جوناثان فنتون هارفي 
ترجمة خاصة صحيفة لا: زينب صلاح الدين / لا ميديا -

عرضت الإمـارات على الصومال إعادة فتح مشفى في العاصمة، مقابل دعم مشاركة الإمارات في الحرب اليمنية، لكن الصومال رفض ذلك في ظل تدهور العلاقات بين البلدين.
بعد فترة من العلاقات الباردة، تحاول الإمارات الآن كسب الصومال في صفها، بعرضها إعادة فتح مستشفى الشيخ زايد في مقديشو الذي أغلق قبل عامين. وعلى عكس الإيماءات الإماراتية الإنسانية السابقة؛ إلا أن كلفة التفاتة إنسانية أخرى هذه المرة ستكون كبيرة.
وذكرت "أخبار الصومال" أنه في 1 يوليو، في مقابل إعادة ترميم المشفى، طلبت أبوظبي أن يدعم الصومال مشاركتها في اليمن. أتى هذا العرض بعد أن سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات على جزيرة سقطرى التي كانت الإمارات تضع عينها عليها منذ فترة والتي تقع في خليج عدن في 20 يونيو.
قال محمد شاير، محاضر في جامعة بورتس ماوث، لـ"المونيتور": "تحاول الإمارات كسب رضا الصومال لعدة أسباب. يتركز أهم سبب حول أرخبيل سقطرى الاستراتيجي. تقع الجزيرة في وسط إحدى أهم قنوات العالم لتجارة النفط، وقد خدمت الإمارات خلال العامين الماضيين كموطئ استراتيجي لتحقيق مصالحها الاقتصادية والعسكرية".
لقد تدهورت العلاقات الإماراتية ـ الصومالية بشكل غير مسبوق بعد أزمة الخليج في عام 2017، عندما رفض الصومال أن يصطف مع الإمارات والسعودية ضد قطر، وبدلاً من ذلك اختار الحياد. وفي مايو 2018، سحبت الإمارات مساعداتها الإغاثية وبرامج تعاونها العسكري من الصومال لمعاقبته والضغط عليها كي يدعم موقفها. كما أنها عمدت إلى إضعاف نفوذ قطر وتركيا اللتين تتمتعان بعلاقات قوية مع الصومال.
أقامت الإمارات آنذاك علاقات أقوى مع مناطق الصومال المستقلة وبشكل اسمي "أرض الصومال" و"بونت لاند"، وفي نفس الوقت دعمت الساسة المعارضين في مقديشو. استثمرت موانئ دبي العالمية أكثر من 442 مليون دولار في تطوير ميناء بمدينة بربرا في أرض الصومال منذ أكتوبر 2018. إن تكثيف التواجد في القرن الأفريقي سيساعد أبوظبي على التحكم بحركة التجارة عبر مضيق باب المندب، وهو قناة عالمية رئيسية للملاحة البحرية. وهذا مرتبط أيضاً بركض الإمارات وراء الموانئ في جنوب اليمن وجزيرة سقطرى، حيث تبحث جاهدة عن تواجد عسكري هناك لبناء نطاق نفوذ إقليمي قوي.
لكن الصومال استهجن مراراً وتكراراً دور الإمارات في شبــه الجزيـــرة الصوماليـــــة؛ حيث منع دخول ملايين الدولارات إلى مقديشو كانت قادمة من أبوظبي، ومتوجهة إلى أرض الصومال في أبريل 2018. وورد أن الصومال اعتقل شبكة من الجواسيس الإماراتيين يعملون في البلد. موقفه هذا يقف كعقبة في طريق مساعي الإمارات لأن تصبح لاعباً قوياً في القرن الأفريقي وما بعده.
ولمواجهة مثل هذه العقبة، تحولت الإمارات بشكل واضح إلى اتخاذ نهج أكثر براغماتية في الصومال، فاختارت صورة أكثر إنسانية من ذي قبل.
في ديسمبر في 2019 قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في منتدى الأمن الإماراتي في أبوظبي: "هناك مجموعة أحداث جديدة في المنطقة ويجب أن ننتهز الفرصة بشكل جماعي لصياغة حلول متينة تخدم مصلحة دول المنطقة وتلبية تطلعات شعوبها". وأضاف: "نؤمن بأن مثل هذه النماذج ستلعب أخيراً دوراً مهماً في دعم الاستقرار والتنمية في القرن الأفريقي".
ومع قدوم موجة وباء فيروس كورونا، وظفت بعض البلدان الثرية "دبلوماسية فيروس كورونا" عن طريق تقديم المساعدات لتقوية العلاقات الإقليمية والنفوذ. وبالطبع الإمارات إحدى هذه الدول. في 14 أبريل أرسلت أبوظبي ثمانية أطنان من المساعدات إلى مقديشو بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. وبعدها في 12 مايو أرسل أمير دبي محمد بن راشد آل مكتوم المزيد من الأطنان من المساعدات لمكافحة فيروس كورونا والإغاثة من الفيضان إلى عاصمة الصومال.
وعلى الرغم من كل هذه اللفتات الإنسانية مازالت أبوظبي تفشل في التغلب على مقديشو.
قال شاير: "إذا أظهر لنا التاريخ أي شيء، أشك في أن لفتات الإمارات الإنسانية سوف تحقق آثارها المرغوبة".
ورفض الصومال دعم أبوظبي بإعادة فتح المستشفى، وانتقد دور الإمارات في اليمن.
قال أحمد عيسى عوض، وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي، رداً على عرض الإمارات الأخير بحسب "أخبار الصومال": "الصومال ليس أداة رخيصة لتنفيذ مآربكم. اليمن دولة جارة لنا وشقيقة ولها سيادتها وكرامة شعبها". وختم بالقول: "العالم أجمع يعلم أن سقطرى هي جزيرة يمنية وهي كذلك منذ القدم".
وخلال مقابلة مع قناة "العربية" فـي 9 يونيـــــو أدان مرة أخرى عوض أنشطة موانئ دبي العالمية "غير المصرح بها" في أرض الصومال وبونت لاند واعتبرها انتهاكاً لسيادة الصومال وحذر من أن هذا لن يزيد العلاقات الصومالية الإماراتية إلا سوءاً.
كان الصومال ذات يوم داعماً للإمارات، وبشكل أخص للتحالف الذي تقوده السعودية، في اليمن. لذا تحاول أبوظبي حالياً إعادة إحياء هذا الدعم من جديد.
قال شاير: "لقد دعمت الحكومة الصومالية السابقة التي كان يترأسها حسن شيخ، التحالف فعلوا هذا من خلال الموافقة الرسمية على استخدام المجال الجوي للدولة والمياه الإقليمية والأراضي لشن الغارات الجوية على الحركة الحوثية في اليمن".
وأضاف: "وبالطبع، كانت علاقات حسن شيخ القوية مع الإمارات والسعودية بالإضافة إلى الحوافز المادية هي المحركات الرئيسية، لا شك في ذلك".
لقد أنشأت تركيا وقطر نفوذاً قوياً في الحكومة الصومالية الحالية بقيادة محمد عبد الله محمد (أو "فارماجو")، وبإمكان مقديشو الاعتماد على ذلك. وكنتيجة سوف تعمل الإمارات جاهدة لإرضاء مقديشو مالياً.
أخبر عبد الله هالاخي، مختص في شؤون الحكم والأمن والسلام في أفريقيا، "للمونيتور": "إن التقارب الأخير الذي جاء على رأس انتخابات الصومال (في 2020) يمكن أن يكون محاولة من أبوظبي للظفر بمكان لها في الإدارة المستقبلية التي يمكن أن تصعد إلى السلطة في الصومال".
قال هالاخي: "ولكن إذا دعموا مرشحاً آخر أو مجموعة من المرشحين، وبالتالي إنشاء ائتلاف لمرشحين يقف ضد الرئيس الحالي، بذلك يستطيعون بالفعل كسب مكان لهم".
بمواجهة تلك التحديات، يمكن أن تتجه أبوظبي إلى الخيارات الأخرى.
أشار شاير: "مع تصاعد الغضب على التواجد الإماراتي في سقطرى، تحاول الإمارات التأثير على الصومال لتعزيز مطالبته بالجزر واستخدام التنافس كذريعة لتبرير تواجدها المستمر". تاريخياً، طالبت مقديشو بشكل غير رسمي بالجزر بسبب قربها الشديدة. لكنها طالبت رسمياً بالجزر في أوائل عام 2010 عندما أعلن الصومال منطقته الاقتصادية الخالصة.
وأضاف: "تود الإمارات أخذ صفحة من كتاب اللعب الروسي المختبر "الصراعات المجمدة". يودون فعل هذا من خلال تقوية وضع الجزيرة المتنازع عليه بين الحوثيين وانفصاليي المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والحكومة الصومالية وإبقائهم في صراع مجمد مع تعزيز نفوذها الاقتصادي والإقليمي والسياسي".
وفي هذه الأثناء، واجهت أبوظبي العقبات الأخرى في شبه الجزيرة الصومالية. ففي سبتمبر الماضي، قررت إدارة أرض الصومال تحويل قاعدة عسكرية إلى مطار مدني، بعد أن كانت أبوظبي قد شرعت في بنائها في 2017. قد تتراجع قبضة الإمارات هناك، الأمر الذي سيحد من نفوذها الإقليمي على الرغم من استيلائها على سقطرى.
10 يوليو/2020