حكومة تنتصر للحجر لا للبشر... طغيان الطوب
- تم النشر بواسطة مروان أنعم / لا ميديا
تحقيق / مروان أنعـم / لا ميديا -
استباحة الشارع وتحويله إلى ملعب رياضي، أصبحت ظاهرة تنتشر في العديد من الأحياء والتجمعات السكنية نظراً لانحسار المساحات والفضاءات المفتوحة والملاعب الرياضية، فباتت تلك الشوارع مأوى للشباب والأطفال رغم ما تشكله من مخاطر كبيرة على حياتهم وحياة الآخرين، خصوصاً وأنها تحولت في معظمها إلى ملاعب، بسبب قصور النظر والتخطيط الاستراتيجي الذي رافق الحكومات المتعاقبة عند وضع المخططات الحضرية، والتي لم تراع توفير مساحات ومتنفسات رياضية وترفيهية عند وضع المخططات العمرانية، وبذلك فإن تلك السياسات كانت سببا رئيسيا في انقراض مناجم صناعة واكتشاف النجوم والمواهب الرياضية والتي تمثل ملاعب الأحياء الشعبية اللبنة الأولى في طريق اكتشاف المواهب الرياضية الرافدة للأندية والمنتخبات الوطنية، فهناك العديد من الدول مثل البرازيل والأرجنتين، شكلت ملاعب الأحياء الشعبية فيها نقطة انطلاق الكثيرين نحو النجومية والشهرة والاحتراف، وباتوا أحد أهم الروافد الاقتصادية لأوطانهم.
بوابة اكتشاف النجوم
عن أهمية تلك الملاعب ودورها في اكتشاف المواهب والنجوم، بالإضافة إلى أهميتها للجانب النفسي والصحي لأفراد المجتمع، يقول كشاف المواهب والمدرب معاذ الفتيح بأن «الملاعب الشعبية في الحواري تمثل الشريان الحيوي الذي يغذي الأندية بالمواهب، فهي البوابة الأولى لاكتشاف المواهب وصقلها، وهي وجهة مكتشفي المواهب من خلال متابعة المباريات فيها، ولن تجد لاعباً في جميع الأندية اليمنية، إلا وتم استقطابه بعد رؤيته في أحد تلك الملاعب الشعبية». مؤكداً أن غياب وندرة تلك الملاعب أسهم كثيرا في التأثير على ظهور وإبراز الكثير من المواهب التي تحتاجها الأندية والمنتخبات الوطنية.
ويضيف الكابتن الفتيح: «إن عدم توافر أماكن ملائمة لممارسة الرياضة وتفريغ الطاقات الهائلة لدى الأطفال والشباب والاستفادة منها في تطوير مواهبهم، سينعكس سلباً عليهم وعلى صحتهم النفسية والصحية، ويجعلهم يتجهون لاتجاهات أخرى قد تمثل ضررا عليهم وعلى أسرهم وعلى المجتمع ككل».
ملاعب بزنس
ويشير إلى وجود بعض الملاعب التجارية والاستثمارية والتي وصفها بـ«ملاعب البزنس» التي تدر أرباحاً لمالكيها، وبالتالي فإن ممارسة الرياضة أصبحت حكراً لمن يملك المال فقط، عبر تأجيرها بالساعة، وبمبالغ لا يستطيع عليها العديد من الشباب.
وعن دور وزارة الشباب والرياضة في توفير تلك المتنفسات والملاعب الرياضية والإشراف عليها باعتبارها منجماً لاكتشاف المواهب، يقول الفتيح: «هذا الأمر أعتبره مشروعاً وطنياً، لأنه سيعمل على حماية شبابنا من خلال توفير أماكن لهم لممارسة هواياتهم، كما أنها سترفد الأندية بالعديد من اللاعبين والموهوبين». مؤكداً أن الغالبية من نجوم الرياضة في كافة الدول الفقيرة أو الغنية، كانت بداياتهم في الملاعب الشعبية، وجرى اكتشافهم بواسطة كشافي المواهب ومدربي الفئات العمرية.
ودعا وزارة الشباب والرياضة إلى ضرورة الاهتمام بإنشاء الملاعب وتوفير مساحات صغيرة داخل الحارات والتجمعات السكانية، مع فرض رسوم رمزية يستطيع جميع الشباب والرياضيين نحمل تكاليفها.
تجارب بسيطة والناتج كبير
تشكل الرياضة في العديد من دول العالم، فلسفة عملية معبرة عن حيوية الشعوب وفتوتها، فهي لا تقتصر على فئة الرياضيين أو المحترفين وحسب، بل تمتد إلى كافة فئات وشرائح المجتمع حتى كبار السن منهم، بينما نأتي نحن على العكس من ذلك، فقد تم اختزال الرياضة في كرة القدم فقط، وليس ذلك وحسب، بل إن العديدين لايزالون ينظرون إلى ممارسة الرياضة -على اختلاف أنواعها- بأنها مضيعة للوقت وملهاة، ولاحقاً وفي عُمر معين نستقبل الكروش والدهون ونستسلم لأمراض العصر الحديث من ضغط وسكر وتصلب شرايين وكوليسترول، غير مدركين أهمية ممارسة الرياضة إلا عقب زيارة لعيادة الطبيب، وتقديمه روشتة علاجية تتضمن ممارسة تمارين رياضية وبشكل يومي، للتغلب على الوعكة الصحية.
في دولة مثل الدنمارك فإن إلزامية معقودة بين الدعم الحكومي لموازنة البلديات وتلبية وعرض تلك المشاريع على العامة بشكل شبه مجاني، قد يكلف لاحقا مبلغا رمزياً، يهدف إلى تشجيع المجتمع على ممارسة الرياضة تحت إشراف مختصين.
فريق الدنمارك (TEAM DANMARK) يعتبر أحد أهم المشاريع الوطنية في البلاد، التي أسهمت في اكتشاف نجوم عالميين في مختلف الرياضات، فهو يشمل كافة أنحاء البلاد بريفها ومدنها، ويختص باكتشاف المواهب وتطويرها على المستوى الرياضي وفي كل أنواع الرياضة دون استثناء، وتحت مظلة هذا الفريق تخلق عملية تعاون كبيرة مع الأندية المحلية، ففي كل تجمع سكني يجب أن يكون هناك ملاعب تدار من السكان واحترافيين منتخبين من قبلهم في اختصاصات متنوعة، وإن لم تكن موجودة يُطلب أحد المختصين أو المدربين للإشراف على ذلك الاختصاص.
فهم خاطئ وضعف أداء
إن غياب المتنفسات والمساحات المفتوحة والملاعب في الأحياء والتجمعات السكانية في بلادنا، يعود إلى المفهوم القاصر عند واضعي سياسات التخطيط العمراني عن أهمية الجانب الرياضي في حياة المجتمع، على اعتبار أن الرياضة شأن ترفيهي غير ذات أهمية.. هذا ما يقوله المهندس جميل محمود راشد، الحاصل على درجة الماجستير في الهندسة المعمارية، والذي شغل العديد من المناصب الحكومية في وزارة الأشغال العامة والطرق.
ويضيف المهندس راشد، في حديثه لصحيفة «لا»: «هناك العديد من الأخطاء والمشاكل التي تتزامن مع وضع المخططات الحضرية، منها عدم التنسيق مع الوزارات المعنية عند وضع المخططات، مما يدل على ضعف أداء الوزارات المعنية المنوطة برفع وتيرة التنمية في البلد، بالإضافة إلى عدم توافر أراض حكومية كافية، حيث تلجأ الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني إلى وضع بعض المرافق مثل المدارس والمراكز الصحية ومواقف المركبات والمتنفسات، على أراض مملوكة لمواطنين دون تعويض أصحابها».
وعن دور وزارة الشباب والرياضة في التنسيق مع مصلحة الأراضي والمساحة والتخطيط العمراني عند وضع المخططات، يؤكد أن المسؤولية الأولى تقع على عاتق وزارة الشباب والرياضة باعتبارها جهة الاختصاص بهذا الأمر، والقصور ناتج عن تعيين قيادات للوزارة ليس لها فهم وإدراك لماهية طبيعة عمل الوزارة في وضع تصورات وخطط للنهوض بالرياضة وتوفير البنى التحتية المناسبة لممارستها.
قصور الحكومات المتعاقبة
ويشير المهندس راشد إلى أن ضعف وندرة المخصصات المالية لإقامة تلك المنشآت ضمن البرنامج الاستثماري السنوي في موازنات الدولة، طوال السنوات السابقة، أسهم في ذلك القصور. مضيفاً: «قصور دور الحكومات المتعاقبة من عام 1962 وحتى اليوم، تحول إلى ظاهرة عانتها الجمهورية اليمنية، وكانت موجودة في الشطرين الشمالي والجنوبي قبل الوحدة، وتفاقمت المشكلة عقب الوحدة نتيجة تقاسم الفاسدين والمتنفذين لامتلاك الأرض المطلوب تخطيطها بالتحايل أو بالقوة، وكان لا يتم إنزال المخططات إلا بعد استيلاء هؤلاء على أراضي المواطنين».
إن الفساد الممنهج والمتداول على امتداد الحكومات المتعاقبة، بالإضافة إلى قصور الوعي بأهمية التخطيط الحضري للمدن لدى قيادات الدولة، وندرة الموازنات المالية المعتمدة لإقامة مشاريع المتنفسات الترفيهية والملاعب الرياضية في الأحياء السكنية داخل المدن، كانت كلها عوامل مشتركة أسهمت في التلاعب بالمخططات وانتشار العشوائيات في محيط كوردور المدن، ما أدى إلى غياب العديد من المرافق الخدمية والصحية وانحسار المساحات، واندثار مناجم اكتشاف الموهوبين والنجوم.
المصدر مروان أنعم / لا ميديا