الناس بالشكل الصحيح والمعقول، فإن الحكومة لن تعجز عن إيجاد حل لمشكلة أسهمت وشاركت فيها بعجزها وكساحها.