مروان أنعم / لا ميديا -

على الرغم من الأحقية القانونية التي تعطي الحقّ لأرمن كاراباخ في تأسيس دولتهم المستقلّة، بناءً على الأفضلية التاريخية، وحقّهم في تقرير مصيرهم، فإنَّ الموضوع لا يمكن فصله عن الصراع الجيوسياسي في منطقة القوقاز، وارتباطه بالصراعات في الإقليم، وخصوصاً في ظل تنافس وتداخل المصالح الروسية والإيرانية من جانب، والأمريكية والتركية والصهيونية من الجانب الآخر، إضافة إلى أهمية المنطقة في حرب الأنابيب، ومحاولة كسر الاحتكار الروسي لإمدادات الغاز إلى أوروبا، والتي تجعل أيّ صراع حدودي أو تاريخي يأخذ أبعاداً استراتيجية أكبر بكثير من حجم المنطقة الجغرافية نفسها.

جذور الصراع
تعود جذور الخلاف بين أذربيجان وأرمينيا إلى العام 1923 عندما منح الاتحاد السوفياتي بقيادة ستالين منطقة قره باغ رسمياً لأذربيجان، وإعلانه إقليماً ذا حكم ذاتي في الجمهورية الأذرية، وعقب ذلك عمّت حالة من الرفض بين سكان الإقليم ذي الغالبية الأرمينية، إضافةً إلى المذكرات التي أرسلت في أوقات زمنية متفرقة إلى السلطات السوفياتية، ومن قبل اللجان المركزية للحزب الشيوعي الأرمني، تشير إلى أن الأرمن لم يقبلوا يوماً بالأمر الواقع، ولو أنَّهم اضطروا إلى الإذعان للسلطات السوفياتية، وتحيّنوا الفرصة للانقلاب على الواقع المفروض، وحصل نوع من الاتفاق بين الأقاليم التابعة للاتحاد السوفياتي في جنوب القوقاز في ذلك الوقت (أذربيجان، أرمينيا، جورجيا)، أنهى سنوات من القتال العرقي كان للسلطنة العثمانية دور بارز فيه.
الخلاف بين أذربيجان وأرمينيا عاد إلى الواجهة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث سعت كل من الدولتين المستقلتين حديثاً (أذربيجان، أرمينيا) إلى ضم تلك المنطقة لها، أذربيجان ترى أن منطقة «قره باغ» تقع داخل أراضيها، فيما تستند أرمينيا إلى أن أغلبية سكان تلك المنطقة من الأرمن، مبررةً بذلك خضوعها لسلطتها.
وفي 10 ديسمبر 1991، عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، بدأت منطقة «قره باغ» تطالب بالاستقلال عن أذربيجان، والانضمام إلى أرمينيا، ولكن هذا لم يتحقق، وما تحقق هو إعلان الاستقلال فقط كـ«جمهورية مرتفعات قره باغ»، التي لم تعترف بها أية دولة، بما فيها أرمينيا، رغم أن البرلمان المحلي طلب الانضمام إلى أرمينيا عام 1988، كما أظهرت الاستطلاعات الشعبية طلباً مماثلاً.
انطلاقاً من ذلك، بدأت ما عرفت بـ«حرب مرتفعات قره باغ» عام 1992، عندما بدأت مجموعات أرمينية في «قره باغ» بمواجهة عسكرية مع سلطات أذربيجان، وذلك بدعم عسكري ولوجستي من قبل الحكومة الأرمينية، واستمرت الحرب حتى عام 1994، وتم التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار ضمن وساطات قادتها روسيا ومجموعة مينسك.
عقب ذلك سيطر الأرمن على إقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه مع أذربيجان، وهو منطقة جبلية وعرة ذات أغلبية أرمينية، يتمتع بحكم ذاتي داخل حدود أذربيجان.
بين عامي 2008 و2016 حصلت مناوشات عديدة بين أذربيجان وأرمينيا، خلفت عشرات القتلى من الطرفين، دون التوصل إلى أية تسوية تنهي النزاع بشكلٍ كامل.
فشلت أذربيجان في مساعيها لإقناع الأرمن أو إجبارهم على الانسحاب من أراضيها المحتلة خارج الإقليم، وهو ما تسعى إليه الآن باستنفار كل إمكانياتها العسكرية لحسم هذه القضية، وبدعم سياسي وعسكري كبير من تركيا و«إسرائيل».

تنسيق عسكري بين الأتراك والصهاينة
لا يخفى على أحد الحضور والدعم التركي والصهيوني لأذربيجان، ليس بالمفهوم العسكري فحسب، بل في ما يتعلّق أيضاً بتوافق المصالح والحسابات التركية والصهيونية مع أذربيجان، ضدّ روسيا وإيران والأرمن معاً.
تحدثت المعلومات عن استخدام الجيش الأذربيجاني طائرات مسيرة تركية، حصل عليها مؤخراً من أنقرة، وهي من طراز «بيرقدار TB2»، وطائرات مسيرة «إسرائيلية» من طراز «Harpy» و«Harop»، تقوم بعمليات انتحاريّة ضد المواقع الأرمينية.
كما تحدثت المعلومات عن تسليم الكيان الصهيوني المحتل لصواريخ «LORA» الباليستية، ومداها 300 كم، لأذربيجان، إضافةً إلى أنظمة دفاع جوي من طراز «TOS» لمواجهة الصواريخ الروسية من طراز «إسكندر» التي تملكها أرمينيا.
ويحظى الجيش الأذربيجاني بدعم مباشر من خبراء عسكريين صهاينة وأتراك، وسط المعلومات التي تتحدّث عن دور الأقمار الصناعية وأجهزة التنصت الصهيونية الموجودة في أذربيجان في نقل كل الصور والمشاهد العاجلة عن تحركات ومواقع القوات الأرمينية إلى هيئة الأركان الأذربيجانية، مع التشويش على الاتصالات العسكرية الأرمينية بأجهزة حصلت عليها باكو من «إسرائيل» وتركيا.
ولم يكن التنسيق والتعاون والتحالف التركي - الصهيوني المباشر في أذربيجان وحده ما يجمع الطرفين على قاعدة المصالح المشتركة، المباشرة منها وغير المباشرة، فقد تهربت «إسرائيل» دائماً من دعم أحاديث الأرمن عن الإبادة التي قامت بها الدولة العثمانية ضدّهم إبان الحرب العالمية الأولى.
وتمكن الكيان الصهيوني بفضل الجاليات اليهودية الموجودة هناك من التوغل في العديد من عواصم الجمهوريات الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفياتي، وفي مقدمتها باكو، عاصمة أذربيجان، التي دخلت بعد استقلالها في تحالف استراتيجي مع الكيان المحتل.

رأس حربة صهيونية ضد إيران
ينظر الكيان الصهيوني إلى أذربيجان، كمركز متقدم للمخططات العدوانية والتجسسية ضد إيران، التي يعيش فيها حوالى 20 مليوناً من أصل أذري، وضع الكيان الصهيوني من أجلهم حسابات خاصة، مع الأخذ بالاعتبار أن أذربيجان بلد غني بالنفط والغاز، مطل على بحر قزوين، ويصدر غازه وبتروله إلى ميناء جيهان التركي، بالإضافة إلى أنبوب يمر عبر الأراضي الجورجية، ويغطي الكيان الصهيوني حوالي 40٪ من احتياجاته من البترول القادم من ميناء جيهان، إذ تقوم ناقلات النفط بنقله من جيهان إلى ميناء حيفا في الأراضي المحتلة، مع استمرار الحديث عن مشاريع أخرى لنقل الغاز والبترول من كازاخستان وتركمانستان أيضاً إلى هذا الميناء.

تركيا توظف التكفيريين لخدمة أجنداتها
أفادت وكالة «ريا نوفوستي» الروسية، أن أكثر من 1000 مقاتل سوري في التنظيمات التكفيرية، أرسلوا إلى «قره باخ» خلال الأسابيع القليلة الماضية، وأن دفعة أخرى من المقاتلين من سوريا تستعد للتوجه إلى هناك، فيما كان الرئيس السوري بشار الأسد صرح في وقت سابق خلال مقابلة مع الوكالة نفسها، بأن مقاتلين من سوريا سينقلون إلى «قره باخ»، وأن تركيا تستخدم تكفيريين من سوريا ودول أخرى في تلك المنطقة، فيما تنفي أنقرة قطعياً هذا الأمر.
وقال الأسد، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدعم الإرهابيين في ليبيا، وكان المحرض الرئيسي في الصراع الأخير في ناغورنو كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا، موضحاً أن مقاتلين من سوريا نُقلوا إلى منطقة الصراع.
وفي هذا السياق، قال رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرغي ناريشكين، من جهته، إن المعلومات المتوفرة تؤكد انتقال المرتزقة من المنظمات الإرهابية الدولية التي تقاتل في الشرق الأوسط إلى منطقة الصراع في كاراباخ، لافتاً إلى أن الحديث يدور حول مئات وحتى آلاف المتطرفين.
ومن هنا، فإن طهران تعطي أهمية كبرى لخطر المجموعات التكفيرية الإرهابية التي يتم نقلها برعاية تركيا إلى أذربيجان، حيث إن المعارك الأكثر حدة حالياً تقع جنوب شرق إقليم ناغورنو كاراباخ على تخوم مدينة جبرائيل، أي على الحدود مع إيران، وتمركز هؤلاء التكفيريين على الحدود، وخطرهم على الداخل الإيراني مستقبلاً، الأمر الذي سوف يتم استغلاله ربما لاحقاً من قبل الأمريكيين والصهاينة المعروفين بإدارة الحركات التكفيرية عادة، كما حصل في العراق وسوريا، وذلك في عمليات إرهابية أو ربما ميدانية وعسكرية ضد إيران.

مراقبة حذرة من إيران
تخشى إيران من تداعيات الموقف وتأثيرها على الأقلية الأذرية داخل بلدها، كما تنظر بالتهديد من تواجد الكيان الصهيوني غير المباشر عبر عسكريين ومستشارين، بالإضافة إلى الطائرات المسيرة التي قدمها، وبكثافة غريبة، للجيش الأذري، في محاولة للاستفادة من الفرصة الميدانية للاقتراب والتجسس على شمال إيران المتاخم لأذربيجان وإقليم كاراباخ.
إذ إن أي اقتراب «إسرائيلي» ميداني أو جوي من أراضي إيران، بطريقة مباشرة عبر الطائرات المسيرة، أو بطريقة غير مباشرة عبر مدربين أو خبراء لإدارة الأسلحة الإسرائيلية التي تباع للجيش الأذري، سيكون حتماً فرصة ثمينة للكيان الصهيوني في تكوين قاعدة معلومات عن إيران، وخصوصاً المنطقة الشمالية، التي من الطبيعي أن تكون مجهزة بنظام دفاعي صاروخي وجوي إيراني.
ولا يمكن بأية حال من الأحوال إغفال القدرة العلمية والتقنية الكبيرة لدى إيران، في مراقبة التهديدات القادمة من الأراضي الأذرية عبر الكيان الصهيوني.