بدأت مشواري وعمري 17 عاما وبراءة ملامحي سجنتني في دور الأم

حاورتها: بشرى الغيلي / لا ميديا -
تعد واحدة من ألمع نجوم الدراما اليمنية، تتملكك الرغبة بمتابعتها حتى النهاية لأنها فرضت احترام ومحبة الجمهور لها من خلال تجسيدها لأدوار بطولية إنسانية واجتماعية، والأكثر وجعا التي تتعرض لها المرأة في المجتمع، فتارة الأم المظلومة، وأخرى المغلوبة على أمرها، وغيرها من الأدوار.. إنها الفنانة أمل إسماعيل التي أوضحت لـ“لا” أن ملامحها هي التي تجعل المخرجين يضعونها في نطاق هذه الأدوار، ورغم المعاناة التي رافقتها منذ طفولتها إلا أنها تغلبت عليها وآمنت برسالتها التي ترى أنها أوصلتها للمجتمع من خلال الصدى الذي يصل إليها.. تفاصيل شيقة خلال الحوار التالي.

الظاهري أبي ومعلمي المسرحي
 يصفك الكثير بالملامح البريئة الممزوجة بنقاء السهل التهامي الطيب.. هل لك أن تحديثنا عن انطلاقتك الفنية هناك؟
 فعلا، وللأسف بسبب ملامحي البريئة تجدينني دائما في الأدوار المسكينة، الأم المظلومة، المغلوبة على أمرها، من أول ما بدأت التمثيل تقريبا في 1988، كان عمري حينها 17 سنة، فقمت بدور أم لشخص أكبر مني بسنوات ما شاء الله الدكتورعبدالله الكميم، صحيح أنني تربيت وعشت في تهامة ولكن الأصول ليست تهامية، ولكن لي الفخر أنني ولدت وترعرعت بمدينة الحديدة، وكبرت على الأجواء التهامية والأحياء التهامية، والأكل التهامي، واللهجة التهامية، والبداية كانت من تهامة كمطربة وليس كممثلة، حينها غنيت على خشبة المسرح الثقافي بالحديدة مع فريق الكشافة والمرشدات، والذي اكتشف صوتي حينها الفنان جابر علي أحمد، وأعطاني أول عمل فني عام 1985، وكان عمري حينها 14 عاما، اختار عدداً من الأصوات وكنت من ضمنهم، وكانت هذه انطلاقتي الفنية كمطربة، غنيت أنشودة وطنية من ألحان الدكتور المصري نبيل فودة، وكلمات الأستاذ عباس الديلمي بعنوان «لاحت دموع الشعب»، بعدها بعامين اشتغلنا أعمالاً بسيطة غنائية وتمثيلية، وبعدها في 1988 كان المخرج الراحل فريد الظاهري الذي أعتبره أبي وأخي الكبير الذي علمني المسرح، وكيف أقف على خشبة المسرح، وكنت حينها أسجل لهم أغاني للمسرحية، وكان معهم بطلة حينها موجودة بالمسرحية ممثلة، لكن للأسف لم تكن لديها سرعة الحركة، والممثل عادة وضروري جدا يكون لديه ليونة لتمكنه من سرعة الحركة وهي كانت من النوع (المتخشب)، فعرضوا علي أن أقوم بالدور كونها أتعبت المخرج بدون فائدة، فقلت: أوكي. وكانت أول مسرحية لي بعنوان «كفاح صياد»، وبدأت انطلاقتي من هنا، وبعدها انتقلت للتلفزيون وكان أول مسلسل أظهر فيه «المهر»، من إخراج الأستاذ عبدالعزيز الحرازي، وتوالت أعمالي في التمثيل، بينما في الغناء كان قليلاً جدا، فلم أقدم سوى أغان بسيطة في إذاعة الحديدة، وإذاعة صنعاء، وقناة اليمن الفضائية، وكنت أجهز لإنزال أول كاسيت لي، ولكن بسبب أن المنتج كان مايزال ببداية مشروعه ولم يكن لديه المادة الكافية لينزل الكاسيت، فبقي التسجيل كما هو. وأنا غنيت مقدمات ثلاثة مسلسلات يمنية وهي: «كيني ميني»، و»عندما تبتسم الأحزان»، و»من أصل الحكاية»، هذه مقتطفات من البداية، إلى جانب السينما مثلت فيلم «يوم جديد في صنعاء القديمة» للمخرج اليمني البريطاني بدر الحرسي، وكنت ضيفة شرف في فيلم «نجود في التاسعة ومطلقة»، واشتغلت الفيلم اليمني المحلي «عشرة أيام قبل الزفة» لعمرو جمال، وغيرها من الأعمال.

الممارسة تصقل الموهبة
  تميزت الفنانة أمل إسماعيل بموهبتين (الغناء والتمثيل) أيهما تشعرين أن إحساسك يكون فيه أقوى رسالة تؤدينها لجمهورك المتابع؟
 عمري ما كنت أحلم أنني سأكون ممثلة، وكان حلمي أن أصبح مطربة، ولكن في النهاية كلها تصب في مجال واحد، وهو الفن الذي يشمل أشياء كثيرة غناء ورقصاً وتمثيلاً وموسيقى، وللأمانة أجد نفسي في الاثنين، ولكن التمثيل أكثر لأنني أجد استمرارية، بمعنى الموهبة عندي تبلورت مع العمل المتواصل طوال هذه السنين، وإن كان بشكل موسمي، ولكن أكون متواجدة كل سنة بعمل، وبسبب الممارسة صقلت الموهبة، والغناء بيني وبينك أنا كسولة، لأنه بصراحة يحتاج اجتهاداً، كالبحث عن الكلمة، وعن اللحن، وعن المنتج، بمعنى يحتاج جهداً كبيراً، لكن التمثيل هناك من يدعمه كالتلفزيون أو الشركات الخاصة، فتجد التمثيل في شغل مستمر حتى وإن كانت معظم الأعمال تنحصر في رمضان.

إضافة فنية
  ما هي الأعمال الفنية التي ترين أنها أضافت للمكتبة اليمنية الفنية الجديد والمواكب لإيقاعات العصر؟
 هناك أعمال تمثل إضافة للمكتبة اليمنية الفنية وإن لم تكن بدرجة الأعمال العربية، وهناك أعمال مواكبة للعصر، مثل مسلسل «الوصية»، وهناك أعمال في عدن تشعرين أنها مواكبة للعصر قدمت بشكل جميل رغم شحة الإمكانيات إلا أنها تواءمت مع وضعنا الراهن.

المعاناة متواصلة
  تسبب العدوان والحصار بتعطيل وركود جوانب كثيرة في البلاد.. كيف توضحين ذلك على الجانب الفني؟ 
 بالنسبة للركود الفني نحن من زمان نعاني من ذلك، وموضوع التلفزيون والمسرح والفن شائك وقديم نعاني منه كفنانين، وليس الآن فقط، وكان من النادر أن تجدي عملا دراميا فيه دراما، والعدوان مكمل لذلك الركود، وأصبحت جميع الأعمال مسيسة، بمعنى ليست درامية خالصة، وإنما كل طرف يسعى لتوصيل فكرته ورأيه للجهة التي يتجه لها، ورغم ذلك أتمنى أن يصير حالنا للأفضل وأن تنتعش الأعمال الدرامية من جديد وتخلّد في التاريخ.

الفن استمرارية وتواصل
يعلق الكثيرون بأن الأعمال الدرامية اليمنية موسمية، كما أن أغلب الممثلين يظهرون بتكلفهم لتأدية الأدوار وأنهم يُشعرون المشاهد بسطحية الأداء ولا يعيشون الدور بإحساس، وكأن الفنان أو الفنانة يطبقون توجيهات المخرج فقط.. كيف تردين على ذلك؟
 كما أوضحت في البداية أن أعمالنا موسمية، بسبب أنه لا يوجد اهتمام، ولا قطاع خاص، ولا شركات إنتاج تقدم أعمالاً على مدار العام، لذلك نعاني من موسمية الأعمال، والآن القنوات العربية تتنافس لإنتاج أعمال درامية لرمضان، ولأن الناس تحب أن تتابع في رمضان، رغم أن رمضان شهر ذكر وصيام وقيام، ولكن الناس تعودوا على متابعة ما تقدمه الشاشة في رمضان، ونحن كفنانين يمنيين نعاني من عدم استمرارية هذه الأعمال، بينما في العالم العربي هناك أعمال تنتج حتى بعد رمضان، لدرجة أحيانا يصورون لرمضان القادم، حيث لديهم تواصل بأعمال فنية زاخرة، ونحن نطبق الأشياء السلبية ونعاني من الكسل والنوم طول العام، وهذا يؤدي إلى جفاف نفسي وفني، لأن الفن استمرارية، وحتى يصبح الفنان متمكناً يجب أن يشارك في أعمال فنية متواصلة، فالخبرة والممارسة تكسبه الثقة بالنفس، لدرجة أنه قد لا يكون بحاجة لحفظ الحوار، وتصبح لديه الأمور ببساطة، لكن عندما يجلس بالبيت لفترة ثم يعود نهاية العام مثل الذي يقول يصحوني وأنا نايم، ثم يرجع يصحصح وبعدين يدخل في الشخصية. المساكين هنا هم الممثلون المستجدون، لأنهم يعانون ويحتاجون لوقتٍ حتى يستوعبوا الشخصية، وأبعادها، ونفسيتها، وعلاقتها بالشخصيات... إلخ، وبالتالي فإن الأعمال الموسمية تؤثر على الجميع (أصحاب الخبرة أو المستجدين)، ولذلك يشعر المشاهد أن الممثل متصنع في أدائه لأنه لا توجد ورش تأهيل الشباب فنيا سواءً في السابق، أو في وقتنا الحاضر، لذلك من يمتلك المال يؤهل نفسه ويشتغل عليها ويشترك بدورات تأهيلية، وبسبب الركود كل شيء يتعطل حتى دماغك، ولأن التمثيل هبة من الله سبحانه وتعالى، ومثلا في اليوم معك أكثر من مشهد مرة تضحك، ومرة تبكي، لذلك نعاني في توصيل الشخصية التي نقوم بدورها.

عملان رمضانيان
على ذكر موسمية الأعمال.. ما هو جديدك هذا العام في رمضان؟
 بداية، كل عام وأنتم والشعب اليمني والمشاهدون والمهتمون بالدراما وغير المهتمين بألف خير، وشهر كريم على الجميع، وبالنسبة للأعمال لدي عملان للشهر الكريم، الأول تم تصويره في صنعاء وهو بعنوان «قلوب مقفلة»، وسيعرض على قناتي اليمن الفضائية والمسيرة.
أما العمل الثاني فقد تم تصويره في سيئون، وسيتم عرضه على قناة حضرموت، وهو بعنوان «الجمرة 2»، هذان هما العملان اللذان شاركت فيهما، وجاءت لي عروض أخرى، ولكن لم نتفق، ومع ذلك أتمنى التوفيق للجميع.

لا بادرة خير
  كيف تنظرين لمستقبل الفن في بلادنا خصوصا في ظل العدوان والحصار؟
 لا أريد أن تكون نظرتي سوداوية للمستقبل، لأنه للأسف لا توجد أي بادرة خير للفن الدرامي اليمني، لأن الأهم أولاً أن يصلح حال بلادنا وأن تتفق جميع الأطراف، لأننا بالنهاية كلنا يمنيون، وكلنا إخوة، ولذلك نتمنى أن يكون الفن خالصا للفن والشعب، فالبعض يميل لفنان معين لأنه ينتمي مثلا لجهة معينة، بينما يجب أن يكون الفنان للشعب كله، ونتمنى أن يكون حال البلد أفضل إن شاء الله.

الفن يطور المجتمع
  مواقف كثيرة لا شك مرت بها الفنانة القديرة أمل إسماعيل.. ما هو أسوأ موقف، وما هو أجمل موقف، وما الموقف الذي جعلك تبكين فيه أو تعيدين النظر في أنك صرتِ فنانة؟
 (تضحك) لا أذكر عندي زهايمر وأنا من النوع الذي ينسى، وهذه نعمة من الله، ولا أحب تضييع الوقت في مواقف زعلتني، فتعلمت أن أنسى، والمواقف التي جعلتني أبكي أكيد لأننا بشر، ومن المواقف المؤلمة لدينا ما يكفينا لدهور، أما موقف جعلني أندم أنني صرت فنانة، فلا وجود له، بل بالعكس أنا سعيدة جدا، وإذا لم أكن ممثلة كنت أتمنى أكون ممثلة، وسعيدة أيضا أن لي أعمالاً تؤثر على المجتمع، وسعيدة بمحبة الجمهور لي، وفخورة بأعمالي التي قدمتها لمجتمعي وتركت بصمة، وفخورة بزملائي في هذا المجال، ومن خلال الفن أنت تصنع مجتمعك، وتصلح في مجتمعك وتطور فيه، وتجعله ينهض إلى أعالي السماء، ومن خلال الفن تصنع مجتمعاً نظيفاً صحياً ومثقفاً، يتعلم كيف يحب الوطن من خلال الأعمال الفنية الدرامية، والفن رسالة سامية تعالج أشياء كثيرة، ويشعر الفنان أنه يوصل رسالته من خلال المشهد الدرامي، وأنا أشعر أن لدي الكثير مما أقدمه لجمهوري، وفي حال أحسست أنني لست قادرة على العطاء سأنسحب من المجال الفني.

رباني جدي
  لنخرج قليلا من الجانب الفني وندخل في عالم الأستاذة أمل الخاص.. كيف تديرين مملكتك الصغيرة؟ وكيف تجاوزتِ العقبات ووفقتِ بين الفن والحياة الخاصة؟ وبماذا تنصحين المستجدات من الشابات اللواتي مازلن في بداية مشوارهن الفني؟
 عانيت الكثير منذ صغري، فقد كان والدايّ منفصلين، لذا تربيت في كنف جدي الذي كان متشدداً قليلا، فقد كان يعيش خارج اليمن بأسمرة في الحبش لمدة طويلة، وجدتي أيضا هي من أسمرة وأصولها حضرمية (رحمة الله عليها) من الذين هاجروا من البدو، وكانت واعية ومتفهمة، وهي من ربتني وكانت أكبر داعم لي أن أستمر في المجال الفني وأقنعت جدي بذلك، بعدها الله وفقني بزوج متفهم شجعني على مواصلة ما بدأت، لكن في السابق عندما كنت أسافر للعمل آخذ معي أطفالي فكنت أعاني كثيرا، أما الآن فقد صار لدي أبناء يدرسون في الجامعة، وهم من يساعدونني ويشاركونني هم التربية والدراسة لإخوانهم الصغار.
ونصيحتي للمستجدات في عالم الدراما ألا يدخلن المجال الفني إلا إذا كان لديهن الموهبة، وليس ذلك فقط، بل عليهن صقلها بالعلم والدراسة، وأن يكن واثقات بالمجال الذي هن فيه، وقبل كل شيء الثقة بالله بأن يوفقهن وبالرسالة التي سيقدمنها للمجتمع، وما سيضفنه ويغيرنه فيه، وأتمنى من الجميع ذكورا وإناثا أن يفهموا مجالهم جيدا ليقدموه بالشكل الصحيح والراقي، الذي يليق بمجتمعنا اليمني العربي والمسلم.

لزوجي وأولادي
  صحيفة «لا» تمنحك ثلاث وردات جورية حمراء فمن يستحقها ويحضى بها من الفنانة القديرة أمل إسماعيل؟
 ثلاث فقط ليش كذا بخلتِ عليّ؟ تضحك وتواصل: أول وردة أهديها لزوجي وأولادي لأنهم من وقفوا بجانبي وكانوا العضد والسند لي. ثاني وردة جورية أهديها لزملائي وزميلاتي الذين هم عشرة عمر قضيناها معا ونحن كأسرة واحدة في المجال الفني، أحبكم من كل قلبي أبنائي وبناتي وإخواني، ومن دخلوا مستجدين في هذا المجال وهم بمثابة أبنائنا. أما ثالث وردة جورية فهي للشعب اليمني الذي يحب الحياة والابتسامة ويريد أن يعيش برغم كل شيء، ولجمهوري ومتابعي أمل إسماعيل ولصحيفة «لا» التي أشكرها على هذا اللقاء والفرصة الرائعة والجميلة. وأتمنى من الله أن يصلح حال البلاد والعباد ويعود يمننا السعيد كما كان منذ القدم.