حاوره: نشوان دماج / لا ميديا -
كثيرون يطلقون على حسين العماد لقب المشاكس، سواء في الشعر أو في مهنة المحاماة؛ بينما من وجهة نظره هو قد لا تكون المشاكسة سوى الدفاع عن المظلوم والثورة ضد ظالمه. 
الشاعر والمحامي حسين علي العماد من مواليد صنعاء 1977م، متزوج وله ولدان وبنت، يكتب الشعر بالفصحى والحميني، وله ديوانان، بالإضافة إلى قصائد باللغة الفارسية، وديوان عبارة عن ترجمة لأشعار حافظ الشيرازي.
صحيفة «لا» التقت الشاعر حسين العماد متحدثاً عن تجربته ونظرته للقصيدة العمودية، ولقصيدة التفعيلة التي لا يعترف بكونها قصيدة. كما يتحدث عما حدث لشقيقه حسن من مضايقات في إيران حتى خروجه من هناك واعتقال المرتزقة له عند عودته إلى اليمن وموقف شقيقه الآخر عصام السلبي مما حدث، فإلى الحوار:

«العمودي» فقط هو الشعر
 لو بدأنا حوارنا مع الشاعر حسين العماد من التزامه القصيدة العمودية.. ما هي حيثيات ذلك الالتزام عنده؟ وما هي وجهة نظره حول قصيدة التفعيلة؟
بداية أشكر «لا» والقائمين على هذا المجهود المتميز إن لم يكن الوحيد على الساحة مع تمنياتى بمزيد التقدم والرقي.. وأتمنى أيضا تسميتي بـ»حسين»، بدون لقب شاعر أو محام، فاللقب لا يقدّم ولا يؤخّر، والمهمّ هو الأثر الجميل الذي يتركه في النّفس كاتب القصيدة.
وجواباً على سؤالك، فإن ذلك هو التزام بالشعر العربي الذي لم يكن إلا الشعر العمودي، وهو شعر غير متحجر في نفس الوقت، إذ امتلك من المرونة ما سمح له أن يتطور باستمرار، وأكبر دليل على ذلك التحديثات التي امتلأت بها سجلات تاريخه، فلم يمر قرن واحد حتى دخلت عليه بحور وأساليب جديدة في الصياغة والتعبير، ولكن مع الالتزام بقواعده والاحترام لقوانينه كما في شعر بشار بن برد وأبي نواس والشريف الرضي وغيرهم.

«التفعيلة» ثورة هدم
   هل نظرتك لقصيدة التفعيلة نابعة هي أيضاً من التزامك ذاك بالعمودية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تكون وجهة نظر صائبة؟
في نظري أنه لا يصح تسمية جريمة التفعيلة بالقصيدة أو اعتبارها ثورة تجديد في الشعر العربي، وإذا ما اعتبرناها ثورة فهي أشبه ما تكون بثورة 26 سبتمبر! هدفها وغايتها هدم الشعر العربي.
وعلى كل حال، فأنا لا أعتبر جريمة التفعيلة «ثورة»، لأنها ثارت على الشعر ولم تثر بالشعر، وليتها ثارت على الأنظمة كما ثارت على الشعر العربي الأصيل. ولهذا فنحن نجد الكثير من أنصار هذه الثورة الوهمية من المحبطين، لأن انتصار ثورتهم كان انتصارا على الشعر وليس بالشعر.

مشاكس محترم
 معروف عنك أنك شاعر مشاكس.. هل لأن الشعر بالنسبة لك ثورة واعتراض أم أن مهنة المحاماة تدخلت هنا؟ أم ماذا؟
مشاكس في محتوى الشعر، وأحترم دستوره الأول وقواعده وقانونه، ربما لأني محام عمله حماية القانون والدفاع عن المظلوم والثورة ضد ظالمه والرد على أحكامه الجائرة. ولو أني أصبحت مؤخرا متهما أمام محكمة الصحافة التي جعلتني أجمع بين كوني شاعرا ومحاميا.

اتهامات مع الماضي والحاضر
  هل نستطيع القول بأن البردوني، المشاكس الكبير، قد شكل لك أنموذجاً؟
للبردوني دور أساسي في تكون وعيي السياسي والوطني والاجتماعي في فترة مبكّرة من حياتي عرفت من خلاله معنى التطلّع إلى العدالة، ونقد الواقع الأليم، حيث القلّة في نعيم، والكثرة في جحيم. ومن هنا لم أكن على وفاق مع الماضي كما مع الحاضر، وكتبت قصائد سببت لي مشاكل مع الماضي بتهمة أني مع الحاضر الذي يتهمني اليوم بأني من مخلفات الماضي!

تلاشي الحلم بالتغيير
  يصف البعض ما كتبته مؤخراً من قصائد بأنه مسكون بالنزق الثوري إن صح التعبير، فأين يكمن ذلك النزق؟
عندما تشاهد حلمك بالتغيير يتلاشى، وتجد أصنام النظام السابق تبنى وتعبد من جديد بمسميات مختلفة يعبدها أناس لديهم مكاسب انتهازية.. في حين كان حلمي أن يرقى وطني إلى مصاف العالم الرّاقي الذي ننبهر به ونكفّره.

استغلال سيئ
  لماذا صببت جام غضبك على المعلم في قصيدتك التي اعتبرها الكثيرون إساءة للتعليم بأسره وليس للمعلم فحسب؟
كانت تلك القصيدة ضد المعلمين الذين تظاهروا وأضربوا عن العمل حتى تصرف مرتباتهم، ولهم الحق في ذلك «النزق» كما تسميه أنت، ولكنهم للأسف تجاهلوا العدوان وغضوا الطرف عن التحالف المتسبب في انقطاع المرتبات، ولم يقبلوا بحلول تقدر عليها حكومة صنعاء وكانت قد قدمتها لهم. واستغل أذيال السعودية تلك القصيدة لاستمالة مرضى العقول والنفوس من المعلمين الذين تخرجوا من معاهدها العلمية الى صفهم، وهم في صفهم ولو صرخوا.

الشعر يأتيني ولا أستجديه
  يقال إنك تتعاطى مع الشعر كطوبة ترشق بها زجاج نوافذ العدو والمسؤولين الحكوميين، لا كاستغراق شعري متعدد المواضيع، هل يمكن أن يكون ذلك حكما صادقا؟ أم كيف ترى المسألة من وجهة نظرك؟
هو طوبة بالفعل، ولا أمتلك سلاحا غيره، مثلي كمثل أطفال فلسطين في مواجهة العدو الداخلي والخارجي ولا فرق. 
هناك شعراء عاشوا لحظات مختلفة حلوة ومرة، حربا وسلاما، أما نحن فلا نعرف سلاما ولا استقرارا بشكل عام. أما على المستوى الشخصي فأنا غارق في قضايا ومشاكل استحوذت على اهتمامي، وتسببت في النزق على المسبب لها، وهو الفساد وانعدام دولة النظام والقانون التي لو وجدت لتعددت اللحظات وتولد الاستغراق الشعري المتعدد. وعموما، فلكلّ شاعر عالمه الخاص. وأنا من النوع الذي يأتيني الشعر ولا أذهب إليه أو أستجدي بنات الخيال. ولا أنكر أني لست عالما كل العلم بالشّعر العربيّ قديما وحديثا، وأحتاج إلى تنمية ثقافتي لأكون قادراً على نقد نفسي كقدرتي على نقد الغير.

الشعر الفارسي نسخ ولصق من «العروض العربي»
  كضليع في اللغة الفارسية، كيف ترى زوايا تقاربها مع العربية؟ وإلى أي حد يمكن أن تسهم اللغتان في التقريب سياسياً؟
يقال إن اسم «فارس» من الفرز، بمعنى الفرق، من مصدر فرز؛ حيث إن حرف الزين يقلب ويلطف إلى سين، شأنه شأن الكلمات المنتهية بحرف السين في العربية، وكذلك اسم أفريقيا من كلمة فرق وكانت تسمى الفرق الغربي، واسم بغداد (عاصمة الثقافة العربية) اسم فارسي، إذ إن «باغ» تعني بستان بالفارسية و»داد» تعني عطاء.
كما أن نحو 60 ٪ من اللغة الفارسية مفردات عربية، أو عربية الجذور، وأما الـ40٪ الباقية منها فيمكن إرجاعها بعد التصرف الى العربية أو إلى لغة تشاركتها اللغتان في عمق التاريخ.
أما عروض الشعر الفارسي فما هي إلّا نسخ ولصق مباشر من نظام العروض العربي الذي وضعه الخليل الفراهيدي بقواعده وتحديثاته، وحتى ما تسمى ثورة التجديد في الشعر العربي يوجد لها توأم فارسي بنفس المصطلحات ونفس الجنون.

تلاقح ثقافي وأدبي نادر
  برأيك.. لماذا لم يكن للغة الفارسية انتشار مثل باقي اللغات في أوساطنا العربية، على الأقل باعتبارها الأقرب جغرافياً؟
أعتقد بأن اللغتين العربية والفارسية هما جناحا الثقافة والحضارة الإسلامية يؤثر أحدهما في الآخر ويتأثر به، والتلاقح الثقافي والأدبي بين العربية والفارسية لم يحصل لأي حضارتين أخريين بهذا المستوى من الاندماج على الإطلاق. فالآلاف من كبار العلماء والمفكرين والأدباء هجروا مسقط رأسهم في بلاد فارس وشدوا الرحال إلى بلاد العرب ودرسوا فيها ثم ألفوا الآلاف من الأبحاث والكتب التي لاتزال حتى يومنا هذا تدرس في جامعات العالم، كما وصل الفاتحون العرب إلى تركيا والأندلس والصين وأوروبا، لكنهم لم ينسجموا مع أي حضارةٍ كانسجامهم مع الفارسية في العصر الذهبي للحضارة الإسلامية الذي ما كان ولن يكون إلا على أكتاف العلماء العرب والفرس.
ولهذا لم يأفل نجم هذه الحضارة إلا بعد افتراقهم وخلافهم الذي يغذيه أعداء الحضارتين، وهم من يحدون من انتشار اللغة الفارسية في أوساطنا العربية رغم أنها الأقرب جغرافياً، ونجحوا في بلداننا العربية، ولكنهم فشلوا في بلاد فارس التي تعتمد اللغة العربية كثاني لغة رسمية في البلاد، وتدرسها في جميع مدراسها وجامعاتها.

الإمام الخميني أعاد ضبط الإسلام المحمدي
  كيف أصبحت هذه اللغة ضمن الأهداف الرئيسة في الحرب على إيران كمقاومة؟
لأن فارسية الخميني هي غير فارسية الشاه، وإيران ما قبل الثورة الإسلامية غير ما بعدها، إذ أصبحت خطرا يهدد عملاءها في المنطقة، وأملاً للمستضعفين والمقاومين، فهي التي أنجبت ثقافة الثورة والمقاومة والمواجهة ضد قوى الظلم والاستبداد، بالإضافة إلى أنها تمثل الشريان لحزب الله وأنصار الله والحشد والأحرار في فلسطين وغيرها، ولولاها لما استطاع الشعبان اللبناني والفلسطيني أن يقاوما الاحتلال الغاشم، ولولاها لما تمكن الشعبان العراقي والسوري من تطهير بلادهما من الدواعش، ولولاها لما عرف الشعب اليمني طريقه إلى الاستقلال من نفوذ الشيطان الأكبر والانتصار على أقوى دول العالم. وليس معنى ذلك أنه ابتكار فارسي أو اختراع إيراني؛ ولكنه الإسلام المحمدي الأصيل الذي أعاد ضبطه الإمام الخميني فتأثر به علماء وأحرار العالم بأكمله، من بينهم سيد الأحرار في اليمن الذي أطلق نفس شعاره وصرخ بنفس صرخته وإن أنكر البعض، فهي صرخة إسلامية فارسية خمينية ترجمت إلى العربية. ولا عيب في ذلك، لأن أصلها في الأول والأخير عربي حسيني كأصل الإمام الخميني: «مرك بر أمريكا... مرك بر إسرائيل»، كتبتها بالفارسية على جدران في حارتنا نهاية التسعينيات، وموجودة إلى الآن.
 
زيارة إيران ليست جريمة
  لنعتبر السؤال هذا من باب المشاكسة: إذا نظرنا إلى الزيارات المتكررة إلى إيران، من قبل آل العماد، وبالتحديد أنت وإخوانك، هل يمكن أن نعتبر ذلك في سياق علاقة ما؟ وما هو نوع تلك العلاقة؟
لم تكن الزيارات من قبل آل العماد فقط، ولكن ربما أن آل العماد هم من قصوا الشريط، ثم ذهب إلى إيران للدراسة أو العلاج الكثير ممن كانت اليمن تحرم عليهم الحصول على منحة دراسية أو علاجية. أما بالنسبة لي ولبعض إخواني، فنحن أولاد العلامة علي يحيى العماد الذي أظهر حبه ومناصرته للإمام الخميني بداية ثورته وإبان الحروب الظالمة ضد إيران، حتى سماه بعض زملائه في مجلسي الشورى ثم النواب علي الخميني.
سافرت إليها لأول مرة وعمري 15 سنة تقريباً، مع والدي للعلاج وزيارة أخي عصام الذي كان قد ذهب إليها خلسة قبل الجهر بتشيعه. وكانت محبة إيران والخميني حينها جريمة، أما السفر إليها فكان يعتبر خيانة عظمى، وربما لايزال أثر تجريم زيارتها موجودا حتى اليوم. وتساؤلك أكبر دليل. فما المشكلة من زيارة إيران، وحتى العلاقة معها أياً كانت تلك العلاقة؟ ولماذا لا نعتبر زيارتها حلالاً والعلاقة معها مباحة مثلها مثل دول العدوان؟

طريق مغاير لم يعجبهم
 هل يمكن أن تضعنا في أجواء عودة شقيقك حسن، بعد خلاف في إيران ووقوعه في أسر تحالف العدوان؟
أعجبني في سؤالك هذا أنك قلت خلاف في إيران وليس مع إيران؛ إذ إن أخي حسن كان قد رسم لنفسه طريقا لا يتناسب مع ما رسمه العراب الإيراني لليمنيين هناك، فأسس حزبا ومؤسسة خيرية، وهذا ما لم يعجب بعض الإيرانيين واليمنيين الذين أساؤوا الظن بحسن، واعتبروا ذلك خروجا على نهج المسيرة وعصيانا لقائدها، فأعلنوا الحرب ضده وضايقوه في كل نشاط كان يقوم به، وشوهوا سمعته واتهموه باتهامات باطلة، بل وصل بهم الحد إلى منعه من الظهور في القنوات الإيرانية، والتحدث عن مظلومية اليمن فيها أو في الجامعات، اعتقادا منهم أنه كان يفعل من أجل أن يحصل على مساعدات، كانوا يزعمون ظلما أنه ينفقها على نفسه، في حين أن عدد الأيتام الذين كفلتهم مؤسسته تجاوز الـ3000 يتيم، مما اضطره إلى الانتقال إلى مدينة مشهد التي تبعد عن العراب أكثر من 1000 كيلومتر، ولكن المضايقات لحقته إلى مشهد، فقرر بعدها مغادرة إيران.

موقف سلبي
  ما موقف شقيقك الآخر عصام مما حدث، خصوصا وأنه مناهض لحسن؟
للأسف أن موقف من علمني النحو وقواعد اللغة العربية كان موقفاً سلبياً ناتجاً عن خلافات قديمة جدا أشعلتها بينهما أجهزة الأمن والاستخبارات اليمنية والإيرانية، وزاد في اشتعالها انقسام الإيرانيين الى محافظين وإصلاحيين، حيث ذهب كل أخ مع طرف، وكانت الفتنة بينهما قد نامت لعن الله من أيقظها من جديد.

إشاعة من غير قصد
  ما الرواية التي أشاعها عصام حول وقوع حسن في الأسر؟ وماذا كان الغرض منها؟
رواية أن حسن خرج من إيران بعد اتفاق مع السعودية وأنه لم يؤسر، وهي رواية غير صحيحة نطق بها أخي العلامة عصام، ولكني أعتقد بأنه لم يكن كاتبها، ولكن الكاتب والمخرج لها كاتب إيراني، لأنها أشبه ما تكون بالروايات الإيرانية التي لا تفرق كثيرا عن الروايات الهندية.
وأعتقد -والله أعلم- بأن الغرض منها هو هدم ما كان حسن قد بدأ في بنائه ولم يستطع إكماله وهو حر طليق، فأكمله من أشاع هذه الرواية عن غير قصد!
 كلمة أخيرة لكم من خلال صحيفة «لا»؟
كلمتي الأخيرة من خلال صحيفة «لا» أوجهها للصحيفة وللقائمين عليها:
لا تشغلوا الأستاذ صلاح الدكاك بالأمور المالية والفنية والإدارية وما شابه، ودعوه يتفرغ لقلمه وشعره. فوالذي لا يقسم إلا به لو تفرغ تفرغا كاملاً له لأشار العالم إلى اليمن قائلا هذه بلاد الدكاك.