أنس عبدالكافـي / مرافئ لا -

هناك من يحلو لهم أن يسحبوا مفهوم «الوطنية» الحديث، ويُضفوه على أحداث تاريخية متناقضة مع هذا المفهوم، ومنها أن «عبهلة العنسي» ثائر وطني تحرري، وذلك من أجل تعزيز موقفهم السياسي الراهن ضد القوى اليمنية المواجهة للعدوان، وفي مقدمتها «أنصار الله»، وبالتالي فهو موقف يخدم العدوان ومشروعه التمزيقي الذي ظهر في مسودة مشروع الأقاليم غير المتوافق عليه، والمبني على أسس مذهبية مناطقية شمالا وأسس التقسيم الاستعماري جنوبا.
هذه المسألة، وإن كانت اليوم أشد بروزاً، فقد ظهرت سابقاً، وفندها بشكل علمي المفكر الماركسي اليمني د. محمد علي الشهاري، الذي يرفض وجهة النظر التي «ترى أن اليمن خضعت لحكم أجنبي باسم الخلافة مارسته قريش، وتفسر كل حركة سياسية قامت في اليمن منذ حركة عبهلة العنسي بأنها كانت مصوبة باتجاه الخلاص من الحكم «الأجنبي»!»، وكذلك وجهة النظر التي ترى أن اليمن من صنعت الدولة الإسلامية «مع إهمال كامل لدور سكان شمال الجزيرة العربية أو تحجيم هذا الدور». وكما يجد الشهاري «فليس في كلتا النظرتين ما يعتبر جديداً تماماً، فهما استمرار لخلافات قديمة بين الأرستقراطية الإقطاعية اليمنية وبين الأرستقراطية القبلية القيسية».
الدكتور حسين مروة في كتابة «النزعات المادية...»، تناول ظاهرة «عبهلة العنسي»، واعتبرها رجعية لأنها جاءت ضد مسار التطور التراكمي العام، يقول مروة: «سميت حروب الردة لأنها كانت ظاهرة ارتدادية تشمل معنى الارتداد عن الطاعة للنظام الضرائبي (الزكاة) عند بعض القبائل، كما تشمل معنى الارتداد عن التدين بالإسلام عند قبائل أخرى في اليمامة، وهي بجملتها حروب يصح أن نطلق عليها بلغة العصر حروب الثورة المضادة، كونها ذات مضمون اجتماعي رجعي، لأنها في جوهرها العام تناهض الجانب التقدمي من الحركة الاسلامية». 
في مقالته ركز الشهاري على ما اتفق حوله المفكرون بدءاً من ابن خلدون، مروراً بماركس وإنجلز، وانتهاء بحسين مروة وغيره من الماركسيين العرب الذين يؤكدون الأهمية التاريخية العالمية للحركة العربية الإسلامية التي كانت اليمن إحدى روافعها التاريخية، وكانت الدعوات الارتدادية عن الدولة الإسلامية في اليمن واليمامة نقيضاً لها. ومن الجدير ذكره، وهو ما جاء في مقال الشهاري، أن المفكر والقائد الوطني التحرري الاشتراكي عبدالفتاح إسماعيل في معالجته لوضع اليمن قبل الإسلام، قد استشهد بفقرات هامة لماركس وإنجلز، التي تبين أن الإسلام كان هو المخرج التاريخي لليمن من أزمتها التي كانت تعيشها.