بيحان / طلال سفيان / لا ميديا -
بعد رحلة امتدت لساعتين ونصف من طريق مديريتي السوادية وناطع في محافظة البيضاء، ذلك الخط الإسفلتي الطويل الذي يحدد طرفيه حبال مانعة للدخول نحو الألغام والمليء بمدرعات وجرارات العدوان المدمرة، ولوحات بمسميات مختلفة بين كل كيلومتر تفادياً لضربات طيران العدوان، كان وادي بيحان يطل علينا لحظة وصولنا أعلى نقيل بيحان وهتافات الترحاب ودعوات النصر لأبطال الجيش واللجان من قبل المسافرين من أبناء محافظة شبوة.
واحات خضراء ومياه متدفقة ودفء جميل يحمل روائح النخيل وأشجار العوسج والسدر والمنال المنتشرة في وادي بيحان.

العليا... التحام وتفاؤل
مديرية بيحان ومركزها مدينة العليا، مدينة متناثرة ذات مساكن أسمنتية ومن الطوب المصبوغ باللون البني، يسكن المدينة حوالي 30 ألف نسمة، وتنتشر في طرقها أطقم المجاهدين العابرين للجبهات ومسلحي القبائل الشبوانية من بلعيد ومحاضير وأزارق، وأيضاً السيارات الفاخرة لأبناء المديرية الشاسعة من المغتربين في دول الجوار.
كل شيء يمضي بحب ووئام وإعجاب شديد من أبناء بيحان تجاه أبطال الجيش واللجان الشعبية، هذا ما قاله لنا أحمد العرام، صاحب بقالة تقع وسط الشارع العام في مدينة العليا، مضيفاً: «والله إنهم من أشرف وأرجل رجال اليمن، من يوم تحريرهم للمدينة والمديرية ونحن لا نرى منهم غير حسن التعامل والطيبة والتواضع، وفوق كل شيء جاء الأمان معهم. ألم أقل لك إنهم رجال وفرسان الواحد منا يفخر بهم».
لحظتها شدتنا مسألة البيع والشراء، وسألته لماذا نشتري منكم كل سلعة بثمن باهظ وبنفس العملة (عملة الريال التابعة لمناطق الجيش واللجان الشعبية – وعملة الريال بطبعة مرتزقة العدوان)؟! فيرد: «نحن الآن نبيع ونصرف بضاعتنا من المخازن بنفس القيمة القائمة منذ «الشرعية»، الله لا يفتح عليها، والقبض يكون سواءً بورق مالية حكومة صنعاء أو بالعملة القعيطي اللي طبعوها الخونة»، وهنا يتدخل رجل كان يشتري علب مياه، وقال أنا صاحب هذه الصرافة، وأشار إلى محل مكتوب على لوحته محل المصعبي للصرافة، وقال «قبل أيام نزلت لعندنا لجنة اقتصادية واشترت منا العملة القعيطي الجديدة وأعطتنا مقابلها عملة الريال اليمني القديم، وبنفس السعر دون بخس أو خسران، وتركوا مهلة لمدة شهر حتى يتم سحب ما تبقى من العملة القعيطي من الناس وكل شيء، بعد ذلك بيرجع رخيص مثل صنعاء وبقية المناطق اللي ما طالها الاحتلال، ولو رجعتم بعد شهر باتشوفوا بعيونكم الفارق، ويكفي إننا رقدنا يوم 20 سبتمبر والدولار بـ1200 وصحونا يوم 21 سبتمبر والدولار بـ600 ريال، وارتحنا يا أخي من هذا الهم بفضل هؤلاء الرجال اليمنيين الأقحاح»، وهو يشير إلى طقم يحمل مجاهدي الجيش واللجان الشعبية.

الصرخة تهز الوجدان
حالة فريدة وعظيمة وأنت تشاهد التعايش والإعجاب المتبادل بين أهالي بيحان والمجاهدين الذين قدموا لتحريرها من هيمنة قوى العدوان التي بسطت على هذه المديرية منذ نهاية 2017، الأطفال والشباب يهرعون حول الطقومات ويطالبون بلواصق الصرخة وأعلام المولد، وهنا أحد المجاهدين ومعه رجل عجوز من أهالي بيحان يلونون أحد الجدران في المدينة بشعار المولد النبوي، وسيارات بمكرفونات وأناشيد تنتشر احتفاءً بهذه المناسبة العظيمة التي غابت عن مدينة شريف بيحان (اسم سلطان بيحان في عهد المستعمر البريطاني لأرض الوطن)، وإعجابات مليئة بالفرح والدهشة لحظة أداء شباب ورياضيي أمانة العاصمة صنعاء لرقصة برع وسط شارع عليا بيحان الرئيسي، صباح الجمعة الماضية.
بعد استراحة لنا مع فريق مكتب شباب ورياضة العاصمة صنعاء في قرية الجدفرة، الواقعة على بعد 8 كيلومترات من المدينة، كان الذهاب مع مسؤول الزيارة ورئيس البعثة الرياضية المجاهد زيد جحاف (أبو حمزة) إلى جامع القرية لصلاة الجمعة، وكان أحد الأهالي يستقبلنا بترحاب ويهدينا أعواد سواك لونها أخضر وخطبة مليئة بالحماسة والدعاء بالنصر لأبطال الجيش واللجان.
ومع العصر كان الذهاب إلى مطار بيحان، حيث تنتشر الملاعب الترابية للعب مباراة على كأس المولد النبوي الشريف على صاحبه وآله أفضل الصلوات والتسليم، جمهور كبير وعلى الأطراف سيارات ودراجات نارية، كان هناك يجلس أحد المجاهدين على الأرض ماسكاً بندقيته ومرتدياً جعبة، أخبرني الصديق المجاهد عبدالله الوادعي (أبو أحمد) هل تعرف من هذا؟ فرددت بـ»لا»، فقال تعال يا صاحب «لا» (يقصد الصحيفة) وعرفني عليه قائلاً: هذا مشرف بيحان المجاهد أبو عبدالله الحمران، وعرفه بي قائلا: «هذا الإعلامي حقنا من صحيفة لا»، بعدها سألت الحمران عن الأوضاع في بيحان فرد: «والله إنها طيبة والأمور تبشر بخير»، وبعد إلحاحي بعدة أسئلة عن كيف يرى الأجواء والتفاعل بالمناسبة الدينية رياضياً واجتماعياً، كان رده بشكل متواضع وخجول: «أنا هذا أول يوم لي في بيحان، وعادنا وصلت من عسيلان (المديرية المحررة الأخرى في محافظة شبوة إلى جانب مديريات بيحان والعين وحريب)، ولا أريد أن أغرف لك من شوالة أبو هريرة»!
بعدها لعب فريقا شباب بيحان وشباب صنعاء مباراة كروية على كأس المولد النبوي الشريف للعام 1443 هجرية، وظفر أبناء بيحان باللقب، وكانت لحظة مدهشة وهم يعبرون عن فرحتهم هذه بالهرولة إلى فوق سيارة «تويوتا هايلوكس» وهم يرددون صرخة (الله أكبر.. الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام)، ويجوبون بها شوارع وأزقة مدينة العليا.

زيارة حريب مأرب
أثناء وصولنا مديرية بيحان، نسق نجم الكرة اليمنية السابق الكابتن لؤي هديان، لإجراء مباراة كروية في مسقط رأسه مع شباب مدينة حريب، آخر مديرية تقع جنوب محافظة مأرب ومحادية لمديرية الجوبة في مأرب ومديرية العين في شبوة، وفي رحلتنا نحو مدينة حريب رافقنا أبورافع مشرف المنطقة، وفريق قناة «المسيرة»، وقام أعضاء فريق رياضيي صنعاء بتكريم عبدالله السقاف مراسل القناة، وسط الكثبان الرملية، وصلنا بعد ساعة إلى حريب، وكان استقبال حار واجهه الكابتن لؤي من أهله هناك، ليلعب بعدها فريق صنعاء مع نظيره فريق سبأ حريب مباراة كروية على بطولة المولد النبوي، وأثناء مغادرتنا للمدينة ليلاً بتنا خارجها مع المرابطين من أبطال الجيش واللجان الشعبية، نتيجة تحويم طيران العدوان فوق رؤوسنا، وأثناء مغادرتنا التقينا مع أحد الأبطال المرابطين، والذي أخبرنا كيف بقي أسيراً لمدة 3 أعوام في مأرب، وكيف تم تعذيبه خلالها من قبل الدواعش، وعن تحريره من قبل الجيش واللجان الشعبية لحظة تحريرهم للجوبة، وعبر لنا هذا المقاتل العظيم الذي لم يرتح ليلة واحدة منذ فك أسره حتى عاد هارعاً إلى ذات الجبهة، وبدهشة قال: «والله إنكم عملتم عمل عظيم في حريب، منذ تحريرنا لها قبل أربعة أيام وأسواقها وحركة سكانها متوقفة، ومن بعد مباراتكم معهم لم يأت المغرب حتى تحركت الحياة بالمدينة وفتحت المطاعم والدكاكين وخرج الناس».
لحظة مغادرتنا مدينة حريب، كنا نرى صفوف الناس هناك بطوابير انتظاراً لتعبئة أسطوانات الغاز، ليخبرنا الكابتن لؤي أن المدينة منذ دخلها الجيش واللجان الشعبية تم قطع الكهرباء والغاز عنها من قبل سلطة مرتزقة مأرب انتقاماً من السكان الذين رحبوا واستأنسوا بالأبطال المحررين، هؤلاء الأبطال الذين كنا نهتف لهم أثناء مغادرتنا بيحان وقدومهم إليها في الطريق «كيف المعنويات؟!»، فيردون: «عالية.. عالية».