عادل بشر / لا ميديا -

تعتبر فئة المحرومين «أحفاد بلال» من أشد فئات المجتمع فقراً، إذ تتفشى في أوساطهم الأمية والأمراض والبطالة وامتهان التسول بشكل كبير، نتيجة لانعدام الوعي الصحي والاجتماعي، الأمر الذي أسهم في تعرض هذه الفئة للتمييز والاستغلال، فأصبحوا يعيشون في عزلة عن المجتمع جراء النظرة الدونية والإحساس بعدم الأهمية في هذا المجتمع.
وكبادرة حسنة تأتي انطلاقاً من الإحساس بالمسؤولية الدينية والإنسانية، دعا قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير، الجهات الرسمية إلى إطلاق برنامج وطني طويل الأمد للعناية بـ»أحفاد بلال» ودمجهم في المجتمع بالمستوى اللائق.
تجربة «جهاد البناء» التي تبنتها جمعية الوحدة التنموية الخيرية لأحفاد بلال في محافظة صعدة، تمثل تجربة ناجحة لدمج الفئة المحرومة في المجتمع، حيث تحقق من خلالها نقلة كبيرة للمحرومين بالمحافظة، فأصبح منهم الآن قيادات ثقافية وأخرى أمنية وعسكرية ومقاتلون في الجبهات جنباً إلى جنب مع بقية شرفاء هذا الوطن.
صحيفة «لا» التقت زيد عبده ناصر، رئيس جمعية الوحدة التنموية الخيرية لأحفاد بلال في محافظة صعدة، واستعرضت معه تجربة الجمعية في الاهتمام بالمحرومين والخطوات التي قامت بها من أجل إعادة دمجهم في المجتمع.

صوت المحرومين
في البداية سألنا ناصر، عن تجربة «جهاد البناء» التي تبنتها الجمعية لدمج فئة المحرومين في المجتمع، كيف بدأت؟ ومراحل تطبيقها عملياً على أرض الواقع، وماذا حققت؟ 
وأوضح أن تجربة الجمعية بدأت منذ ما وصفه بـ«السنوات العجاف» للحكومات السابقة، «حيث تعرض أحفاد بلال للتهميش لسنوات طويلة، بينما كان أبناء صعدة يقومون بإيوائهم والإحسان إليهم، واحتضانهم كإخوة لهم، وساعدوا الكثير منهم على الانخراط في التعليم، وبذلك تمكن عدد كبير من أحفاد بلال من الحصول على حقهم في التعليم».
وأضاف: «بعد أن تفتحت مدارك الكثير من أحفاد بلال الذين دخلوا المدارس، وعرفوا أنهم مُهمشون وشبه منبوذين من الأنظمة نفسها، كان لا بد من مواجهة ذلك بطريقة منظمة وقانونية، عل وعسى يتم الالتفات إلى معاناتهم واحتياجاتهم، فاجتمع عدد من الشباب الواعي والمتعلم والفاهم من أحفاد بلال، بداية العام 2009م، واتفقوا على إنشاء جمعية تكون صوتهم لدى السلطة وتساعدهم على دفع الظلم والنسيان والتهميش وإشراكهم في تقرير مصيرهم وتنمية أنفسهم بالشكل المطلوب».
رغم انعدام الدعم وتعرض هؤلاء الشباب للتهجم ومحاولة إفشال إنشاء مكون خاص بهم، بحسب زيد، إلا أنهم أصروا على المضي في طريق الكفاح الذي اختاروه، فتم تأسيس جمعية الوحدة التنموية الخيرية لأحفاد بلال بمحافظة صعدة، لتكون صوتاً للمحرومين وملاذا أخيراً للحصول على حقهم في الإنسانية والحياة الحُرة الكريمة.

العدوان دمر الجمعية
وقال زيد: «بعد التأسيس ظلت الجمعية تواجه التهميش من قبل السلطات المحلية، حتى جاءت ثورة 11 فبراير 2011م، عندما وصل أنصار الله ومدوا أيديهم للجمعية ودعموها حتى حققت خطوات مهمة وملموسة في تنمية ومساعدة أحفاد بلال بما توفر حينها، ثم استمرت الجمعية في أنشطتها حتى بدأ حلف العدوان الحرب على اليمن في مارس 2015م، وكان لمحافظة صعدة النصيب الأكبر من القصف بمختلف أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، وكأي شيء في المحافظة تعرضت الجمعية للخراب والدمار ونزح كل أحفاد بلال وتوقفت الجمعية حتى بداية العام 2017م، حين عاد أعضاؤها وعاد أحفاد بلال لمحافظتهم التي ولدوا فيها».
مع عودة أحفاد بلال إلى مناطقهم في صعدة بداية العام 2017م، كان من الطبيعي أن يعود مكونهم المدني إلى مواصلة ما توقف عنده بداية العدوان، إلا أن الوضع لدى الجمعية كان صعباً، حيث فقدت الكثير من الدعم الذي كانت تحصل عليه، وهو ما قوض أنشطتها ومشاريعها بشكل نسبي، ليستمر هذا الوضع حتى مطلع العام الجاري 2020م، إذ تمكنت الجمعية بفضل من الله سبحانه وتعالى ونتيجة صبر وجهد القائمين عليها، من الحصول على الدعم من عدة جهات، وهذا الدعم ـ وفقاً لرئيس الجمعية ـ أسهم بشكل كبير في إعادة بناء الجمعية وتمكينها من تنفيذ برامج وأنشطة تخدم هذه الفئة المحرومة.

برامج وخطط للنهوض بهذه الفئة
وقال زيد ناصر: «كان للجمعية الأثر الكبير في الدفع بعجلة التعليم بين أطفال أحفاد بلال، ومساعدة المتضررين من العدوان، وسيكون لنا في الأيام القادمة بصمة واضحة في بناء القدرات والتأهيل وفق برامج وخطط مدروسة بدقة للإسهام في تخفيف الفقر والأمية والبطالة بين أوساط هذه الفئة، كما تم بناء مركز لهم يضم صالة تدريب وتأهيل في كل المجالات الهامة، وكذلك بناء مقر للجمعية بدعم السلطة المحلية ومكاتبها التنفيذية الذين نوجه لهم كل الشكر والتقدير».

تمليك أراض زراعية
ومن بين المجالات الهامة التي توليها الجمعية جُل اهتمامها كأحد المشاريع التنموية لهذه الفئة بشكل خاص وللوطن عامة، المجال الزراعي، إذ تسعى الجمعية إلى تمليك أحفاد بلال أراضي زراعية للعمل فيها واستثمارها بطرق زراعية مدروسة، وقال رئيس الجمعية: «سنقوم خلال الأيام القادمة إن شاء الله بتقديم مشروع إلى السلطة المحلية في المحافظة، يتضمن دراسة لتمليك أحفاد بلال أراضي زراعية، وذلك لزراعتها بالثمار والفواكه، بعد تأهيلهم بالشكل المطلوب في المجال الزراعي، وبما يعود بالنفع على هذه الفئة والوطن بشكل عام».

بدأنا الدمج قبل 7 سنوات
وعن تجربة الجمعية في دمج أحفاد بلال في المجتمع، قال ناصر: «تم الدمج الفردي منذ عام 2013م، ضمن خطة بعيدة المدى تستهدف أبناء الفئة كاملة، فأصبح لدينا أشخاص في مواقع هامة ووظائف عليا، بينهم مدراء أقسام ومدراء مكاتب وقيادات أمنية وعسكرية وثقافية، ولدينا مجاهدون في الجبهات وشهداء سقطوا دفاعاً عن الوطن إلى جانب أبطال الجيش واللجان الشعبية».

انتصار لجميع المحرومين
وتعليقاً على ما جاء في خطاب قائد الثورة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، من إشادة بأحفاد بلال وأنهم خير الخلق، ودعوته الجهات الرسمية إلى إطلاق برنامج وطني طويل الأمد للعناية بأحفاد بلال ودمجهم في المجتمع بالمستوى اللائق، قال: «لم نكن نحلم حتى بنصف هذا العطف والاهتمام، فأن يظهر سيد الثورة عبر الإعلام مشيداً بأحفاد بلال وموجهاً بالاهتمام بهم، هذا انتصار كبير لجميع المحرومين من أحفاد بلال في اليمن بأكمله، فقد كنا نشعر أننا منسيون في كثير من مناحي الحياة، ولكن كلام السيد أفرحنا وأكد لنا أننا موجودون وضمن اهتماماته، ولنا من عطفه واهتمامه نصيب، وموضوع الدمج سوف يعزز من ثقتنا أكثر بالقيادة الحكيمة، ويزيل كل ما كان في أنفسنا من تبعات تهميش الأنظمة والحكومات السابقة».
وأكد زيد أن السلطة المحلية في محافظة صعدة قامت بعد خطاب السيد بالتواصل معه مباشرة، والبدء بالتنسيق والتخطيط للنهوض بالجمعية ومساعدتها حسب الإمكان وبما يخدم مصالح واحتياجات أحفاد بلال.