خاص / دمشق أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
أصبحت ظاهرة الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، تتكرر بين مرتين وثلاث مرات في الشهر، يتم معظمها على مواقع في ريف دمشق، وتمتد في بعض الحالات إلى مواقع في العمق السوري.
في العدوان الأخير الذي حدث قبل ثلاثة أيام في محيط دمشق، كان العدو الإسرائيلي واضحاً في ادعائه بأنه استهدف مواقع يتواجد فيها إيرانيون، وجاء رداً على استهداف سفينة له في خليج عُمان، قال وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس، إن إيران قد تكون مسؤولة عن الانفجار الذي حدث فيها. 
هذه الحجة تتكرر في معظم الاعتداءات الإسرائيلية، والتي تقول بأنها تستهدف التواجد الإيراني في سورية ومنع تمركزه قرب الحدود مع فلسطين المحتلة، أو منع وصول أسلحة وتحديداً الصواريخ الدقيقة إلى سورية والمقاومة اللبنانية، وتستهدف أحيانا مواقع أبحاث سورية وتحديداً المتخصصة بتطوير الصواريخ، ودائما تبرز العامل الإيراني في الموضوع، ومن خلفهما «الصديق» الروسي بالتأكيد.
اللافت أنه في كل مرة يتكرر السيناريو نفسه، إذ تنفذ طائرات إسرائيلية عدواناً يتم التصدي له من قبل وسائط الدفاع الجوي السوري التي تتمكن من إسقاط معظم الصواريخ، لكن بعضها يصل إلى أهدافه وبما يتيح للعدو الصهيوني الادعاء بأنه أصاب أهدافه، ويلي ذلك بيان سوري شبه مكرر، وعند الحديث عن هذه الاعتداءات تبرز عبارة «الاحتفاظ بحق الرد»، حتى أصبح معظم السوريين يتساءلون متى سيأتي هذا الرد الذي نحتفظ بحقنا في تحديده؟ ويتساءلون بشيء من العتب والغضب أحياناً عن الدور الإيراني والروسي، وتوجه الاتهامات لهما بالتقاعس في العمل مع الدولة السورية لمنع هذه الاعتداءات.
بالتأكيد ما ينطبق على الاعتداءات الإسرائيلية ينطبق على الأمريكية، التي تتم كل فترة وتستهدف بشكل خاص المواقع الحدودية مع العراق والطرق الواصلة بين البلدين، وللحجج نفسها التي تسوقها «إسرائيل».
الجواب على هذا السؤال (متى يتم الرد؟) بالتأكيد ليس بهذه البساطة، لكن المتابع لتطورات الأوضاع في سورية يتلمس الجواب بسهولة لا تتوفر لدى معظم الجمهور الذي يطرح هذا التساؤل.
فإدارة المعارك تتطلب التصرف بعقل بارد، بعيدا عن العواطف والحماسيات التي تستجلب التصفيق في الخطوة الأولى، لكن ما بعدها قد يكون غير مضمون، وبالاختيار الذكي لزمان ومكان الرد، لأن أي خطوة قد تكون ناقصة أو في الفراغ، قد تكلف ثمناً ربما يكون مدمراً.
وفي الحالة السورية لا بد من الإشارة إلى أن هذه الاعتداءات تجري في ظروف معقدة أهمها:

1 ـ سورية تخوض حرباً دفاعية شرسة غير مسبوقة في التاريخ، من حيث عدد الأعداء وحجم القوى والتمويل والدعاية التي حشدت لهذه المعركة، والتي يقوم بها تحالف عدواني يضم المنظومة الاستعمارية الغربية كلها، برأسها الأمريكية وملحقاتها الأوروبية، ومعها أدوات وأنظمة في المنطقة، وفي مقدمتها جناحا الإسلام الصهيوني (نظام بني سعود الوهابي، ونظام أردوغان الإخواني في تركيا)، والإدارة الصهيونية لكامل هذه المنظومة.
2 ـ تحالف العدوان هذا يشن الحرب على سورية ضمن خطط مدروسة، ومشاريع أصبحت معروفة، وفي مقدمتها مشروع «الشرق الأوسط» الجديد، وهو يدرك أنها معركة تقرير مصير لمنظومة إقليمية ودولية كاملة، يتقرر مصيرها وتوازناتها على من سيربح الميدان السوري.
3 ـ منذ بداية العدوان على سورية كان الدفاع الجوي السوري الهدف الأول للعدوان، إذ تم توجيه العصابات الإرهابية إلى استهداف كل ما يمكن من أنظمة الدفاع الجوي والمطارات والطيارين، وتولت أجهزة الاستخبارات الفرنسية الإشراف المباشر على هذه المهمة تحديداً، وقد جهدت الدولة السورية لتأمين الحد الأدنى من منظومتها الدفاعية، قبل أن تحاول العمل على ترميمها بالجهود الذاتية وبمساعدة الأصدقاء والحلفاء، وهذه المهمة ليست سهلة على الإطلاق سواء في التجهيزات أو في الوقت الذي تتطلبه.
4 ـ دخول أكثر من عدو وفي وقت واحد في استهداف الدولة السورية، وفي مقدمتهم الأمريكي والإسرائيلي والتركي.
5 ـ ما يجري لا يخص سورية وحدها، وإنما هي معركة إقليمية ودولية، والمعني فيها بشكل مباشر إضافة إلى الدولة السورية كامل حلف المقاومة وفي مقدمتهم إيران ومعهم روسيا التي تخوض حرب تكريس عودتها كدولة عظمى وقطب أساسي في العالم، وبالتالي فإن إدارة هذه المعركة لا يمكن أن تكون سورية بحتة، وإن كانت تتم على الأرض السورية.
وفي ظل هذا الوضع الداخلي والإقليمي والدولي المعقد، يصبح من الصعب جداً على الدولة السورية ومن معها من حلفاء وأصدقاء، خوض كل هذه المعارك دفعة واحدة، وبالتالي لا بد من تحديد أولويات وزمان ومكان كل معركة وضد أي عدو.

وفي ما يخص الاعتداءات الإسرائيلية، فإن من يقودون معركة الدفاع عن سورية، يدركون أن هذه الاعتداءات محكومة من الجانب الإسرائيلي بعدة عوامل:
العامل الأول: وهي أنها لا تغير من التوجهات والمسارات الاستراتيجية للأحداث، والتي تسير لصالح حلف المقاومة.
العامل الثاني: أن قادة الكيان الصهيوني لا يجرؤون على تجاوز خطوط حمراء، قد تجر سورية والمنطقة إلى حرب كبرى ستكون «إسرائيل» ليس الخاسر الأول فيها فقط، وإنما قد تكون المعركة الأخيرة التي تخوضها «إسرائيل».
العامل الثالث: إدراكهم أن هذه الاعتداءات تدخل في باب التحرش، وجس النبض، ومحاولة كشف ما لدى سورية وحلف المقاومة من أسلحة جديدة، وكذلك محاولة إثبات الوجود أكثر مما هي محاولة للإمساك بقواعد الاشتباك وتغيير المسارات الاستراتيجية التي تفشل الاعتداءات الإسرائيلية في تحقيقها، وبالتالي لن ينجروا إلى معركة يحدد العدو زمانها ومكانها، وتحقيق ما يريده مقابل إنجاز هدف تكتيكي مؤقت.
العامل الرابع: وهو العامل الأقوى والأهم في تحديد مسارات هذا الصراع، وهو أن حلف المقاومة يرسخ جذوره، ويعزز قدراته ويراكم انتصاراته، وانتقل من مرحلة الدفاع السلبي إلى مرحلة الدفاع الإيجابي، والخطوة التالية ستكون مرحلة امتلاك زمام المبادرة.
هذه العوامل من الطرفين تتيح لقادة المعركة في سورية، اتباع ما يسمى سياسة «الصبر الاستراتيجي» على الاعتداءات الإسرائيلية طالما أنها لا تؤثر على المسارات الاستراتيجية للصراع، ويعطيهم الهامش والوقت الذي يحتاجونه لإنضاج الظروف واختيار زمان ومكان الرد.
هذا يعني أن كل الاعتداءات الإسرائيلية ومعها الأمريكية، تسجل في حساب مفتوح بانتظار لحظة اتخاذ القرار بالرد على كل هذه الاعتداءات، وبمفعول رجعي على كل ما تم من اعتداءات سابقة، وحينها بالتأكيد سيكون ما بعد هذه المعركة غير ما قبلها، ليس في سورية فقط وإنما في كامل المنطقة والعالم، لأنه سينجم عنها التكريس العملي لتوازنات القوى والقوة في المنطقة والعالم، وتأريخ للولادة الحقيقة للمنظومة الإقليمية والدولية الجديدة، التي تولد من رحم الصمود والانتصار السوري وامتداداته إلى كامل ميادين حلف المقاومة ومن معها من أصدقاء وحلفاء، وإن غداً لناظره قريب.