أنس القاضي / مرافئ لا -

يَظهر رسول الله في كتب الحديث والسير مُستضعفاً على خلاف ما كان عليه في حياته مجاهداً مواجهاً للطغيان والظلم دون هوادة أو استكانة، ففي كتب التراث الإسلامي ترتسم صورة محمد رسول الله كرجل ضَعيف منزو مِن مَنزله إلى مسجدهِ، وهذه الصورة عموماً انتقلت من كتب التراث إلى الأفلام التي تتحدث عن مرحلة النبوة، فترسخت في الوعي الاجتماعي، بخاصة مع قلة الاطلاع على بقية جوانب الشخصية المحمدية في السيرة، وإن كان ذكر الجهاد فيها هامشياً. 
في الأفلام لا يظهر تمايز بين الإسلام والكفر والحق والباطل إلا من حيث الظاهر، فالمسلمون يلبسون ثياباً بيضاء ويصلون في المسجد، والكفار يشربون الخمر وحولهم النساء والأكل، فيما لا يَظهر في المسلمين جوهر التحرر من عبودية ما سوى الله والنزعة لتحرير الإنسان، كما لا يَظهر في كفار قريش الظلم والاضطهاد وقهر الإنسان واستعباده، أي أن الشكل هو المحتوى الذي يتمايز به المسلمون عن الكفار. 
يحوي البيان القرآني على الكثير من المعلومات عن الرسول، بصفته كتاب الله، وباعتباره أقدم مدونة باللغة العربية من زمن حياة النبي محمد. 
الشخصية الإنسانية التي يرسمها القرآن الكريم عن سيدنا رسول الله، شخصية المجاهد، شخصية الثائر المناضل الحركي وفق مفاهيم العصر الراهن، وهي مفاهيم لتقريب المعنى لا للإحاطة به، والإسلام دين جهاد للطغيان. الشخصية الجهادية لسيدنا محمد يؤكد عليها القرآن في مواضع عديدة، وهي غير منفصمة عن رحمته ولطفه، وقد منحه الله محامد التكريم بقوله: «وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».
في كل حديث عن الجهاد في القرآن الكريم فالمصطفى في صدارة هذا الخطاب: «محَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ». 
يأتي خطاب الجهاد في القرآن الكريم للمسلمين وهم بمعية الرسول معه بما لذلك من دلالة القرب والحضور المباشر مع المجاهدين: «وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وجاهدوا مَعَ رَسُولِهِ استأذنك أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ».
وهو المحرض على القتال بأمر رب العالمين، فالتعبئة الجهادية من أجل دفع العدوان وإقامة الحق والعدل هي جزء من رسالته: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ».