عفـاف محمد / لا ميديا -

هم فتية كمصابيح الدجى غررُ
شُمُّ الأنوف من الصِّيد المصاليتِ
قالوا: مَن القوم؟! قلنا هم
من كل سمح بفرط الجود منعوت
صالوا على الدهر بالمجد الذي وصلوا
وليس حبلهم منه بمبتوت
في ليل ملتبس وظلام بهيم، كانوا ممن فزع في وجه المفزعات، ممن هزموا خوادش الهموم. هم كنية يعربية شرفتنا. هم شمس طلعت من غيهب الظلمات...
أحدثكم اليوم عن شاعر مليء بالمشاعر، شاعر تعثرت عنه غاية الوصف، أبياته كرائم زهون في السماء طولاً، عنوانها الفصاحة وجمال البيان، حف جوانبها ورد النسرين والبيلسان.
لذا أقول لك عزيزي القارئ: استعد، فأنت اليوم أمام شخصية بارزة، أمام ذات أقسمت لتثورن على الظلم والطغيان، قالت أواه عليك يا وطني، ولم تقبع بين اللا نهايتين (الصمت والظلام).

هي ذات دائبة في تجديد الحياة على تنوع مظاهرها. ولكم طربنا لسماع أفكاره الرنانة! ولكم لفتتنا كلماته البراقة، التي تعزز الإيمان والثقة بالله، والتي تستفز المشاعر وتحركها وتثير كوامن حب الوطن والتضحية في الله والوطن.
شاعرنا جعل الجهاد في سبيل الله والوطن من أولوياته، فكان فارس السيف والقلم فكيف له النزوع عن حب ذلك الجهاد أمام معترك الحياة؟!
اليوم نتوقف لحظات مع مَن ساهم بمجابهة عدوان جائر خبيث، وأسهم في التوعية ورفض تيار جارف من حمم الغل والحقد على الوطن الغالي. برزت له قصائد متفجرة عزاً وشموخاً وحماساً كان لها نجاح مبهر وفعال في إصلاح المجتمع وتأهيله لمقارعة العادي الذي ارتكب في أرضنا أحط الجرائم، ولم يدرك هذا العدو أنها يمن ذات أسلاف!
شاعرنا شخصية قالت: أنا الغريق فما خوفي من البلل؟!
فكان قوله لا يؤتى من الزلل، فزع ولبى النداء وقال: لساني وعيني والفؤاد وهمتي.. لشعري فيك موطني من نفسه شعرا..
لن أطيل عليكم، نعم، هو ذاك الذي سكنت كلماته وجدانكم. إنه الشاعر الأسطورة، معاذ الجنيد، مَن تفجرت عروقه شعراً.

 بطاقة تعريف:
- الاسم: معاذ محمد أحمد الجنيد.
- الجنسية: يمني.
- تاريخ الميلاد: 1986.
- محل الميلاد: تعز.
- محل الإقامة: صنعاء. 
- الحالة الاجتماعية: متزوج وأب لطفلة.
- المؤهلات الدراسية: طالب في كلية الحقوق (قيد الدراسة).

 الجوائز والشهادات الحاصل عليها:
ـ المركز الثاني عربياً في مسابقة "قصيدة التحدي" في دولة الإمارات على قناة "فواصل" في 2008.
ـ درع التحدي من الأمير سعد عبدالله بن مساعد في المملكة العربية السعودية.
ـ درع الإبداع من وزير الثقافة اليمني.
ـ درع رئاسة الجمهورية من الدرجة الأولى تكريماً من نائب رئيس الجمهورية السابق.
ـ تكريم خاص من رئيس الجمهورية اليمنية السابق.
ـ درع التميز والإبداع من وزارة الشباب والرياضة.
ـ درع المحافظة من محافظ محافظة تعز.
ـ درع تقدير من المركز الثقافي السوري في صنعاء.
ـ شهادة تقدير من وزارة الثقافة العراقية...
وغيرها الكثير من الشهادات والدروع تقديراً للمشاركات الأدبية والشعرية.

 المشاركات:
ـ مسابقة "قصيدة التحدي" التي أقيمت في الإمارات في 2007.
ـ حفل تكريم للشعراء أقيم في المملكة العربية السعودية.
ـ مهرجان الاتحاد العربي في ليبيا.
ـ مؤتمر "شعر الصحوة الإسلامية" في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 2012.
ـ مهرجان "بغداد عاصمة الثقافة العربية" في العراق 2013.
ـ العديد من المهرجانات والاحتفالات والفعاليات الشعرية والثورية والوطنية التي تقام في اليمن.
ـ العديد من الفعاليات المواجهة للعدوان التي تقام في اليمن منذ بداية العدوان على اليمن.
ـ كتب العديد من القصائد المعبرة عن صمود الشعب اليمني في مواجهة العدوان والتي أصبح يتناقلها الكثيرون داخل الوطن وخارجه.
ـ العديد من القصائد لحنت إلى أناشيد هي: "يمن الصمود"، "سواعد الحسم"، "صوت وزناد"، "يمن التحدي"، "عام الصمود"، أوبريت "صلاة النصر"، "قمر الزمان"، أوبريت "محمديون"، "الثورة على ركب الحسين"، "أرباب العطاء"، "صولة ذي الفقار"، "سنُسألُ عنهُ" التي تتحدث عن ثورة البحرين أنشدها الشيخ حسين الأكرف، وقصائد أخرى.
ـ له ديوان شعر مطبوع بعنوان "غرقى في الأفق"، وديوان آخر بعنوان "محمديون".

روائح الدخان والقذائف
معاذ الجنيد اسم بات له ثقل في عالم الشعر، حيث يعد من أرباب البلاغة والبيان. هو شاعر غزير الإنتاج، زخرت قصائده بأسلوب تصويري قوي، ويعد في الذروة من أهل الشعر الفصيح لهذا العصر، امتاز بجزالة اللفظ وفخامته، وبلاغة منطقه.
بقصائده أذكى جذوة وشجاعة وبسالة المجاهدين، ملهباً حماسهم. امتزجت أبياته بعبارات إيمانية فائقة البلاغة.
انزلقت على لسانه أشعار ملتهبة ألهبت الجمهور وبات شعره متعة نفسية تحلق بالمتلقي في فضاء واسع. ولا أبالغ إن قلت إنه الشاعر الأسطورة، فهو بحق أعجوبة ونادرة من نوادر الزمان، وقد اشترك بحسه وعمله في صنع الأحداث وسجلها بإحساس شاعر، ولفتت أعماله الانتباه وتناولها الكثير وتذوقها بِنَهَم شديد.
أينما حل الشاعر معاذ الجنيد تطايرت جاذبيته في كل الأرجاء، فمعانيه غزيرة ومرتبة وواضحة عمت أشعاره الروح الدينية حيث استظهر في أعماله صوراً إسلامية كثيرة.
بمعارفه الأدبية واتساع مداركه وذائقته الأدبية تسربت قصائده بعذوبة إلى كل خلجة في المتلقي، وأتقن تدرجه الوجداني والفكري الذي به غزا أفئدة العامة وتطايرت شهرته حتى خارج البلاد، صار شاعر الحرب الذي يشرع بدق طبولها ثم إشعال فتيلها. تميز بخاصية القوة التي لا تخلو منها قصائده والتي ترتعد لها أوصال العدو.
أخذ فصاحته من محيطه الأسري المعروف بالأدب والعلوم الدينية والمعرفية. وتلمس من خلال أعماله تأثره بإحياء مجد الماضي وتعمق إحساسه بماض حافل بالمجد والكرامة..
قد أشعر شاعرنا عن فطرة وعن ثقافة وقد استمد مادة إلهامه من كل ما حوله متأثراً بتقلب الأحداث.
رصع معاذ الجنيد الكثير من النفوس بأشعاره، وابتكر فلسفة راقية للشعر المعاصر الذي لا يخلو من نكهة القديم.
من أقوى الأصوات المواجهة للعدوان 
لأنه عليم بأسرار التركيب الشعري يعرف سر اللفظة الشعرية ونسيج العبارة الأدبية تأنق في صياغة ألفاظه التي تفيض بالحيوية والذكاء في عصر التحول السياسي والثقافي.

توالت له إصدارات ودواوين اتسمت باخضرار الرؤية.
كان له في المدائح النبوية باع طويل، حيث نما في أسرة محبة لآل البيت. وكانت له قصائد عصماء منها "لبيك يا رسول الله" التي تغلغلت في أعماق الشعب اليمني وعبرت عما يختلج في نفوسهم ويستعر جراء عدوان بغيض انتهك كل الحرمات. ولمست كلماته شغاف القلوب حيث مزجها بحب الشعب اليمني وارتباطه الوثيق بخير البرية رسول الله صلى الله عليه وآله، وعبر فيها بعبارات ملتهبة عن وحشية الغارات وعن الصمود اليماني الأسطوري.
وقد اشترك بقصائده في كل حدث، وجعل من قصائده تسجيلاً للانتصارات الساحقة، وسخر فيها من العدو وهجاه هجاءً عنيفاً.
وفي مقامه الرفيع يطول الحديث؛ فمعاذ الجنيد يقول كل ما يريد العامة والخاصة، يتكلم بلسان عالم الدين وبلسان المثقف ولسان السياسي والمواطن البسيط..
قد يكون هناك حدث ما فيكتب عنه الشعراء والكتاب والمحللون السياسيون. لكن يظل الجميع منتظرا لقصيدة شاملة لكل تلك القصائد وكل تلك الكتابات والتحليلات والمعاني، لشاعر الثورة ولسان الشعب والقيادة، ويظل الجميع متسائلاً: أي طريقة فذة فريدة سيكتب وسيتناول بها الموضوع الشاعر معاذ الجنيد؟!
إنه الشاعر المُلهَم المُلهِم المتربع على عرش الإبداع. هو مُلهَم نعم، فقصائده فيض إلهي وإلهام رباني وكأنها في تدفقها وقوتها وجمال سبكها كُتبت بيد الغيب. وهو مُلهِم نعم، لأن الكثير من الشعراء باتوا يستلهمون منه المعاني والألفاظ وجمال التقنية الفنية والأسلوب الراقي.
نجمٌ في الشعر بنوعيه الفصيح والشعبي، لكنه يبدو أكثر بريقاً في الشعر الفصيح (تفعيلة وعمودي)، ويبدو في العمودي أشد توهجا ولمعانا حيث يسكب فيه روحه ومشاعره.
ولقصائد معاذ الجنيد الأثر الكبير في نفوس العامة والخاصة؛ لبساطة تراكيبها وجمال أسلوبها، ولأنها تقول ما يختلج في قلوبهم وتبوح بمكنون صدورهم وتعبر بألسنتهم.
ولقصائده التأثير الكبير الصاعق والمزلزل على نفسيات الخصوم والأعداء. فإذا كانت العقول اليمنية الفذة قد استطاعت تصنيع الجيل الثالث من أجيال البراكين؛ فمعاذ الجنيد هو تلك الهبة الإلهية والمنحة الربانية والجيل الرابع من أجيال البراكين، بقصائده الثورية المتوهجة الشامخة.
وفي الحديث عن إنتاجه الشعري خلال الخمس السنوات الماضية من عمر العدوان قد يطول بنا المقام، فقط يمكنني الإشارة لبعض العناوين التي تضم عددا من القصائد، فلدينا هنا كشكول من العناوين نذكر منها ما يلي: قصائد المدائح النبوية، قصائد القوة الصاروخية والطيران المسير، قصائد الشهداء، قصائد المجاهدين والجرحى... وهناك القصائد التي تتحدث عن مظلومية الشعب اليمني، وقصائد محور المقاومة، وقصائد النكف القبلي، وقصائد المناسبات المختلفة... فلكل مناسبة ولكل حدث ولكل نصر قصيدة خاصة تصل إلى ما بين الأربعين والستين بيتاً، يضع عليها بصمته الخاصة ويسجل فيها انطباع الشعب وتكون هي الكلمة الفصل في ذلك الحدث أو تلك المناسبة. ويكتمل مشهد المسيرات والفعاليات بقصيدة مجلجلة لمعاذ الجنيد وبإلقائه الحماسي البديع المتفرد.

علاقة وثيقة مع الثقافة القرآنية
وللعلاقة الوثيقة بين الشاعر والقرآن فإن مفرداته ومعانيه واستنتاجاته مستوحاة من القرآن، إضافة للاقتباسات القرآنية التي يرصع بها قصائده، وأثمرت هذه العلاقة قصيدة عصماء بعنوان "المسيرة القرآنية" حوت جميع سور القرآن الكريم، وهذا من الإبداع المتفرد الذي قد لايتأتى لأحدٍ غيره.
وله في إمام المتقين وسيد الوصيين وفي آل البيت عموما عدد من القصائد العظيمة نشير هنا لقصيدة رقراقة عذبة تفيض حبا وتتدفق صورا جمالية إيمانية كتبها الشاعر بين يدي الإمام علي عليه السلام في ذكرى ميلاده الأغر، نقتبس منها هذه الأبيات:
مُذْ قسَّمَ الله بين الناس أنعُمَهُ
خصَّ النبيِّينَ في الآلاءِ بالحُلَلِ
(خليلُهُ) اختُصَّ نسلُ الأنبياءِ بهِ
وامتازَ (مُوساهُ) بالتكليمِ في الجبلِ
أعطى (سليمان) مُلكاً لا حدود لهُ
وأُوتيَ الحُكمَ (عيسى) وهوَ في الوَهَلِ
لكنَّ (طه) حبيب الله صفوتُهُ
مُقدَّمٌ فضلُهُ عن سائرِ الرُّسُلِ
رأى الوجودَ قليلاً أنْ يُقاس بِهِ
فكيفَ يُرضيه.. أهداهُ الإمامَ (علي)
هديَّة الله.. من بيتِ الإله.. إلى
بيتِ النبيِّ.. ففيم القومُ في جَدَلِ؟
نفْسُ النبيْ.. صِنُوهُ.. مِشكاتُهُ.. يدُهُ
أخوهُ.. صاحبهُ.. محبوبهُ الأزلي
أعطاهُ (طه) بأمرِ الله بِضعتهُ
وقال عيني.. وقد زوَّجتُها مُقَلي
ويتميز الشاعر بانتقائه للألفاظ، فكل لفظٍ في موضعه المناسب ولا يمكن استبداله بلفظ آخر.
ومن الجميل أن يكون الشاعر مثقفا في كل المجالات والنواحي قرآنيا تاريخيا سياسيا اجتماعيا فلسفيا.. والأجمل أن ينعكس ذلك على قصائده فتبدو لوحة فنية ووثيقة تاريخية كما هو الحال مع شاعرنا الذي تشرب الثقافة القرآنية والولاء العظيم لآل البيت عليهم السلام في ظل أسرة متجذرة الولاء للنبي وآله كما أسلفنا.
نعم لقد أصبح الشاعر معاذ الجنيد آية تتلى ومعجزة ترى، ولديه الكثير والمثير لازال في طيات الغيب.
قصائده تجمع الضد بالضد، فهي تمر كالأنسام وتنساب كالشهد على قلوب اليمنيين الصادقين المخلصين المضحين.. بالمقابل تهب كالإعصار الجارف المزلزل على قلوب الأعداء والخصوم.
نراها مع مجاهدينا في حومة الهيجاء يلمع نورها للرائي حروفا، لكنها كالسيف الصارم في حدها ومضائها.
نماذج من شعره 
ولأنه ثري في إبداعه؛ فليس لدي القدرة على اختيار إحدى قصائده، وليس بإمكاني نقدها ودراستها، فشعره بحاجة لمركز دراسات بحثي نقدي أكاديمي، ولكني سأضع بين يدي القارئ نماذج من شعره وأبياتاً من قصائده.
كانت أول قصيدة له والتي أبهرت الشعب بأكمله وترجمت المشهد اليمني وعبرت عن مشاعر الغضب والصمود والإباء وصارت اسما لبرنامج جماهري في إذاعة صنعاء وانطلقت في ثاني أيام العدوان كأول رد يماني مزلزل، قصيدة "يمن الصمود "، نقتطف منها هذه الأبيات:
يمنُ الصمودِ بدفنكُم أحرى
فلتحشدوا العشرين، لا العشرا
أهلاً وسهلاً في مقابركُم
أهلاً ضيوف جهنم الأُخرى
إكرامكم بالدفن واجبنا
لا نبتغي منَّاً ولا شُكرا
بالقصف زادت نارُ لهفتنا
للقائكُم، فتفضلوا برَّا
إنَّ الملايين الذين قضوا
يتجرعون سمومكُم دهرا
اليوم ينتظرونكُم شغَفاً
متأهبين، قلوبُهم حرَّى
فالشعب بعد العُسر مُلتزِمٌ
أن يسترِدَّ (عسيرَ) لا اليُسرا
في الأرض نحنُ بألف عاصفةٍ
جبارةٍ أنتم بها أدرى
ولهذه القصائد المجلجلة التي تطاير شررها وامتد ليصل إلى قلب العدو، فقد كان على رأس قائمة أهداف العدو فقصف بيته في تعز بتاريخ 2015/9/23، فكتب الشاعر على إثر القصف قصيدة بعنوان "عزم اليمانيين"، يقول في مطلعها:
إن يقصفوا منزلي أو يحرقوا جسدي
ما خنت ذرة رمل فيك يا بلدي
وقُصف منزله للمرة الثانية بتاريخ 2016/1/10، فكتب قصيدة نقرأ منها هذا المقطع:
إن دمَّرُوا بيتي..
فسوف تظلُّ أبياتي المَشِيدةْ
لن يُطفئوا روحي
لأنَّ بداخلي روحَ القصيدةْ
تتساقطُ الأحجارُ..
والأشعارُ مازالت
مُكابِرةً عنيدةْ
حملوا إليها الموتَ
فانبعَثت بأعمارٍ عديدةْ
وقصائد الشاعر جميعها مذهلة حد الدهشة، وتتفاوت الدهشة والذهول من قصيدة لأخرى.. ولا أدري ماذا أقتطف من حدائقه الغناء المثمرة، فهذه القصيدة أجمل وتلك تبدو أروع، لكني على سبيل المثال سألفت الانتباه هنا لقصيدة "ومن آياتهِ".
ففي هذه القصيدة يسترسل الشاعر في سرد بديع للآيات والمعجزات التي تجسدت واقعا ملموسا في ألف يوم من أيام العدوان؛ فيفتتح جميع الأبيات بعنوان القصيدة "ومن آياتهِ"، إلى أن يختتم الآيات بقوله:
أرى في شعبنا اليمني موسى
وقد حُرمت عليه المرضعاتُ
فلم يرضعه غير الله نصرا
ومن آياته هذا الثباتُ
ونقرأ في قصيدته "منظومة ابن العاص":
‏(دِفاعاتُ) أمريكا الحديثةُ نعجةٌ
على نفسها من قصفنا ليس تدفعُ
لو استعرضوا سوءاتهم في مطارهم
فـ(منظومةُ ابن العاص) للردعِ أنفعُ
فتصنيعُنا الحربيُّ تلميذُ (حيدرٍ)
إذا ما تبدّت سوءةٌ يترفّعُ
وفي قصيدة "الفصل الأخير" نقرأ:
تسمَّرت من خُطاهُ الريحُ شاخِصةً
كما اقشعرَّ تُرابُ الأرض مُنبَهِرا
كنِسوةِ القصر صاحوا من متارسهم
(حاشا لربِّكَ ما هذا الفتى بشرا)
أما في قصيدة "حوار باليستي" فيجري الشاعر فيها حواراً رائعا وممتعا بين "بدر 1" و"بركان 2".
وهنا نستطلع أبياتاً من قصيدة "وحشية الصمت"، وفي العنوان ما ينبئ بالمحتوى من صور ومعان، فالصمت وحش مفترس، والضحايا مشاعل تضيء من بين الركام، في حين تتفحم وجوه الحقوقيين وأدعياء الإنسانية، يقول في القصيدة:
هل حان للإنسان أن يتكلما
وضمير هذا الكون أن يتألما
ولمسلميِّ الأرض أن يستيقظوا
والطائرات تُبيد شعباً مُسلما
البترودولار اشترى سلطاتهم
فمن اشترى صوت الشعوب وكمَّما؟!
من لم يقاتل شعبنا بسلاحه
بسكوتهِ أذكى الجراح وأضرما
وفي قصيدة "خارطة الطريق" نرى الشاعر يطوف بنا في أرجاء محور المقاومة، ونرى الدنيا تصبح حيدرية بجميع جهاتها على أحفاد هند والسائرين على خطاها الداعشية، يقول في القصيدة:
إلى (حلَبٍ) ترنو، وتُنشدُ نينوى
وفي كل أرضٍ صارَ يسحبُها اللحدُ
تحيدَرت الدنيا بكل جهاتها
عليكِ، فما أجدت حِرابُكِ يا (هندُ)
وراياتُكِ السوداء يا (نجد) نُكِّست
فوجهكِ من حشدي كظيمٌ ومُسوَدُّ
توزّعتِ أحقاداً على كل موطنٍ
ومن يستفزّ الأُسْدَ، تنهشهُ الأُسْدُ
ولأني في هذه الإطلالة لم أتطرق إلا لقصائده الخاصة بمواكبة العدوان، فسأختم هذه المقتطفات بمقاطع من قصيدته التي أهداها لابنته البكر (زينب)، والتي لم تخل من ربط بين طفلتهِ والطفولة المذبوحة طوال سنوات العدوان الخمس.
أترككم مع القصيدة كختام لهذه الرحلة الشيقة القصيرة التي قضيناها مع شاعر عظيم سيتوقف التاريخ معه طويلا، فقد رصع صفحاته بأبهى الفرائد واللآلئ والدرر.. يقول في مطلع القصيدة:
هيَّا اكبَرِي بالله يا (زينبي)
وتأتِئِي بِاسمِي.. وقولِي: أبي
هيَّا اكبرِي بالله واستعجِلِي
شُهوركِ الأولى على مَركَبي
يا زهرةَ الأطفال.. يا مَن أتَتْ
هدِيَّةً.. من كفِّ (طه النبي)
ويختم القصيدة:
يا ربّ فاجعلها كَمن سُمِّيَتْ
تيَمُّناً فيها.. فذا مطلبي
واثأر لنا ممّن بغوا واعتدوا
ظُلماً.. على الشعبِ العزيزِ الأبي
كمْ أحرقوا من طفلةٍ مثلها؟
كمْ أحرموا قلبين من زينبِ؟!
يا ابنتي.. والنصرُ مِيعادُنا
عن الثنا.. لله لا تذهبي
وسبِّحيهِ الآن نبضاً.. إلى
أنْ تكبري.. ثُمَّ اسجُدي واقرُبِي
بفضلِ ربِّي.. صرتِ لي طفلةً
ميلادُها: ميلادُ (طه النبي)!