بشرى الغيلي / لا ميديا -

فرضتْ جائحة كورونا أجواءها على كل شيء في حياةِ البشر على مستوى العالم، ومنه اليمن التي تعوّد أبناؤها على إقامةِ أعراسهم بخصوصيةٍ كبيرة، إلا أن البعض من العزّاب استغلوا فرصة الجائحة وأقاموا حفلاتٍ بسيطة خلصتهم من التكاليف التي قد تكون مبالغاً فيها، بينما البعض الآخر لم يكن مقتنعا بأن يكون عرسه بتلك الطريقة البسيطة وحاول تعويضها بشراء المفرقعات والألعاب النارية ذات الصوت المزعج للسكان في منازلهم في أنصاف الليالي، وبحسب تعبير أحدهم «تعبيرا عن شعورهم بنقص الفرحة»، فعوضوها بذلك، أو جاءت وفق المثل الشعبي «ديمة وخلفوا بابها».
الكثير من الآراء تباينت في التعبير عن وجهةِ نظرها ضمن الاستطلاع الذي أجرته صحيفة «لا» بين الشبان والشابات، ومنهم من قدّم تجارب جميلة وناجحة ومتميزة.. نتركك قارئنا الكريم مع السياق التالي.

كوشة وجاتوه وساعات محددة
نوال مرغم (إعلامية ومصورة أعراس)، تقول: «كمصورة حفلات زفاف كنت جزءاً من أعراس كثيرة.. وفي ظل الوضع الحالي مع انتشار «كوفيد 19» قررت أن أتوقف عن تصوير الأعراس لما له من خطورة حتى لا أصاب بالمرض أو أكون أنا من ينقله للآخرين».
وتستدرك: «لكنني اضطررت لمواصلة التصوير لأنه كان لدي حجوزات مسبقة ولا أستطيع إلغاءها كي لا أضع العروسة في موقفٍ محرج».
وتعبر مرغم عن ارتياحها لأن سقف الوعي كان جيداً جداً مما شجعها على الاستمرار في عملها والذهاب لتوثيق حفلات الزفاف، تقول: «تفاجأت عندما ذهبت للتصوير أن الأعراس اقتصرت على حفلات بسيطة يكون عدد الضيوف فيها قليلاً جداً ولا يتعدون 20 شخصاً، مع الاهتمام بالاحترازات الوقائية كالتباعد والتعقيم، وكان ذلك بالنسبة لي مفاجأة جميلة».
وتختم حديثها بالقول: «رأيتُ أن العرسان تخلصوا من أعباء كبيرة وتكاليف الزفاف الباهظة التي كانت تستمر لأيام وحتى لأسبوع عند البعض، حيث إن زمن كورونا أجبرهم على اقتصار حفلات الزواج على حفلة بسيطة متضمنة كوشة وكيكة وساعات محددة يتصور فيها العرسان، وزفة سيارات يشارك فيها الأقارب والجيران»، متمنية أن تكون الأعراس مستقبلا «ملبية لطموحات الشباب بعيدا عن التكاليف الباهظة».

طريقة استعراضية
رغم أن الإجراءات الاحترازية بسبب كورونا أزاحت عن كاهل الأسر جزءاً كبيراً من التكاليف الباهظة التي ينفقونها عادةً في الأعراس، إلا أن البعض أنفق ما وفره في التكاليف بشراء الكثير من المفرقعات والألعاب النارية.
المجتمع اليمني لا تخلو أفراحه ـ بطبيعة الحال ـ من استخدام الألعاب والمفرقعات النارية كونها تعبّر عن الفرح والابتهاج بهذه المناسبات الخاصة، بحسب ما تقول الإعلامية منى البرطي، التي تستدرك: «إلا أن الأمر قد يصبح مزعجاً للغاية، خصوصاً عند المبالغة في استخدامها بشكل مفرط وبطريقة استعراضية مثيرة للاستنكار، فتتحول ساحة العُرس لدى البعض إلى ما يشبه ساحة للمعركة تهتز بأصوات انفجارات الألعاب، بالذات الشديدة منها، مسببة حالة من الذعر والقلق في أوساط المتواجدين والساكنين، ناهيك عن الحوادث المؤسفة التي قد لايسلم منها البعض نتيجة استخدامها بطريقة عبثية أو لكونها منتهية الصلاحية فتنفجر بين يدي مستخدميها قبل انطلاقها، مسببة في الغالب عاهات مستديمة تظل مرافقة للمصاب طيلة حياته».
وترى البرطي أن الحل يكمن في الوعي والإدراك لخطورة الظاهرة، والالتزام عمليا بتقنين استخدام هذه الألعاب ضمن الإطار الذي يضمن السلامة أولاً كون بعضها تشكل تهديدا حقيقيا للسلامة العامة.

السعادة بتكاليف محدودة
هناء العباسي (نظم معلومات إدارية)، تحكي عن صديقتها التي تزوجت مؤخراً، حيث أقامت عرساً بسيطاً في منزلها، ووجهت الدعوة لعددٍ محدود اقتصر على أهلها وأهل زوجها، وتم العرس بهذه الصورة والسعادة تغمر القلوب، حسب تعبيرها.
أما مشكلة استخدام البعض للألعاب النارية في الأعراس، فتقول العباسي: «إنفاق البعض للأموال التي وفروها من تكاليف العرس، من أجل شراء الألعاب النارية، هو كمثل من يأخذ التلوث ويدخله إلى بيته، فالألعاب النارية تسبب أيضاً تلوثاً للهواء وضوضاء وإزعاجاً للناس، وهذا تصرف خاطئ، نتمنى التخلص منه».

الاحترازات قلّلت من التكاليف الباهظة
تجربة عرس جميلة يحكيها لــ«لا» ماهر الحمادي (مخرج بإذاعة يمن FM)، يقول: «الخميس الماضي كان عرس ابن خالتي، وقد ساعدتنا الإجراءات الوقائية بسبب كورونا وقللت من الغرامة، ووفرت الكثير من المال، بينما خالي كان يهم مصاريف الصالة والعرس والمعازيم والفنانين وغيرها من المصاريف التي يستنزفها الناس عادة في الأعراس».
ويضيف الحمادي: «التكلفة كانت ما يقدر بـ400 ألف ريال، وحضر العرس ما لم يتجاوز 40 شخصا من الأقارب والأصدقاء، ولو كنّا في أيام أخرى خالية من الوباء لكانت الخسارة قاربت المليون ريال».

تهانٍ إلكترونية
«كورونا حليف العزاب لأنه خفض من التكاليف الباهظة للأعراس، فلا حفلات ولا صالات أعراس ولا عزومات ولا شيء خوفا من الفيروس»، بهذا بدأت رحمة الآنسي (كلية الإعلام) حديثها معنا، مضيفة: «كورونا ليس حليفا للعزاب فقط، وإنما جاءت هذه الجائحة والشائعات المفبركة فكانت تأديباً للجميع بعدم التبذير في تكاليف الأعراس بكل أنواعها. فما أجمل البساطة وراحة البال والتخفيف من التكاليف عن الناس».
وتروي الآنسي عن تجربة لأقاربها في التعامل مع الأعراس، بالقول: «الكثير من الأقارب اكتفوا بالتهاني الإلكترونية حفاظا على أرواح الأهل والأصدقاء والجيران».
أما بالنسبةِ للمفرقاتِ والاستخدام المبالغ فيه، فتقول: «هناك مثل شعبي يقول: ديمة وخلفوا بابها.. أي أن الكثير من الناس قد يفكرون ويلجؤون إلى عمل الكثير من الأشياء والعادات البديلة، ومن بينها الألعاب النارية في الأعراس واستخدامها بكثرة تعويضا عما لم يتم عمله خلال الفترة الماضية في هذه المناسبة، رغم إدراكهم مدى خطورتها وإزعاجها».

الملتزمون قليلون جدا
يرى محمد الخالدي (إعلامي) أن التزام أصحاب الأعراس بالتباعد الاجتماعي لا شك أنه سيؤدي إلى توفير الكثير من النفقات التي قد تكون باهظة، غير أن الملتزمين قلة قليلة جداً، فالكثيرون لم يهتموا بالتكاليف طالما المدعو للحضور يأتي من مصروفه الخاص إلى موعد العرس، أما الشباب فإن القليل منهم بقي في البيت ورفض حضور المقيل خوفاً من كورونا، بحسب الخالدي.
ويضيف الخالدي: أعرف بعض الأصدقاء والزملاء الذين فضلوا البقاء في البيت وأخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة فيروس كورونا، وهذا ولّد لديهم فراغا كبيرا ساعدهم للاستفادة منه واستغلاله في المطالعة وكسب المعرفة العلمية سواء بقراءة الكتب الإلكترونية أو بالمشاهدة عبر برامج التواصل الاجتماعي.
أما ما تم إنفاقه على شراء الألعاب النارية من قبل البعض، فيصف ذلك بالقول: «هذا تصرف مزعج جدا كونه سبب إزعاجا في الأوقاتِ المتأخرة من الليل للسكان الآمنين في منازلهم سواء كانوا نياما أو يقظين».

كورونا عدو العزاب
عبدالله السوسوة (هندسة ميكاترونكس)، له وجهة نظر مغايرة عما سبقه، فهو يرى أن كورونا لم يكن حليفاً للعزاب، «بل هو عدو لكل عازب أقام عرسه في زمن كورونا.. لماذا؟».
ويستطرد: «لا شك أن أغلبية الشباب يرون أن يوم عرسهم يأتي مرة واحدة في العمر، وبالتالي فإن كل واحد منهم يريد أن يجعل من هذا اليوم مميزاً بكل ما تعنيه الكلمة، فهو يريد الاحتفال والرقص والمقيل مع جميع أهله وأصدقائه، يريد أن يرى الصف الطويل الذين ينتظرون دورهم للسلام عليه والمباركة له، يريد أن يسمع اسمه يُنطق بأعلى صوت أثناء زفته.. باختصار يُريد أن يجعل منه يوماً لا يستطيع نسيانه.. أما من الجانب المادي فأغلبية الشباب لا ينظرون إلى كمية الأموال التي تصرف في أعراسهم بقدر شعورهم بضخامة مراسيم أعراسهم.. ولا شك أن هناك قلة قليلة من الذين جعلوا زمن كورونا فرصة لانتهازها للهروب من كل تلك التكاليف».
ويعتبر السوسوة أن الاستخدام المكثف للألعاب النارية في الأعراس إنما هو لسد الشعور بالنقص في ذلك اليوم لدى العرسان.. «البعض يشعر بأن يوم عرسه مجرد يوم عادي وليس مميزاً، فيطلب تكثيف الألعاب النارية من أجل إحداث ضجة وشوشرة في يوم عرسه أمام الناس».

مبادرات لإكمال الفرحة
أحمد السمحي (جامعة صنعاء) يقول: «كورونا خفف الكثير من التكاليف على العروسين من جوانب عدة، مما سهل لهم إكمال نصف دينهم، كما أن زمن كورونا أخرج الكثير من المبادرات مثل «عرسك في بيتك»، و«عرسك عبر النت»، وغيرها.. كذلك هناك أعراس أقيمت على سطوح المنازل».
ويضيف: «أما الألعاب النارية، فمن وجهة نظري، أرى أنها ترسم سعادة مختلفة وقت الزفة، وأنا أؤيد الألعاب النارية في الأعراس، ولكني لست مع الألعاب ذات الصوت المدوي، وبالإمكان استخدام المضيئات فقط كونها تضيء في الجو، فالعرس فرحة، ويجب ألّا تكون هذه الفرحة على حساب إقلاق السكينة العامة، وإفزاع مريض، أو شيخ كبير، أو طفل صغير».

«ضوي لي مائة شمعة»
عن تجربةٍ أخرى تبدو مختلفة كثيراً، وهي المبادرة التي أطلقتها فضائية «الهوية» تحت عنوان «أعراسنا هوية»، وهي أنهم يقومون بنقل الأعراس على الهواء ويتابعهم أهاليهم عبر البث المباشر، ولا يحضر إلا العرسان فقط.. تحدثت عن هذه التجربة، سارة عبدالكريم (ربة بيت) بالقول: «شاركنا عُرس ابن أختي وفرحته من خلف الشاشة ولا التقينا بأحد، حيث حددوا يوما للزفة والحضور للقناة والتنسيق معهم وأبلغوا كل الأقارب والأصدقاء والجيران بالمتابعة.. أما العروسة فتم تجهيزها في بيت أهلها وذهب العريس لأخذها بعد خروجه من القناة على أنغام «ضوي لي مائة شمعة».. وبرأيي أنها أشياء فرضتها جائحة كورونا، إلّا أنها فكرة حلوة جدا وراقية بعيدة عن التكلّف والتكاليف، ورب ضارة نافعة».
وتبقى الفرحة تحت أي ظرفٍ كانت، في قلب كل اثنين جمعهما الرباط المقدّس تحت سقفٍ واحد، ووحد مشاعرهما في بناءِ عشهما الصغير ومملكتهما التي يديرانها لحياةٍ أكثر استقرارا بعيدا عن افتعال أية بهرجة زائفة تنتهي بمجرد عودة المعازيم من حيث أتوا، سواءً تكاليف باهظة، أو مفرقعات للفت الانتباه ليس إلّا، رغم إزعاجها وسوء عواقبها.. والتجارب الجميلة التي تم الحديث عنها ضمن الاستطلاع باقتناع أصحابها، تستحق أن تستمر حتى لما بعد كورونا، فالسعادة الحقيقية تكمنُ في البساطة، وما دونها فائض عن الحاجة.