طاهر علوان الزريقي / مرافئ -
فيلم أمريكي يصور المدن الأمريكية بأنها زائفة ومستعبدة، زنزانات أجبرت الناس على حشر أنفسهم فيها، ثم لفظتهم إلى حائط مسدود حيث لا مفر من الخرسانة والزجاج الملون المصنع ثقافياً في الشمال الغني حيث يتعلم الإنسان (المتحضر) صعوبة الانتباه والتركيز، ويقتنع بأن الخطيئة الكبرى هي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ومع ذلك يمارس الاستغلال بكل بشاعة لدرجة الملل من أجل استمرار حياة العبث والمصلحة الحيوانيـــــــــــة والاستهانة بالبشر، حيث تختفي النزعة الإنسانية ومعها الذاكرة والعواطف والأحاسيس حتى تكاد زنازين العزلة لا تحتاج إلى كل تلك الحيطان المكعبة من الأسمنت والحديد والزجاج التي تؤلف سطح المدن وشوارعها لتنتصب هي الأخرى بين الإنسان ونفسه.
النظام الأمريكي الإمبريالي المستغل هو المتهم وهو من أوجد وعمق تلك العزلة والوحشة الإنسانية، بينما بين سطح المدينة وقاعها أكثر من علاقة مشاركة، فلا سطح يعيش بلا القاع ولا القاع يستمر إذا أفلت من وهم الصعود إلى أعلى، وفي الحالتين ثمة خداع ومخاتلة وتهميش واستبعاد، ثمة فقط بعض الظلال التي توحي بأن ثمة عمقاً ما، ولكن العمق الوحيد في الحالتين هو ذلك الموجود في صيحة خافتة في كل إنسان، صيحة تقول «كل منا وحيد»، فلماذا تستمر إذن رحلة الهروب إلى المدن المعزولة حيث يفقد الإنسان طهارته وبساطته وخصوصيته، والحياة تتجرد من إنسانيتها، حيث الاستغلال والبطالة المتزايدة والتلوث والضجيج والمجتمع ينهار، والإحباطات متتالية، حيث يفقد الإنسان الحب والصداقة ويستبدلهما بالعلاقات التجارية المؤقتة، مدن مريضة تشبه باللقطة المجسمة من الأعلى بحدائقها الخضراء الصناعية وأزهارها الزائفة عنابر السجون والمكعبات الخرسانية المشوهة حيث تختلط الأضواء الفاخرة والزخارف والفخامة بعلب الصفيح والأرصفة التي ظلت تتسع دائماً لملايين المتسكعين والمتشردين.