طاهر علوان الزريقي / مرافىء -

تكاد السينما أن تصبح خبز الناس اليومي في العالم كله، إنها الوسيلة الأنجح لتطوير العقول وتفتحها أو تخريبها، وقد رأينا كيف تدمر السينما الأمريكية العقول وتقوم بعملية غسل دماغ للشعوب بأسلوب مدروس ومخطط له جيداً، ومع اشتداد الأزمات ومأزق النظام الغربي الأمريكي، كان لا بد من إيجاد مخرج بإعادة إنتاج النظام نفسه بنفسه وسد الفراغ الأيديولوجي، إيجاد مخرج لائق يؤدي إلى إعادة الاعتبار إلى قيم الفردية المطلقة في خضم هذا المأزق، خرج «رامبو» من دائرة الظلام النظري إلى شاشات السينما الأمريكية رجلاً حديدياً مفتول العضلات يرسل في مهمات مستحيلة خارج أمريكا ليقاتل الأعداء في عقر دارهم ويلقنهم دروساً في جبروت الإنسان الأمريكي و(قيمه الأخلاقية الفذة)، هكذا وجد رامبو في الوقت المناسب، فالنظام الإمبريالي الأمريكي المتحفز دائماً إلى العدوان والحروب وإبادة الآخر يطلق العنان لبطله رامبو ليقاتل نيابة عنه في وقت لا تستطيع أمريكا أن تلجأ إلى خيار الحرب خارج حدودها بعد أن ولى زمن المغامرات العسكرية ووجد المعادل القوي في الردع، وقد نجحت الإمبريالية في طقوسها الصارمة وبرغماتيتها المتجددة في أن تجعل من رامبو بجبروته القاسي وقوته الطاغية بديلاً عن جيش بأكمله، وما لم تستطع أمريكا أن تحققه بالفعل والواقع أنجزته في الخيال، وكان لا بد لهذه القيمة الفردية المطلقة من أن توظف توظيفاً منهجياً في ظل الفراغ الأيديولوجي المخيف، حين أصبح الموت في المجتمع الأمريكي خياراً مبرراً، كما تحول المدمنون إلى ما يشبه طبقة اجتماعية فوق الطبقات، وألقيت القيم العائلية في مزبلة التاريخ. في هذا الجو المشحون قلقاً، وتوتراً، وفراغاً أيديولوجياً، كان لا بد من أن تستنفر ماكينة الإمبريالية في أمريكا إبداعاتها الجهنمية، فكان رامبو.