أنس القاضي / مرافئ لا -

إذا كُنا نُريد وحدة يمنية متينة وحدة الشعب والجغرافيا معاً، فنحن بحاجة إلى إقامتها على أسس واقعية عادلة طوعية تشاركية، وبالتالي نحن بحاجة إلى محو كل الممارسات والمفاهيم التي أضرت بالوحدة اليمنية، وتركزت من بعد حرب صيف 94م، ومن هذه الممارسات التخريبية في بنية الوعي مفهوم «عدن بنت صنعاء» و«عودة الفرع للأصل» ورجعة «البنت لأمها».
هذه المفاهيم قائمة على أساس وصاية منطقة جغرافية على منطقة جغرافية أُخرى، وبالتالي تبرز فيها تجمعات سُكانية كتابعة لتجمعات سُكانية أخرى، ونحن إذ نرفض هذه المفاهيم فلا يعني بأية حال قبولنا بهويات غير الهوية اليمنية في جنوب الوطن كهوية «الجنوب العربي» التي صنعها الاستعمار البريطاني في 1959 كتعبير سياسي عن الوحدة الشكلية للإمارات والسلطنات العميلة للندن. 
مفهوم الدولة الوطنية اليمنية جاء في العصر الحديث، فظهرت أول دولة وطنية يمنية في شمال الوطن عام 1918م بعد طرد الاستعمار العثماني، عرفت «بالمملكة المتوكلية اليمنية»، وظهرت أول دولة وطنية يمنية جنوب الوطن عام 1967 بعد طرد الاستعمار البريطاني وتصفية السلطنات، عرفت «بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية» ثم «اليمن الديمقراطية الشعبية»، فالدولة الوطنية اليمنية كمفهوم سياسي ظهرت نتيجة عوامل موضوعية تاريخية في شمال الوطن وفي جنوبه، لا توجد جغرافيا هي الأصل مقابل يمنية أدنى هي الفرع، هذا الفهم غير العلمي وغير العادل هو من إفرازات حرب صيف 94، وهو مبرر سلطة «7/7» في قهر اليمنيين في جنوب الوطن وتصفية مكتسبات دولتهم اليمنية السابقة لاتفاقية الوحدة.
اليوم لم تعد هناك هويتان سياسيتان يمنيتان ولا هياكل دولتين لا «اليمن العربية» ولا «اليمن الديمقراطية»، كلنا يمنيون، ومن حق صاحب المهرة أن يدافع عن يمنية صعدة وعن سيادتها، ومن حق صاحب ذمار أن يُدافع عن يمنية عدن وسيادتها، على أساس أن الوطن كله يمني والشعب كله يمني.
حرب 94 كانت تعبيرا عن اختلاف توجهين سياسيين حول بناء الدولة الموحدة لا صراع جغرافيات ولا مجتمعات، فحل القضية الجنوبية اليمنية اليوم على أساس المواطنة والعدالة والشراكة، هو السبيل لوحدة يمنية أقوى وأمتن. أما منطق الأصل والفرع والضم والإلحاق فلا يبني وطنا ولا يصون وحدةً. وعرى الوحدة الاجتماعية الاقتصادية المعرفية بل وحدة التركيبة النفسية هي اليوم أمتن مما كانت عليه في الخمسينيات حين ظهرت الدعوات من أحرار اليمن لتحقيق الوحدة.