ياكوب رايمان
ترجمة خاصة عن الألمانية - نشوان دماج / لا ميديا -

بوحي من "الربيع العربي" في كل من تونس ومصر، خرج مئات الآلاف من اليمنيين إلى الشوارع في ربيع عام 2011. وبوصفهم الجماعة الأكثر خبرة وتنظيماً، سرعان ما أخذ أنصار الله "الحوثيون" زمام المبادرة في الاحتجاجات وأطاحوا في فبراير 2012 بالرئيس علي عبد الله صالح بعد 33 عاماً في الحكم. ومنذ عام 2014، سيطر أنصار الله في انتفاضتهم، ابتداء من معقلهم في صعدة شمالاً، على جميع المراكز الحضرية، بما فيها العاصمة صنعاء ومدينة عدن الساحلية في الجنوب، بحيث إن نسبة السكان الذين يعيشون في المنطقة الواقعة تحت سيطرتهم خلال أقصى توسع لهم في مارس 2015 بلغت 90%.
فضلاً على ذلك فقد أطاحوا بخليفة صالح، عبد ربه منصور هادي، مقدمين له مكافأة ودافعين به إلى المنفى في الرياض بالسعودية. وفي اليوم التالي، أي في 26 مارس/ أذار 2015، بدأ تحالف من تسع دول بقيادة السعودية ضرب اليمن. أما التبريرات التي قدمتها الرياض فهي أن الأمر يتعلق بكبح جماح النفوذ الإيراني في شبه الجزيرة العربية. فالأمر يتعلق بتأمين حدودها الجنوبية، وقبل كل شيء إعادة هادي، الذي يُنظر إليه عموماً على أنه مجرد دمية سعودية يقيم في فندق بالرياض مع تأثير ضئيل على البلاد.
حقق التحالف في بداية الحرب انتصارات قليلة، حيث لم يتم إخراج جماعة أنصار الله من عدن ومن جبهات أخرى إلا في يوليو 2015، وبشكل جزئي. أما معظم المدن الكبرى فلا تزال تحت سيطرة أنصار الله، وخاصة العاصمة والمركز الاقتصادي صنعاء. في يونيو 2018، شن التحالف أكبر عملية هجومية في حربه على مدينة الحديدة الساحلية.  أكثر من 80 في المائة من شحنات المواد الغذائية والمساعدات يدخل إلى البلاد عبر هذا الميناء على البحر الأحمر، ولهذا فإن الحديدة تُعرف أيضاً باسم "شريان حياة اليمن". نزح مئات الآلاف من المواطنين، وانتهى القتال أخيراً باتفاقية ستوكهولم، والتي بموجبها تم جعل أجزاء من المدينة منزوعة السلاح إلى حد ما، ونقل سيطرتها إلى الأمم المتحدة.
سرعان ما اتخذت الحرب في اليمن شكل حرب استنزاف، مع الحد الأدنى من التقدم أو التطورات العسكرية. في العديد من البؤر المشتعلة، كتعز المحاصرة، أو المنطقة الصحراوية ذات الكثافة السكانية المنخفضة والغنية بالنفط، محافظة مأرب، حارب أنصار الله ببسالة ضد كل من التحالف والقوات الحكومية ومختلف المليشيات الجهادية. أما المساعي الدبلوماسية لمبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، مارتن غريفيث، فمعرضة بشكل متكرر للفشل. 
وفقاً للأمم المتحدة، فإن المستوى الحالي للجوع في اليمن غير مسبوق. حيث إن ما يقرب من عشرة ملايين شخص مهددون بشدة بالجوع، ويعتمد مليونا طفل وحدهم على المساعدات الخاصة. في تقريره الأخير الصادر في 20 أكتوبر/ تشرين الأول، قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن طفلاً من كل ثلاثة أطفال في بعض المناطق يعاني تقريباً من سوء التغذية. وعلى مدى أعوام، والأمم المتحدة تصف الوضع في البلد، البالغ عدد سكانه 29 مليون نسمة، بأنه "أسوأ كارثة إنسانية في العالم". أما في قائمة منظمة الإغاثة الدولية، التابعة للجنة الإنقاذ، فيما يتعلق بأكبر الأزمات، فقد احتل البلد في 2020 المركز الأول - قبل كل من الكونغو وسوريا. وبالتالي فإن حرب السعودية المستمرة منذ مارس 2015 ضد أنصار الله "الحوثيين"، قتلت بحلول أكتوبر 2019 أكثر من 100.000 مواطن، بحسب ما ذكرت المنظمة غير الحكومية "موقع الصراع المسلح ومشروع بيانات الأحداث".
وإذا أضيف إلى ذلك وفيات ما يسمى "الظواهر الثانوية"، فإن العدد يرتفع إلى ربع مليون. وإلى إلى الجوع، ثمة انتشار للملاريا وحمى الضنك وشلل الأطفال والحصبة والكوليرا في البلاد. فوفقاً لمنظمة الصحة العالمية، كان هناك في الفترة من أكتوبر 2016 وحتى يناير 2020، مليونان و197.316 حالة إصابة بالكوليرا في اليمن. وبسبب وباء كورونا، توقفت المنظمة عن إصدار تحديثاتها للأشهر التالية. وكان للحصار الدولي شبه الكامل على اليمن أن ينقذ البلد لفترة محددة من تفشي عدوى كوفيد ـ 19، غير أن الفيروس التاجي منتشر الآن أيضاً في جنوب شبه الجزيرة العربية.
أدى قصف تحالف الحرب السعودي على المستشفيات ومنشآت الغذاء ومياه الشرب إلى اعتماد 80٪ من السكان على المساعدات الإنسانية، بل حتى تلك نادراً ما تصل إلى السكان. الأربعاء الماضي فتح موقع "أرشيف يمني" بوابة لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد. وتفيد البيانات بأن تحالف الحرب بين عامي 2015 و2019 دمر بشكل منهجي ما مجموعه 131 جسراً ضرورية لنقل تلك المساعدات.
هناك أيضاً حصار بحري شبه كامل على البلد، وهذا أحد الأسباب الرئيسية للمجاعة، لأنه يجعل إيصال الطعام أمراً صعباً. هذا الحظر مسؤول عن مشكلة كبيرة أخرى: معظم المستشفيات المتبقية تعتمد على مولدات تعمل بالديزل وتعتمد على ما يتم استيراده من وقود. في أغسطس وحده، منعت الرياض 21 ناقلة نفط من الاقتراب من ميناء الحديدة الرئيسي، مما أدى إلى تفاقم الوضع الكارثي للنظام الصحي، الموجود أصلاً، بحسب ما أفاد تقرير صادر عن وزارة الخارجية في صنعاء.
كما أن المعارك في البلاد ما تزال مستمرة، على سبيل المثال في محافظة مأرب. فخلال خمس سنوات ونصف من الحرب، كان الوضع هناك هادئاً نسبياً، حيث وجد الكثير من نازحي الداخل، والذين يزيد عددهم عن 3 ملايين، ملاذًا آمناً إلى حد ما في مخيمات اللاجئين بالمنطقة، البالغ عددها 140 مخيماً، والتي تضاعف عدد ساكنيها 3 مرات تقريباً، بحسب موقع "العربي الجديد"، في سبتمبر.
لكن منذ يناير/ كانون الثاني، تصاعد القتال في المنطقة. ففي يوليو/ تموز، نفذ أنصار الله انطلاقاً من العاصمة صنعاء إحدى أكبر هجماتهم منذ بداية الحرب، باتجاه مأرب، على بعد 170 كيلومتراً. ومع ذلك، لم يتمكنوا من اختراق سوى مناطق قليلة، بسبب مقاومة السكان المحليين، وبإسناد طبعاً الحال من مقاتلات تحالف الرياض، ففي أغسطس الماضي شنت 331 غارة على المحافظة. وبحسب تقرير وزارة الخارجية، فإن ذلك يمثل أكثر من نصف مجموع الغارات الجوية على البلاد خلال شهر. وبحسب موقع (The New Arab)، فقد قتل خلال المعارك المئات من طرف أنصار الله. أما القتلى المدنيون فلم ترد تقارير عن أعدادهم.
منذ خريف 2015 ظلت مأرب تحت سيطرة حكومة هادي المعترف بها دولياً والجماعات الجهادية، مثل تنظيم "القاعدة"، الذي يعمل بشكل وثيق مع هادي. والتنازع على هذه المنطقة الصحراوية في أشده، لأنها المكان الذي لا يزال يتواجد فيه جزء كبير من احتياطيات النفط اليمنية. كما أنها بمثابة مركز للبنية التحتية للنفط والغاز في البلاد. وبالتالي فإن أي تحرير لها سيجلب أرباحاً كبيرة.
أضف إلى ذلك أن الموقع المركزي للمحافظة له أهمية استراتيجية بارزة. وإذا ما خطط أنصار الله لتحرير المناطق الشاسعة لحضرموت -ذات الكثافة السكانية المنخفضة- من "القاعدة" والقوات الحكومية، أو حتى إذا فكروا في الزحف إلى مقر الحكومة في عدن، فإن مأرب ستكون بمثابة مسرح لكل عملية عسكرية. ويمكن للمعركة أن تصبح نقطة التحول الحاسمة في الحرب.
ومرة أخرى فإن الأطفال والنساء والرجال الأبرياء من مأرب، وكذا ملايين النازحين في المواقع الأمامية، سيكونون هم الضحايا. المسؤولة عن بعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، كريستا روتنشتاينر، تحدثت في أكتوبر/ تشرين الأول لبوابة الأمم المتحدة "ريليف ويب" قائلة: "نأمل أن يتم إيجاد حل سلمي في القريب العاجل لمنع أزمة نزوح ضخمة. قد يضطر مئات الآلاف من الأشخاص إلى الفرار، وكثير منهم يفرون من هذا الصراع للمرة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة".

عن موقع: (junge welt - العالم الفتي) - الخلفية: حرب استنزاف