عفاف محمد / لا ميديا -

أعزائي القرَّاء، في إطلالتي هذا اليوم سأكون مختلفة بعض الشيء، وسأنحو منحى آخر في الكتابة والتوثيق لشاعرنا بل لشاعرتنا في هذه الوقفة، فلن أكتب مقدمة كالعادة، بل سأنتقل للحديث عنها مباشرة، وسأختصر حديثي عنها، لكني سأطيل في استعراض قصائدها، كونها حاضرة بقوة في مواجهة العدوان، وبالمقابل مغمورة جداً وظهورها في الساحة الثقافية والأدبية خافت، وهو ما يتناقض تماماً مع ما ينبغي أن يكون. نقف وإياكم مع الشاعرة جهاد اليماني.

أبجد الشاعــرة
• جهاد اليماني.
•من مواليد محافظة ريمة.
•بكالوريوس لغة عربية -كلية التربية- جامعة صنعاء.
•لها عدد من الأعمال التي تم تلحينها منها: "أنوار غديرك يا حيدر" (للمنشد محمد الديلمي)، "بذلوا النفوس" (فرقة الشهيد القائد)، "سيدة الدنيا والأخرى" (زهرات فرقة الصادق).
•شاركت في أوبريت "صلاة الروح"، وفي أنشودة "أهلا ببضعة أحمد".
•فازت بالمركز الأول في "مهرجان الرسول الأعظم"، الموسم الخامس، في الشعر النسائي الفصيح.
•فازت بالمركز الرابع في مسابقة الهوية الإيمانية التي نظمها اتحاد الشعراء والمنشدين.
تكتب جهاد اليماني فصيح الشعر بفنية عالية وتتقنه معنىً ومبنى. قصائدها لا تضاهى، لجمال سبكها وحلاوة منطقها وعذوبة ألفاظها وبديع صورها.
كانت بداياتها مع كتابة الشعر في المرحلة الثانوية. وفي فترة ما قبل العدوان اقتصرت على المناسبات الدينية، وكانت كتاباتها محدودة ونادرة.
ولنتركها تتحدث قائلة: "الأحداث هي التي تصنع الحديث والكتابة. حالة ذهنية شعورية وجدانية، نتيجةً لدافعٍ ما، وفي حالةٍ من الصفاء والتجلَّي نُطلقها حمماً، وننزفها دمعاً. وفي زمن العدوان الغاشم الآثم الوقح، كان لا بد من ردة فعل، واتخاذ موقف لكل من يتفيأ سماء الوطن ويتنفس هواءه وينعم بخيراته. وكانت المواقف تتشكل بحسب الظروف والإمكانيات والمواهب والملكات؛ فحين يرتدي المجاهد لامة الحرب، ويمضي ليدافع عن أرضهِ وعرضهِ، فإن الكتابة هي سيفُنا الذي نستلهُ من غمد الوجع؛ لنقارع به البغي والطغيان؛ مادامت هي سلاحنا المتاح والممكن. وحين نرى الأشلاء المتفحمة تحت الأنقاض ونسمع أنين الجرحى وزفرات اليتامى والثكالى، فإن الكتابة هي صوت أنيننا المرتفع، وهي رجع الصدى المنبعث من أعماق الوجع".
كانت أول قصيدة كتبتها الشاعرة في مواجهة العدوان بعنوان "هاماتنا لن تنحني للعاصفة"، وكانت مع أول أيام العاصفة، وتزامنت مع قمة الخزي والعار التي شرعنت العدوان على اليمن. نقرأ منها هذه السطور:
يا كل من باع السعيدة واشترى بإبائها وشموخها
وبمجدها وبعزها
خزيا وإذلالا وعار!!
يا كل من باع العروبة والكرامة والسيادة والقضية والقرار!!
ما العاصفة؟!
ودموع أقصانا الجريحة والسليبة نازفة!!
وهناك غزة في الحصار
كم تستغيث وتستجير ولا تجار!!
هلّا توجه حزمكم
وتصوّبت نيرانكم
وتوحدت آراؤكم
لنحرر الأقصى نرد الاعتبار!!
كانت هذه القصيدة هي شارة البدء. وظلّت "جهاد" تواكب بكتاباتها أحداث العدوان طوال السنوات الخمس الماضية.
هي لا تجتهد كثيراً في نشر ما تكتب، بل تجتهد في سبك القصيدة وتجويدها، لإيمانها بأن الحروف الجيدة ستعرف طريقها إلى القرَّاء.
وبالفعل شقت الحروف طريقها ووصلت للكثير من المهتمين بالشعر المقاوم. وكانت قد لفتت انتباهي وأثارت اهتمامي كباحثة ومهتمة بالشعر، فأوصلت عددا منها لشاعر الثورة معاذ الجنيد، فعلّق قائلا: "لقد أدهشتني وأذهلتني هذه النصوص!! ومن النادر أن نجد امرأة شاعرة تكتب بهذه القوة. ومن خلال قراءتي لاحظت أن هناك فرقاً كبيراً وواضحاً بين قصائدها بالعمودي وقصائد التفعيلة، فقصائد التفعيلة لا تخلو من المباشرة. لِتستمر في كتابة الشعر العمودي؛ فالكلمة أبقى وأمضى". 
والآن تعالوا بنا نطالع عددا من كتاباتها، ونبدأ بقصائد المديح النبوي. طبعاً هي لم تتجرأ على مدح ذلك المقام الشاهق وبحر النور الذي لا تدركه بحار الشعر... هي فقط تقف على الأعتاب في "بوح الأسى" لتبثه الشكوى، وفي "نبض الولاء" تصف عظيم الحب في وجدان اليمنيين ودهشة الاحتفاء بمقامه الشريف في ذكرى مولده:
يا شذى "الفجرِ" يا أريجَ "المثاني"
كيف أتلوك والقوافي شظايا؟!
سبَّحتْ باسمك الدموعُ وطافتْ
حول معناك -في ذهولٍ- دِمَايَا
يا ربيعَ القلوبِ عاد "ربيعٌ"
ينثر الزهرَ في ربوعِ الحنايا
يا ربيعَ القلوب جاءكَ قلبي
بلسان الأسى يبثُّ الشكايا
يا رسول السلام عادتْ قريشٌ
تئدُ النورَ في عيونِ الصبايا
وكتبت في سيد الوصيين، الإمام علي عليه السلام، عدداً من القصائد للمولد والغدير والاستشهاد، نقرأ من قصيدة "العروة الوثقى":
بيومِ ولايةِ الكرارِ عند غديره الأنقى
تهادينا عقودَ الفلِّ ألْبسنا الدُّنا طوقا
ورتلنا كتابَ الحبِّ سبّحَ دمعُنا شوقا
رشفْنا العزَّ من يُمناهُ، منهُ العزُّ يُستسقى
ومن شلَّالِ كوثرهِ لنا أملٌ بأن نُسقى
"عليٌّ" صاحبُ الذكرى إليه الشعرُ لا يرقى
وصيُّ المصطفى وأخوهُ والصديقُ والأتقى
قرينُ الحقِّ والقرآنِ حازَ الفضلَ والسبقا
سناءٌ يبهرُ الأبصارَ نهجٌ ينقذُ الغرقى
وفي "عطر النبوة" و"سيدة الدنيا والأخرى" و"ريحانة الروح" الزهراء البتول سلام الله عليها، كتبت جهاد عدداً من القصائد، وما بين الأقواس عناوين للبعض منها. نقرأ من قصيدة "ريحانة الروح":
ريحانةٌ في الروحِ لا تذبلُ
وغيمةٌ في خافقي تهطلُ
مشكاةُ نورٍ في دمي أزهرت
وكوكبٌ درّي لا يأفلُ
هذي هي الزهراءُ فيضُ العطا
وكوثرٌ من نبعهِ ننهلُ
يا زهرةَ الهادي وعطرَ الوصي
الحرفُ في معناكِ كم يخجلُ
ولعل من عظيم نعم الله على المرء أن ينشأ في أسرة متجذّر فيها الحب والولاء والانتماء لله ورسوله وآل البيت، وتمتد جذور هذا الولاء منذ أمد بعيد، كما هو الحال مع الشاعرة جهاد، حيث نلمس ذلك في قصائدها المتدفقة حبا وولاء لآل البيت عليهم السلام. ولها هنا القصيدة "الحيدرية" التي كتبتها بمناسبة الغدير، وتتألف مما يقارب الخمسين بيتاً، وتتطابق من حيث الوزن والقافية مع القصيدة الكوثرية للسيد رضا الهندي. ومن هذه القصيدة نقتبس هذه الأبيات التي تخاطب بها أمير المؤمنين عليه السلام:
أحببتك حباً لا أدري
من أين أتى ومتى بكَّر
وشربت هواك فأسكرني
قد خاب فؤاد لا يسكر
في حب وصي رسول الله
الساقي في يوم المحشر
من يشرب كأس محبته
فسيشرب من حوض الكوثر
وسكبت محاضرات السيد القائد وإطلالاته النورانية البهية نهراً من المحبة ليتدفق قصائد عذبة، نقرأ في قصيدة "تسابيح":
يطلُّ حليفُ الذكرِ ينسابُ ضوؤُهُ
وآي الهدى من غرةِ النورِ تعبقُ
يطلُّ من الأعماق نبضاً مرتلاً
فتصغي له الأرواحُ والدمعُ ينطقُ
تُحلِّق في الأفقِ الرحيبِ قصائدي
وقلبُ القوافي بالمودةِ يخفقُ
ولكنها في حضرة "البدر" تنحني
حياءً، وحباً دمعُها يترقرقُ
ولـ"جهاد" حضور في حضرة الشهداء، ولها في الشهيد القائد عدد من القصائد.
وكان استشهاد الرئيس العظيم صالح الصماد فاجعة أليمة اندلعت نيرانها في وجدانها تأججت واضطرمت وجعا مريرا وحزنا عظيماً. نقرأ من قصيدة "روحية الصماد":
أسىً عليك تشظّى القلبُ وانفطرا
يا شاهداً وشهيداً ما لهُ نُظرا
أسىً لفقدك أنَّت كلُّ جارحةٍ
تسعّر الحزنُ فاض الدمعُ منهمراً
وفي قصيدة "وتعود ذكراك" نقرأ:
غادرتَ يا عبقَ "المثاني" باسماً
وتركتَ فينا حرقةَ الأكبادِ
خلّدتَ ذكرَك في القلوبِ محبةً
وبنيتَ عزّاً راسخَ الأوتادِ
حلّقتَ في الأجواءِ فتكاً بالعدى
وسطعتَ نجماً في سماء بلادي
وضربتَ يا رمز النزاهة والفدا
مثلاً لكل مواطنٍ وقيادي
ورافقت الشاعرة الأسرى في معتقلاتهم، وعاشت نزيف جراحهم، وحلَّقت في فضاءاتهم الروحية، وترجمت مشاعر الأهل، بقصيدة حوارية تفيض بالمشاعر الصادقة بين أخت وأخ أسير، تحت عنوان "حوار الأعزة"، وحين عودة عدد من الأسرى ترجمت فرحة اللقاء مقطوعة نقرأ منها:
صلَّت دموعي على فقدانكم زمناً
واليوم عُدتم سروراً يُذهب الحَزَنا
عُدتم فأزهرت الأروح وابتهجت
عُدتم إلينا ضياءً بسمةً وهَنَا..
أهلاً بمن صبروا في الله واحتسبوا
أهلاً وسهلاً بكم أبطالنَا الأُمنا
صباحُنا فرحةٌ عظمى برؤيتكم
صباحنا بهجةٌ قد عمَّتِ اليمنا
صباحكم ثقةٌ بالله غامرةٌ
صباحكم عزةٌ، نصرٌ يلوحُ لنا
وللشاعرة مع الطفولة المذبوحة حكاية ألم ودموع؛ فكتبت بلسان الأطفال وعبرت عن عمق جراحهم وذرفت الدموع على أحلامهم المتناثرة وأشلائهم المبعثرة، وترجمت شعراً الدمعة المنسكبة والألم المتكدس في أعماق أطفال قتلهم الحرمان ومزقهم الألم... هنا مقطع من قصيدة "حين تحرق الرياحين" والتي كتبت لشهيدات مدرسة سعوان:
تعمّقتِ المواجعُ والجراحُ
كوانا الحزنُ، أدمانا النواحُ
على وطنٍ تطوفُ به المنايا
تمزقهُ الأسنةُ والرماحُ
على ريحانةٍ للعلم تهفو
وترجو أن يحالفها النجاحُ
عليها ثوبُ أحلامٍ طويلٌ
وأبهى الأمنياتِ لها وشاحُ
مضت صبحاً على ظمأ وجوعٍ
وفي الثغرِ التبسّمُ والسماحُ
وما درت البريئةُ أن أرضي
بها قتلُ الطفولةِ مستباح
وأن يداً ستغرقُ في دِماها
يقبِّلُها نفاقٌ وانبطاحُ
وأن جميع من في الأرضِ صمتٌ
لقاتلنا دمانا قد أباحوا
ولأطفال حافلة صعدة كانت قصيدة "دمعة في فراغ الصمت"، نقطف منها هذه الأبيات:
تَلظَّتْ بأعماقي جحيمُ مواجعي
وفاضتْ من الطرفِ الكسيرِ مدامعي
أنامُ بآلامي وأصحو بلوعتي
وليلٌ من الأحزانِ يكسو مرابعي
فؤادي كواه القهرُ، أحرقهُ الأسى
وما خلْتُ صمتي لا ولا البوحُ نافعي
سأتركُ قلبي عند أشلاءِ يوسفٍ
وأُصغي ليعقوبِ الحزينِ مسامعي
الشاعرة تجيد كتابة القصائد الحوارية والقصصية، وقد تكتب قصائد كاملة على شكل حوارية. وهناك عدد من القصائد كتبتها على شكل قصة قصيرة اكتملت فيها عناصر القصة من حيث الأشخاص والزمان والمكان والوصف والسرد والحوار والعقدة إلى أن تصل للانفراجة في النهاية. وهذه عناوين لقصائد قصصية: "متى ستعود يا وطني إلى أرض الوطن؟!"، "حكاية وطن يرويها الزمن"، "لن يطفئوا سناك يا سناء"، "لا تبتسم".