ليزا جاردنر / مرافئ -
كان الهاتف الذكي من أكثر المصنوعات حزنا، لا يتوقف على البكاء بحرقة، لأنه يحسّ دائماً بأنه وحيد، وأنه مسير وليس مخيّرا، فهو أسير مستخدمه، يستعمله صاحبه متى شاء، وكما أراد واشتهى!
تماماً كابن آدم، لا حول له ولا قوة، محقر ومطحون ومُسْتَعْبد.. يهدّده سيده ويرميه في جيبه الخلفي بلا مبالاة، أو داخل حقيبة ممزقة، ملوّثة، نتنة الرائحة ومكتظة بأوراق الغش ومخلّفات أطعمة وفتات مبعثر هنا وهناك.. أحيانا يرمي به فيسقط على رأسه، وأحيانا على وجهه أو على جنبه.. إلى أن تحطّمت شاشته وتكسّرت جميع أضلعه.
ومع هذا كان هذا الهاتف صبوراً، ويدعو الله ليلا ونهارا لعله يعتقه من أيادي الأشرار!
وذات يوم، أصيب الهاتف بنوبة قلبية لسبب بثّه لفيلم قصير خاص بأطفال اليمن الذين كانوا على متن باص مدرسي فاحترقوا جميعاً حين أمطرت عليهم الطائرات السعودية نيرانها وقنابلها!
بعد أن شاهد الهاتف الذكي هذا المقطع وغيره من المقاطع المأساوية أراد الانتحار!
وحين هبّ صاحبه لإصلاحه وعلاجه أبلغه «الصلاّح» بأن هاتفه مصاب باكتئاب شديد ومحتاج إلى معالجة سريرية وكثير من العقاقير والأدوية ومبالغ كثيرة للتعافي. عندها قرّر صاحبه تركه عند أقرب مستشفى للمجانين!
ومن يومها والهاتف يئن ويصرخ كالمجنون!

* كاتبة بريطانية يمنية الأصل