وليد مانع / لا ميديا -
روي أنَّ الحجاج بن يوسف الثقفي نبش 3 آلاف قبر في النجف طلباً لجثة الإمام علي عليه السلام. لذلك، ومثلما أوصى الإمام علي (ع) مسبقا بموضع دفنه، أوصى أيضاً بكتمان الأمر، وهذا ما حدث بالفعل، حذراً من نوايا بني أمية أو الخوارج. وفي ليلة وفاته أخرج أبناؤه عدة جنازات ذهبت كل منها في ناحية، فالتبس الأمر على الناس ولم يعرفوا أين تم دفنه، وبقي الأمر سرا خالصا لأبنائه والمقربين الخلص، طيلة العهد الأموي. 
وبعد سقوط الدولة الأموية في سنة 132هـ/749م، ظهر الأمر وشاع. لكن اختلف المؤرخون حول من أظهره. فقال البعض إنَّ هارون الرشيد أظهر القبر في سنة 170هـ/786م أو 175هـ/791م، بعد أن ظهر له في رحلة صيد إلى النجف، وأنه أمر ببناء قُبَّة على القبر. لكن الأرجح أن جعفر الصادق (ع) هو الذي أظهر القبر الشريف ودلَّ عليه وأمر بزيارته، وبنى عليه دكّة.
وفي 236هـ/850م أمر المتوكل العباسي بهدم القبر وقبر الإمام الحسين (ع)، ومنع زيارتهما. ولقد قتله ولده المنتصر في سنة 247هـ/861م، وتسلم مقاليد الحكم، فخفف التضييق على الشيعة. لكن التضييق عاد بعد وفاته، إذ لم يحكم سوى ستة أشهر.
وفي سنة 283هـ/896م، أرسل ملك طبرستان، السيد محمد بن زيد الداعي الحسني، أيام المعتضد، أموالاً لبناء حرم وقبّة للمرقد الشريف، أحاطهما بحصن فيه سبعون إيواناً لخدمة الزوّار والمجاورين. ومذاك بدأ التخطيط الحضري لمدينة النجف الأشرف.
وفي حوالى سنة 311هـ بنى أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان، والي الموصل، "قبّة عظيمة مرتفعة الأركان، من كل جانب لها باب مغلق، وهي مستورة من كل ناحية بفاخر الستور، وأرضها مفروشة بالحُصر السامانية"، كما ذكر الإدريسي في "نزهة المشتاق".
وفي سنة 338هـ/949م، بنى زعيم الكوفة، عمر بن يحيى العلوي، حرماً جديداً وقبّة كبيرة.
وفي 366هـ/976م قام السلطان عضد الدولة البويهي، حاكم بغداد في عهد الخليفة العبّاسي الطائع، بإنشاء عمارة جديدة فخمة بقبة بيضاء، وستر جدران الحرم بخشب الساج المنقوش. كما أقام بهواً أمام الرواق، وغرفاً وأواوين، وأنشأ داراً للضيافة.
وفي سنة 755هـ/1354م، احترقت عمارة المرقد. فقام الأمير حسن بن نويان الجلائري، وهو من الأسرة الإليخانية التي حكمت العراق آنذاك، بإعادة عمارة المرقد، واكتملت العمارة الجديدة في سنة 760هـ/1358م.
أما العمارة الفخمة الحالية فقد أمر بإنشائها الشاه عباس الأول الصفوي في سنة 1023هـ/1614م، لتحل محل العمارة الإليخانية. ولقد قام بجمع البنائين والمهندسين وبذل الأموال الكثيرة، وبنى القبّة والرواق والصحن الشريف، وجعل القبَّة خضراء بعد أن كانت بيضاء.
ويرى البعض أن هذه العمارة بدأت سنة 1027هـ بأمر من الشاه صفي الصفوي، والد الشاه عباس الصفوي الأول، وإذ توفي صفي الصفوي سنة 1052هـ، فقد أتمَّها ولده الشاه عباس الصفوي سنة 1057هـ.
وكان فريد عصره، العلامة بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي، المعروف بالشيخ البهائي، هو من صمم هندستها المعمارية. وقد حقق في هندسته هذه إعجازاً فلكياً يتمثل في تعيين زاوية الزوال وتحكيم بزوغ الشمس على الحرم المقدس. كما تضمنت هندسة البناء جوانب رمزية أخرى مستوحاة من آيات القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام.
وأما أهم السمات الهندسية لهذه العمارة فتتمثل بالقبة البصلية الشكل، ذات الرقبة الطويلة التي يبلغ ارتفاعها عن أرض الصحن العلوي 30 متراً.
والصحن الحيدري مربع الشكل، ويضم الحرم في وسطه، وله ثلاث باحات، شرقية وشمالية وجنوبية، ومُحاط بسور كبير يضم كثيرا من الغرف في طابقين، تتقدمها الأواوين. وكان للصحن الشريف آنذاك ثلاثة أبواب، هي المعروفة الآن بـ"باب الساعة" من الشرق و"باب الطوسي" من الشمال و"باب القبلة" من الجنوب.
وتميزت العمارة الصفوية بجدرانها المكسوة بالحجارة القاشانية ذات النقوش الزخرفية المتنوعة الأشكال والمتناسقة والمشرقة الألوان، وتضمنت آيات قرآنية وأحاديث وقصائد شعرية في مدح صاحب الضريح وأهل البيت عليهم السلام.
وفي سنة 1155هـ/1742م، أمر السلطان نادر شاه بخلع القاشاني عن القبّة والمنارتين والإيوان الكبير، وإكسائها بالصفائح النحاسية المطلية بالذهب الخالص.
وقد تم تنفيذ عدد من الإصلاحات على القبّة والمنارتين بعد فترة التذهيب الأولى، أهمها ما قام به التاجر النجفي الحاج محمد رشاد مرزه الذي تبرَّع بـ50 كيلوغراما من الذهب، ومليون دينار عراقي لترميمها وإعادة تذهيبها، بعد موافقة سماحة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم.
وفي بداية ثمانينيات القرن الماضي قام النظام البعثي بخلع حزام القبّة وإكليلها الذهبي والأشرطة والصفائح الذهبية، بدافع طائفي وعنصري، لأنَّ هذه المدوَّنات كانت مكتوبة بالفارسية والتركية. وتم تغييب الإكليل الذهبي الأصلي وإبداله فيما بعد بإكليل آخر يحمل لفظ الجلالة (الله)، في حين ظلّت القبّة عارية من حزامها.
وفي آذار/ مارس 1991 رد النظام البعثي على الانتفاضة الشعبانية بقصف مدينة النجف الأشرف بالصواريخ وقذائف المدفعية، فأصيبت القبّة الشريفة إصابات بالغة، كما تضررت واجهة الإيوان والباب الكبير. وبعد إخماد تلك الانتفاضة تم ترميم الأضرار بشكل متسرع وغير دقيق.
بعد سقوط النظام البعثي في 2003 أصدر مجلس إدارة العتبة العلوية قراراً نصَّ على: "إعادة كل ما رُفِع، ورفع كل ما وُضِع في زمن النظام السابق". وبناءً على ذلك قامت لجنة إعمار العتبات المقدسة في إيران بتجديد الكتائب، والتي كانت مرميّة في أحد مخازن الحرم العلوي الشريف. وقد أُعلن اكتمـــــــال العمــل في 6 تمـــــــوز 2009.